السهرة الثالثة من المهرجان الدولي السيمفوني
بالله يا حمامي" و"باتا باتا" تجمعان شعوباً عبر الموسيقى

- 123

شهدت دار الأوبرا "بوعلام بسايح"، في إطار فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية في طبعته الرابع عشرة، واحدة من أمسياته الأكثر تميزاً وتنوعاً؛ حيث التقت أنغام أوروبا الشمالية بعمق الألحان الإفريقية، في عرض موسيقي جمع بين الفرقة الدنماركية "كفينتيت نوردفيند" (خماسي ريح الشمال) ورباعي "السلام" الجنوب إفريقي. ولم تكن هذه الأمسية الموسيقية الاستثنائية مجرّد عرض فني، بل كانت مناسبة لتكريم التراث، وتجسيد الحوار الثقافي، والتأكيد على أن الموسيقى تبقى لغةً عالميةً توحّد الشعوب.
افتتحت الفرقة الدنماركية "كفينتيت نوردفيند" الأمسية بمقطوعة مبهجة للمؤلف يورغن جيرسيلد بعنوان "اللعب في الغابة"، حملت الجمهور في رحلة إلى أحضان الطبيعة والريف الدنماركي، ومن خلال مقطوعات متنوعة مثل "خماسي الرياح"، و " المرح"، و "الرقصة البطيئة"، و"الأندانتينو الرعوي"، ففتحت الفرقة نافذة موسيقية على التراث الدنماركي بأسلوب لحني راقٍ ومتأمل.
وأظهر كل من رود سيمون روزنكيلدي ومارتنسون أرني مارتن جوهاني وباقي أعضاء الفريق، براعة فائقة في العزف على آلات النفخ مثل البوق، والكلارينات الباص، والمزمار، وسط تفاعل جماهيري كبير. وكان مسك ختام وصلة الفرقة الدنماركية أداؤهم المفاجئ والمؤثر للأغنية الجزائرية "بالله يا حمامي" بتوزيع خاص من المايسترو لطفي سعيدي. هذه اللفتة الفنية التي تدرّبت عليها الفرقة قبل أيام فقط من المهرجان، لاقت استحسانا كبيرا من الحضور، وعُدت بمثابة جسر موسيقي بين الثقافتين، وهدية صادقة للجمهور الجزائري.
"رباعي السلام" يُحيي روح "ماما إفريقيا" أما الجزء
الثاني من الأمسية، فقد حمل توقيع رباعي الأوتار الجنوب إفريقي "أوديون" المعروف بـ"رباعي السلام" برفقة السوبرانو سيبوكازي مافومولو. وقدّم الجوق عرضاً موسيقياً إنسانيا وثقافيا رفيعا، تميّز بدمج النغمات الإفريقية الأصيلة بالتقاليد الكلاسيكية الأوروبية، من خلال أعمال معاصرة لملحنين أفارقة؛ مثل هوفماير وكوابينغ، بالإضافة إلى العمل السردي الدرامي "سافيكا – ثلاث حكايات عن الهجرة الإفريقية" .
وكانت اللحظة الأبرز في الحفل عندما أدت مافومولو بصوتها العذب وحضورها المسرحي المذهل، أغنية "باتا باتا" الشهيرة للفنانة الراحلة ميريام ماكيبا. وقد اختارت أداءها على طريقة الأكابيلا؛ في لحظة ختامية مؤثرة، تجاوب معها الجمهور بشكل كبير، حيث بدت كتحية رمزية لروح "ماما إفريقيا" ، ورسالة نضالها من أجل الحرية والكرامة.
ويحمل هذا الأداء دلالات تاريخية عميقة، لا سيما أن الجزائر احتضنت ميريام ماكيبا، ومنحتها جنسيتها سنة 1972 بعد نفيها بسبب مواقفها المناهضة للفصل العنصري. كما غنّت منها أغنيتها الشهيرة "أنا حرة في الجزائر" ؛ في مشهد لايزال راسخاً في الذاكرة الثقافية الإفريقية.