السهرة الرابعة من مهرجـان الجزائر للموسيقى السيمفونية

نوتات عابرة للحدود.. من طوكيو إلى القاهرة مرورًا بسيول

نوتات عابرة للحدود.. من طوكيو إلى القاهرة مرورًا بسيول
  • 130
دليلة مالك دليلة مالك

استقبلت أوبرا "بوعلام بسايح" بالجزائر العاصمة، ثلاثة عروض موسيقية، سهرة أول أمس، ضمن الدورة الرابعة عشرة للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية، جمعت بين أنغام من الشرق الأقصى ونفحات النيل وسحر الموسيقى الأوروبية، قدّمتها فرق من اليابان، كوريا الجنوبية ومصر، في تناغم بديع جمع بين التراث والحداثة.

لقاء الشعر بالموسيقى

قدّمت اليابان عرضًا ساحرًا حمل توقيع ثلاثة فنانين مرموقين عازف البيانو توشيكي أوسيو، الميزو-سوبرانو تايكا هينو، والعازف والمؤلف هيرونوري إيشيزاكي، في سهرة استثنائية امتزجت فيها الشاعرية الشرقية بروح الموسيقى الكلاسيكية.

افتتحت السهرة الرابعة من عمر المهرجان، بمقطوعات يابانية خالدة مثل "أوبوروزوكيو" لت. أوكانو و"ذكريات الصيف" لي. ناكاتا، حيث نقلت تايكا هينو، بصوتها العميق وقدرتها التعبيرية اللافتة، المستمعين إلى أجواء الريف الياباني الهادئ. أبدعت هينو، صاحبة التجربة الطويلة في الغناء الأوبرالي الأوروبي، في تجسيد القصائد اليابانية بروح درامية وإنسانية مؤثرة.

رافقتها على البيانو لمسات توشيكي أوسيو، الذي أدهش الحضور بأدائه المتقن وصوته الموسيقي الداخلي العميق، إذ نسج فضاءات صوتية شديدة الحساسية، بفضل تكوينه الأكاديمي المتنوع بين طوكيو وسالزبورغ وخبرته الواسعة في الموسيقى المعاصرة.

أما اللحظة الأكثر تميّزًا في الأمسية، فكانت مع عرض "سويتة مانيوشو" من تأليف هيرونوري إيشيزاكي، المستلهمة من ديوان "مانيوشو" الشعري الياباني العريق، حيث عبّر من خلال أربع حركات عن الفصول الأربعة، بمزج خلاق بين التراث الياباني والتقنيات الحديثة، في مشهد موسيقي تأملي عاطفي.ولم تغب السينما عن العرض، إذ قُدمت، مقطوعة "الأميرة مونونوكي" للملحن جو هيسايشي بروح حالمة، واختُتمت السهرة بأغنية "سوران بوشي" الشعبية، التي ألهبت حماس الجمهور، مؤكدًة على قدرة الموسيقى اليابانية على مخاطبة الإنسان أينما كان، بلغة السلام والانفتاح الثقافي.

الثنائي الكوري "أينوس".. آلات بلغة القلب

ومن اليابان إلى كوريا الجنوبية، حيث اعتلى الأخوان دا-مين كيم (كمان) ودا-هي كيم (بيانو) خشبة الأوبرا الجزائرية ليقدما، تحت اسم "أينوس"، عرضًا موسيقيًا رومانسيًا بطابع فرنسي مميز، أبهر الجمهور بدقته العالية وشاعريته الرفيعة.

بدأ العرض بسوناتا رقم 1 لغابرييل فوريه، حيث تألق الكمان بنغمه النقي والشفاف، مدعومًا بعزف بيانو دافئ وحنون، وكأن الآلتين في حوار وجداني عميق. تفاعل الجمهور مع مختلف حركات السوناتا، من الرقة الحالمة إلى الحماس والحيوية في الخاتمة.

وتواصل العرض بسوناتا الكمان والبيانو لسيزار فرانك، حيث برزت براعة الأخوين في تجسيد تنقلات المزاج الموسيقي بين الدفء، والعاصفة الدرامية، وصولًا إلى لحظات تأملية كأنها ارتجال من السماء، واختتمت بانسيابية مؤثرة وحسية عالية. كانت ليلةً تحدّثت فيها الآلات وحدها، واختزلت كل الكلام في نوتات تعزف على أوتار الروح.

مصر.. نيلٌ يعزف السيمفونيات

بدورها، أبدعت فرقة "هاتور للأوتار" المصرية في تقديم عرض استثنائي بقيادة المايسترو أحمد فرج، في سهرة حملت نفحات النيل إلى قلب الجزائر. لم تكن مجرد حفلة موسيقية، بل كانت رسالة وجدانية من الجنوب إلى الشمال، حيث تقاطعت الموسيقى لتوحّد المشاعر.

انطلقت الوصلة المصرية بسيمفونية في سلم مي الصغير للمؤلف "سي. في. باغا"، تميزت بالعمق والتماسك، تلتها "رابسودي" تنوعت فيها الإيقاعات وتألقت آلات النفخ، لا سيما الفلوت والكلارينيت. غير أن اللحظة الأجمل كانت مع أداء أوركسترالي ساحر للأغنية المصرية "آهوا ده اللي صار"، حيث لمع أداء عازفة الفلوت هدى عبد العظيم بنعومة آسرة، فبدت أنغامها كخرير النيل الهادئ.

كما تألق عازفون آخرون مثل عبد السلام محمد (كمان)، رنا أكرم (فيولا)، أميرة نصر (كلارينيت)، وعمرو إبراهيم (كونترباص)، في عرض جماعي جسّد الانضباط والذوق الفني الرفيع، خاصة مع ختام الأمسية بأداء سيمفونية مصغرة مستوحاة من أعمال شتراوس وشوستاكوفيتش، في توزيع تميز بالدقة والتعبير الدرامي.