وسط حضور جماهيري غفير
ختام سيمفوني على أوتار النمســا وإيطاليا

- 135

أُسدل الستار، مساء الأربعاء الأخير، على مجريات الدورة الرابعة عشرة من المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية، بعرضين مميزين أقيما بأوبرا "بوعلام بسايح" في الجزائر العاصمة، جسّدا التنوّع الثقافي وثراء التعبير الموسيقي العالمي، وسط حضور جماهيري غفير وتفاعل فني لافت.
اختتمت الجزائر مهرجانها السيمفوني في دورته الرابعة عشرة، على نغمات الكمان الإيطالية وهمسات البيانو النمساوي، في احتفاء أصيل بالموسيقى بوصفها لغة تتجاوز الكلمات وتوحّد الأحاسيس. وشهدت السهرة الأخيرة من المهرجان تألق الثنائي النمساوي يوري ريفيتش (كمان) وثيودوسيا نتوكو (بيانو)، في عرض استثنائي جمع بين سحر الكمان وحساسية البيانو، استقبله الجمهور برحاب صدر.
افتُتح الحفل بـ«سوناتا ترِيل الشيطان" الشهيرة للمؤلف الإيطالي جوزيبي تارتيني، حيث أبدع ريفيتش في تجسيد التوتر الدرامي والعمق التعبيري، فيما قدّمت نتوكو مرافقة مليئة بالإحساس والمرهفة.
وانتقل الجمهور بعدها إلى مؤلفات ريفيتش الخاصة التي تميزت بأصالة موسيقية واضحة، قبل أن يحلق الثنائي في أجواء "سوناتا الكمان والبيانو الثانية" للفرنسي موريس رافيل، لاسيما في الحركة الثانية "البلوز" التي نالت إعجاب الجمهور بإبداعها التقني. واختُتم العرض بعمل استعراضي لافت مع "فانتازيا على كارمن" لبابلو دي ساراساتي، أظهر فيه ريفيتش كامل مهاراته التقنية وسط تفاعل كبير من الحضور.
وحملت الوصلة الأخيرة من حفل الختام توقيعا إيطاليا مميزا، قدمته "المؤسسة الموسيقية السيمفونية لفريولي فينيتسيا جوليا" (Orchestre FVG) بقيادة المايسترو باولو باروني، ضمن عرض أوبرالي بامتياز جسّد عبق الفن الإيطالي، بمشاركة أصوات لامعة مثل السوبرانو أنجليكا لابادولا والمغنية سفيڤا بيا لاتيرزا والتينور باولو ماسكاري.
قدّمت الأوركسترا روائع من أعمال روسيني، بيليني، بوتشيني، فيردي ودونيزيتي، بدءًا من افتتاحية "حلاق إشبيلية" إلى آريات ودويتوهات أوبرالية أبهرت الجمهور، مثل "Casta diva" و«Mira o Norma" و«Parigi o cara"، حيث تجلّى التناغم الصوتي والاحترافية العالية في الأداء.
في هذا السياق، أبدى المايسترو الإيطالي باولو باروني، قائد "أوركسترا فريولي فينيتسيا جوليا"، اعتزازه الكبير بالمشاركة في السهرة الختامية لمهرجان الجزائر الدولي للموسيقى السيمفونية، التي خصّصت للاحتفاء بالأوبرا الإيطالية، وصرّح قائلاً "من الرائع أن ننقل عبق الموسيقى الإيطالية إلى جمهور بهذا الذوق والحسّ، نحن سعداء جدًا بهذا اللقاء الفني."
وأوضح باروني أن الأوركسترا التي يقودها حديثة النشأة لكنها تحمل طموحًا كبيرًا لتوسيع حضورها عالميًا، خصوصًا من خلال تقديم عروض متنوعة وغنية من ريبرتوار الأوبرا الإيطالية.
وعن معرفته بالموسيقى الجزائرية، أشار إلى أنه لا يزال في بدايات استكشافها، لكنه عبّر عن حماسه لاكتشافها عن قرب، قائلاً "أحبّ كل أنواع الموسيقى، وأرى أن ما تزخر به الجزائر من تنوّع لحني وآلات فريدة قد يكون مصدر إلهام جديد لنا."
كما تحدّث عن خصوصيات قيادة الأوركسترا في عرض أوبرالي، مبرزًا أهمية التناغم بين جميع العناصر الفنية للحفاظ على الروح الدرامية. وختم تصريحه بالتأكيد على رغبته في العودة مستقبلًا "كانت تجربة ثرية بكل المقاييس، وأنا متشوّق للتعرف أكثر على هذا البلد الجميل وموسيقاه العريقة."
بالمناسبة، عبّر محافظ المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية المايسترو عبد القادر بوعزارة، عن فخره وامتنانه لنجاح هذه الدورة رغم "كلّ التحديات والصعوبات"، مؤكّداً أنّ "الصمود هو ما قادنا اليوم إلى هذه السهرة الختامية الرائعة". وأضاف أن ّكل طبعة من طبعات المهرجان تمثّل تجربة مليئة بالجهد والعاطفة، قائلاً "كما أقول دائماً: الجمهور هو المهرجان، والمهرجان هو جمهوره"، وخلال هذه الطبعة سجّلت أوبرا "بوعلام بسايح" حضور حوالي 10 ألاف شخص عاشق للموسيقى الكلاسيكية.
وأشاد المحافظ بدور وسائل الإعلام التي واكبت الحدث، معتبراً أنها كانت شريكاً أساسياً في نقل رسائل الفن والموسيقى، وأكّد أنّ الجزائر أصبحت، من خلال هذا الحدث، "عاصمة عالمية للموسيقى الكلاسيكية"، مشيراً إلى أن هذا الطموح قد تحوّل إلى واقع ملموس.
وشكر بوعزارة الجماهير التي حضرت بقوة وساندت التظاهرة، مشدّداً على أنّ الموسيقى "قوة ناعمة" ولغة مشتركة توحّد الشعوب، وتشكّل وسيلة فعّالة للحوار والتقارب الثقافي. كما أشار إلى تلقي المنظمين العديد من رسائل الدعم والتشجيع، ما يشحن العزيمة على الإعداد للطبعة المقبلة.
وكشف المحافظ عن أنّ الطبعة الخامسة عشرة من المهرجان من المنتظر أن تُنظم في نفس الفترة تقريباً، ابتداءً من 30 أفريل 2026، بمشاركة دول جديدة ومتنوعة.
وختم بوعزارة كلمته برسالة محبة وسلام، قائلاً "الموسيقى السيمفونية هي روعة تمسّ الروح، وتسمو بالعقل، وتبني جسور المحبة والتفاهم"، مبدياً امتنانه للوفود الدولية المشاركة، مؤكّداً على القيم الإنسانية التي يجسّدها الشعب الجزائري من رحمة وعطاء وإبداع وتابع "عاشت الموسيقى، عاشت الجزائر. إلى اللقاء في العام المقبل".
السهرة السابعة والأخيرة من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية، حضرها وزير الثقافة والفنون السيد زهير بللو والوزيرة المحافظة السامية للرقمنة السيدة مريم بن مولود، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، وشهدت تكريم عدد من العازفين وأساتذة المعاهد الجهوية للموسيقي وكذا الفاعلين والمساهمين في إنجاح الدورة، ضمن مسعى تثمين دور جنود الخفاء الذين لعبوا أدوارا كبيرة في إنجاح الدورة الـ 14 من المهرجان على غرار سيد علي لعروم، دلولة سعدي، مصطفى والي، عبد الله راجع ومحمد سوتو.