ظاهرة تزداد حدّتها خلال الشهر الفضيل

الإفراط في التسوق صورة للإسراف والتبذير

الإفراط في التسوق صورة للإسراف والتبذير
  • 112
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تشهد الفضاءات والمساحات التجارية الكبرى استقطابا كبيرا للزبائن قبل حلول شهر رمضان بأيام، وحتى خلاله لاقتناء مشترياتهم؛ تحسبا لاستقبال هذا الضيف، مشكلين طوابير أمام مداخل تلك المحلات، وعند صناديق الدفع، خصوصا بعدما أصبحت المناسبة عند البعض مرادفة لتحضير أصناف متعددة من الأطباق، لتحدث حينها واحدة من المظاهر التي ينهى عنها ديننا الحنيف، وهي الإسراف والتبذير؛ إذ تقبل بعض العائلات على شراء أغذية تزيد عن حاجتها الحقيقية، والتي يكون مصيرها في النهاية المزابل. ورغم ذلك يتواصل هذا السلوك كل سنة في غياب الوعي الاستهلاكي.

حول هذا الموضوع تحدثت "المساء" إلى أستاذ الاقتصاد محمد ياسين بابا، الذي قال: "المبالغة في الشراء تبرز في الجزائر بشكل ملفت للانتباه. وهي حالة جديدة لم نعهدها قبل سنوات، لا سيما أن السلوك الاستهلاكي للفرد كان واضحا ومحدودا. إلا أن تفتُّح السوق وتنوع العروض غيَّر تلك السلوكات، وتوجه نحو الطلب وفق العروض المتاحة أكثر".

وأوضح أن ظاهرة الشراء المندفع أو ما يُعرف بالمبالغة في التسوق، شبيهة بالداء، "لا يمكن، أحيانا، التحكم فيه. ويبلغ في بعض الأحيان فقدان السيطرة". وأردف أن "هذا السلوك يتجلى عند ملاحظتنا الفئة التي تنفق أكثر من مداخيلها، خاصة من متوسطي الحال المادية، وهذا ما يولّد في بعض الأحيان، مشاكل اقتصادية، تكون أعراضها الجانبية التبذير والإسراف". وأضاف أن تلك السلوكات قد يقوم بها ميسورو الحال، الذين لهم استعداد لدفع أكثر مقابل سلعة قد تكون قيمتها أقل، وهو ما يخلّف توجها نحو الاستهلاك أكثر. 

وأضح المختص أن توجيه الاستهلاك ليس بالأمر السهل، خصوصا بعد انفتاح العائلات على مفاهيم جديدة في التسوق، من خلال تجريب منتجات جديدة وأكثر تنوعا؛ ما خلق واحدا من مسببات الاستهلاك المفرط. وتأسف الاقتصادي قائلا: "إن الاستهلاك المفرط لا يعني دائما تناول أو استعمال ما تم اقتناؤه، بل في كثير الأحيان يكون مصير تلك المشتريات المكب والنفايات بسبب تلفها، أو بسبب سوء تخزينها، وعدم استهلاكها مباشرة، أو تحضير كميات كبيرة من الطعام"، مؤكدا أن هذا التوجه له تأثير على المجتمع، والاقتصاد ككل.

وأوضح المختص أن الكثير من الحكومات تعمل على محاربة الظاهرة من خلال سياسات الرسكلة، والتدوير، وعدم التبذير التي ينتهجها كثير من المؤسسات بعد الخسائر التي تكبدتها نتيجة السلوك الاستهلاكي المفرط للمجتمع، وهي السياسة التي قال عنها: "لا بد من التفكير فيها بالجزائر جديا؛ من أجل التحكم في تلك السلوكات. التبذير مضر بجيب المستهلك من جهة، وبالاقتصاد عامة من جهة أخرى".

وعلى الصعيد الديني حذر مبارك دراريني، إمام مسجد وأستاذ التربية الإسلامية، من تلك التصرفات التي وصفها بالخطيرة، والتي قال عنها: "لا علاقة لها بسلوكات المسلم الحكيم"، مشيرا الى أنه في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي يعيشها العالم، فمن غير الرشيد المبالغة في الاستهلاك واقتناء الحاجيات باهظة الثمن، وإسرافها دون حقيقة استهلاكها، موضحا أن الدين الإسلامي ينهى عن مثل هكذا سلوكات.

وأوضح أن "خير الأمور أوسطها"، فلا البخل جيد، ولا الإسراف جيد، بل لا بد أن يكون اعتدال بينهما، واستهلاك في المعقول، وتوجيه الفائض نحو المحتاج الذي هو أكثر حاجة لتلك المواد التي قد تنتهي بها في بعض الأحيان، مع النفايات، في وقت قد تقضي فيه عائلة بأكملها يومها دون أكل ولا شرب فارغة البطن، وهذا أمر قال إننا نعيشه دون أن ندرك ذلك.

ولقد وصف الله تعالى المبذر بأخي الشيطان لقوله تعالى :"وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"، فالاستهلاك الرشيد أمر ضروري، وأن يكون باعتدال، وفي حدود ما نتناوله لا أكثر، ومحاربة هذه التصرفات التي تزداد حدتها خلال الشهر الفضيل، لاسيما أن الشهر هو شهر الصيام لتربية النفس وترويضها، لا لإشباع جوعها والانسياق وراء غريزة الأكل.