سهرة لاتينية في ثاني ليالي السيمفونية
أداء أوبرالي مكسيكي ونافذة على "إل سيستيما" فنزويلا

- 150

أوبرالي مكسيكي ونافذة على "إل سيستيما" فنزويلا
كانت السهرة الثانية من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية الرابع عشر، لا تينية بامتياز؛ حيث اعتلى ركح أوبرا الجزائر "بوعلام بسايح"، أوّل أمس، ثلاثي مكسيكي، وأوركسترا الحجرة سيمون بوليفار من فنزويلا، ليمتعا الجمهور الذي غصت به القاعة؛ في سهرة تعدّت حدود الإبداع، واستحضرت مزيجا من الأحاسيس والقصص، بنوتات موسيقية أبدعها العازفون، وأتقنوها.
القسم الأوّل من السهرة أحياه الثلاثي المكسيكي السوبرانو لويزا موردال، البريتون كارلوس رينوزو، وعازف البيانو الموسيقار رولاندو غارزا، فأبدع في المقاطع الموسيقية السمفونية والأوبرالية المنتقاة لموسيقيين أمثال جواكينو روسيني إلى جاكومو بوتشيني، مرورا ببهار، ووصولا إلى رولاندو غارزا رودريغز.
البداية كانت مع السوبرانو الجميلة لويزا موردال التي قدّمت بصوت أوبرالي رائع مرفقة بعازف البيانو المايسترو رولاندو غارزا، مقطعا من أوبرا "مانون" للموسيقار الفرنسي العالمي جول ماسيني. وسخرت مع الجمهور في "لا أزال أشعر بالدوار"، وبمقطع "يا له من مصير، ماذا تفعل الفرصة باللص؟" للموسيقار جواكينو روسيني.
وأطلّ البرايتون كارلوس رينوزو بصوت وحضور طاغيين. زادهما تنوّع طبقاته الصوتية وتناسقها مع حركات جسمه، تميّزا، لتعود السوبرانو موردال من جديد وتقدّم "نعم، ينادونني ميمي لا بوهيميا" لجاكومو بوتشيني. وقاسمت الجمهور، في ما يبدو، قصتها الحزينة. وفي ثلاثية "حكايا سوداء" لمارتيناز أي غالناريس (1930- 2013)، روى البرايتون رينوزو "قصة حب الفتاة الصغيرة السوداء". واشتكى "أسود دون أيّ شيء في بيتك".
وصدح بـ"غناء أسود"، في وصلة أبانت عن تحكّم كبير في مخارج الأنغام بين لحظات اليأس والغضب، وكذا الإصرار والحزن، لتفصح السوبرانو موردال عن "اليوم الذي تحبني فيه" لرولاندو غارزا رودريغاز، قبل أن يسلّط البرايتون الضوء على "رسالة من دون كيخوت إلى دولسينيا ديل توبوسو".
وكانت خاتمة الحفل المكسيكي خاتمة الجزء الأوّل من السهرة الثانية من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية، ثنائية أوبرالية للبرايتون كارلوس رينوزو والسوبرانو لويزا موردال؛ حيث التحم صوتاهما من أجل "الشفاه الصامتة للأرملة المرحة" للموسيقار ليهار. وكان، بحق، ختاما مرحا، ومفعما بالأحاسيس.
الجزء الثاني من السهرة التي كانت واحدة من أبهى أمسيات هذه الدورة، كان استثنائيا من خلال ما اقترحته أوركسترا الحجرة "سيمون بوليفار" من فنزويلا بقيادة المايسترو الشاب إنلويز مونتيس أوليفار، حيث تركت بصمة فنية عميقة في مسار المهرجان، كيف لا وفنزويلا أرست قواعد برنامج "إل سيستيما"، الذي أثبت أنّ الموسيقى ليست مجرد فن، بل وسيلة لبناء الإنسان، وبوابة للنهضة الاجتماعية والتعليمية.
واستهلّت الأوركسترا برنامجها بـ"أمي الإوزة" لموريس رافيل. وتتوالى المقاطع والمعزوفات الموسيقية من البافان الحالمة إلى الحديقة الساحرة، مرورا بـعقلة الإصبع، وإمبراطورة الباغودات إلى السمفونية الثامنة لأنطونين دفورجاك، وسط تفاعل كبير من الجمهور، الذي بدا مأخوذاً بتلك الشاعرية الفائقة التي قدمها سبعون موسيقياً باحترافية وانسجام لافت. وقد أظهر المايسترو مونتيس أوليفار قدرة مذهلة على المزج بين الطابع الرومانسي الأوروبي، والنبض الإيقاعي لأمريكا اللاتينية، مانحاً كل حركة طاقة داخلية تنبض بالحياة.