الزوايا في الجزائر

بين الحفاظ على الهوية الوطنية ودعم أواصر المحبة

بين الحفاظ على الهوية الوطنية ودعم أواصر المحبة
  • 4586
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

لعبت الزوايا في الجزائر ولاتزال، تلعب دورا اجتماعيا متميزا ورائدا في مجال الحفاظ على الهوية الوطنية ومقومات الشعب الجزائري، ناهيك عن مساهماتها في غرس أواصر الترابط بين أفراد المجتمع، إلى جانب المؤسسات المسجدية، يكفيها فخرا بأنها وقفت في وجه المستدمر الذي حاول مسخ المجتمع الجزائري، كما  ساهمت في تجنيد الأحرار لمقاومته. البعض وبمجرد أن تُذكَر أمامه كلمة "زاوية"، تتبادر إلى ذهنه الأمور البدعية والتصرفات المرتبطة بطقوس السحر والشعوذة وإقامة الزردات والولائم، إلا أن واقع هذه الأخيرة شيء آخر، وهذا ما أكده لنا عدد من المشايخ تحدثوا لـ”المساء" عن الزوايا، على هامش الملتقى العلمي الذي احتضنه مؤخرا "قصر الثقافة والفنون" بسكيكدة حول التعليم القرآني بين تراث الزوايا والطرق التعليمية الحديثة.

الشيخ عاشور خضراوي مدير "دار القرآن" في وهران:

دور الزاوية تزكية النفوس وتطهير القلوب

أكد لنا الشيخ عاشور خضراوي، أن الزوايا في الجزائر لها عملان اثنان؛ الأول عمل روحي بحت يتمثل في إعطاء الأوراد والأذكار وتزكية النفوس وتطهير القلوب بذكر الله، أما العامل الثاني فيتمثل في المجال العلمي، من خلال حفظ القرآن والتفقه في الدين وإعطاء الدروس في الفقه وفي السنة الشريفة وفي مبادئ اللغة العربية ضمن النظام الداخلي، مضيفا بأن الطلبة يحفظون القرآن الكريم على الطريقة التقليدية والزوايا تساهم بشكل كبير في توجيه مرتديها من الطلبة إلى الإمامة عن طريق إخضاعهم لامتحان من قبل مديريات الشؤون الدينية والأوقاف، حتى يتسنى لهم مزاولة تكوينهم في معاهد تكوين الأئمة، مشيرا إلى أن الزوايا في الجزائر حافظت على الهوية الوطنية من لغة ودين، والحمد لله، الدولة توليها في الفترة الأخيرة عناية كبيرة لأنها تمثل المرجعية الدينية في الجزائر. وحول نظرة الناس اليوم إلى حقيقية الزوايا، قال الشيخ عاشور بأن ذلك يعود إلى مشكلتين أساسيتين؛ الأولى قد يكون القائم على الزوايا ليس مؤهلا علميا أو ثقافيا، والثانية عزوف الناس عنها بسبب عدم مواكبة بعض تلك الزوايا للتطور التكنولوجي الحاصل في مجال التعليم والتربية.

الشيخ مصطفى الجرموني أستاذ تعليم القرآن في بلدية مفتاح ولاية البليدة:

المفهوم الخاطئ للزوايا رسخه الاستعمار

يرى الشيخ مصطفى الجرموني أن الزوايا عبارة عن مدارس قرآنية داخلية تهتم بتعليم كتاب الله لغير المبتدئين وحتى للطبقة المثقفة ومن الجنسين، كما أنها تهتم بالدراسات القرآنية، زيادة على دورها في الحفاظ على القرآن الكريم مرسومة ومحفوظة، معتبرا بأنها مهمة الزوايا الرئيسية، واستطرد قائلا بأنها حتى تحقق الهدف المنشود عليها أن تتطور وتصلّح من الداخل لا أن تلغى، كما يتعين أيضا أن تتطوّر النخبة التي تدرّس. وعن المفهوم الخاطئ للزوايا، قال بأنه رسخته فرنسا الاستعمارية عن طريق أدواتها المتمثلة في بعض الطرق الصوفية التي كانت لها مآرب تتمثل أساسا في ضرب الهوية الوطنية باسم الدين.

الشيخ بلقاسم قراري رئيس المجلس العلمي بمديرية الشؤون الدينية والأوقاف في سكيكدة:

الزوايا في الجزائر ثلاثة أنواع

من جهته الشيخ بلقاسم قراري، يرى بأنه عندما نتحدث عن الزاوية، يجب أن ننظر إلى القصد والمعنى، لأن عرف الزاوية، كما قال في المغرب العربي، يعني المدرسة القرآنية ومكان تعلّم العلوم الشرعية، مضيفا بأن الزوايا في الجزائر ثلاثة أنواع؛ النّوع الأول هو الزاوية العلمية، وهي عبارة عن معهد شرعي، والنوع الثاني زاوية تجمع بين التعليم والطريقة الصوفية كالزاوية الرحمانية في الجزائر، أما النوع الثالث وهو زاوية الطريقة فقط، ويرى الشيخ بأنه حتى نتمكن من تغيير نظرة النّاس إلى الزوايا يجب أولا توضيح المصطلح وذكر أنواعها ونماذجها في التّعليم، مؤكدا بأن الزوايا ليست رقصا وشعوذة وقبورية، بل هي مدارس لتعليم القرآن والعلوم الشرعية.

سعيد قاضي زواوي شيخ زاوية سيدي علي أويحيى ببوغني ولاية تيزي وزو:

دور الزاوية تعليم القرآن والتوعية

يرى الشيخ سعيد قاضي زواوي بأن من مهام الزوايا؛ تحفيظ القرآن الكريم وتعليم الأمور الدينية الضرورية وتعليم قدر من اللّغة لفهم هذا الدين الحنيف، إلى جانب توعية المواطنين بأمور دينهم ودنياهم، ففيها الفتاوى، وهي أيضا أماكن للتجمعات وإحياء الذكريات الدينية وكل المناسبات الوطنية، إلى جانب قيامها بأنشطة ذات بعد اجتماعي لفائدة الفقراء والمحتاجين كختان الأطفال وإيواء عابري السبيل. وفيما يخص دور الزوايا في منطقة القبائل، قال الشيخ سعيد قاضي زواوي بأنها لعبت ولاتزال تلعب إلى يومنا هذا، دورا كبيرا ورائدا في خدمة الجزائر، ومنه مساهمتها في الحفاظ على الهوية الوطنية التي لايزال سكان القبائل متمسكين بها، مشيرا إلى أنه كان يوجد في منطقة القبائل ككل وبصفة عامة أكثر من 60 زاوية قبل الاستقلال، الاستعمار هدّم بعضها بعد أن حاول أن ينشئ بجانب كل زاوية كنيسة، مضيفا بأنه يوجد حاليا 30 زاوية عامرة؛ 19 منها تقع في نواحي تيزي وزو و11 أخرى بنواحي بجاية.