ظاهرة تغيّب النواب عن الجلسات
هل يقتدي «الوطنيّ» بـ «الأمة»؟
- 785
بعد مصادقة مجلس الأمة على نظامه الداخلي ينتظر أن يشرع المجلس الشعبي الوطني في التحضير لإعداد قانون داخلي جديد خلال الدورة البرلمانية المقبلة، يتكيف ومتطلبات دستور 2016 الذي تضمّن أحكاما جديدة تخص الهيئة التشريعية بغرفتيها. ومن أهم الأحكام التي تضمّنها الدستور الجديد إجبار البرلمانيين على المشاركة الفعلية في أشغال الجلسات العامة واللجان، وتجريد النائب من عضويته في حال غيّر انتماءه الحزبيّ طوعا.
وشكلت المصادقة على القانون الداخلي لمجلس الأمة الأسبوع الماضي، فرصة لفتح النقاش حول مسائل هامة تتعلق بالعمل التشريعي، وذلك في سياق العمل على «أخلقة» الممارسة السياسية ببلادنا، والتي عرفت تجاوزات كثيرة، لا ينكر ممثلو الشعب أنها أضرت بصورة الهيئة التشريعية لدرجة إفقادها مصداقيتها، ولذلك حرص معدو الدستور الجديد على دسترة بعض القواعد في التنظيم الداخلي لغرفتي البرلمان، تذهب كلها في هذا الاتجاه.
وتشير المادة 115 إلى أن واجب البرلمان في إطار اختصاصاته الدستورية، أن «يبقى وفيا لثقة الشعب، ويظل يتحسس تطلعاته».
وفي هذا الإطار، فإن المادة 116 تتحدث بوضوح عن مسألة الغيابات التي أسالت الكثير من الحبر وأثارت جدلا واسعا بعد أن عرف العمل البرلماني في العهدات السابقة تمييعا إلى درجة تأجيل جلسات للتصويت على مشاريع قوانين بسبب غياب النصاب القانوني.
ظاهرة جرّدت العمل البرلماني من «قيمته»، وهو ما جعل المشرّع يتدخل عبر القانون الأسمى من أجل وضع حد لما وصف بـ «التسيّب» في العمل البرلماني، وذلك عبر المادة 116، التي تشير إلى أن النائب «يتفرغ كليا لممارسة عهدته»، مشيرة إلى أن النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان، ينصان على «أحكام تتعلق بوجوب المشاركة الفعلية لأعضائهما في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة، تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب».
واستكمل مجلس الأمة عمله في هذا الاتجاه بنظام داخلي ضمّنه فصلا حول «المشاركة في أشغال المجلس»، حدد فيه الأسباب المقبولة للغياب، كمشاركة العضو في مهمات أو نشاطات رسمية أو في حال المرض أو عطلة الأمومة. كما تضمّن عقوبات ضد من يتغيب بدون مبرر، تصل إلى حد الخصم من الأجر والحرمان من الترشح في أجهزة المجلس.
وترك الدستور حرية تحديد كيفية تطبيق المادة 116 للمجلس، ولهذا فإن الأنظار تتوجه إلى الغرفة الأولى للبرلمان، التي يُنتظر أن تحدد بدورها تفاصيل تطبيق المادة، لاسيما أن ظاهرة الغياب في الجلسات العامة سُجلت على مستوى المجلس الشعبي الوطني أكثر منها في مجلس الأمة.
وإذا كان أعضاء الأخير قد صادقوا بدون اعتراض على ما ورد في النظام الداخلي من عقوبات على المتغيبين وهم معروفون بانضباطهم، فإن السؤال المطروح هو: هل سيذهب نواب الغرفة السفلى إلى تطبيق نفس الإجراءات الانضباطية؟ وهل سيتم قبولها بالسهولة التي تمت في مجلس الأمة؟
وحول ظاهرة الغيابات المتكررة لنواب المجلس الشعبي الوطني والتي أدت إلى تأجيل جلسات للتصويت على عدد من القوانين نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني، كان رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق قال إنها مسألة متعلقة في المقام الأول بضمير النائب، مشيرا إلى أن حلها سيتم في النظام الداخلي الجديد، مؤكدا أن التفكير يجري في اتجاه «تقليص تعويضات النواب المتغيبين عن حضور الجلسات»، وهو ما تم إقراره في النظام الداخلي لمجلس الأمة.
لكن هل يُعد التقليص في التعويضات كافيا؟ سؤال ستردّ عليه بالتأكيد العهدة الحالية لمجلس الشعب الوطني الجديد، الذي سيكون أمام تحديات جديدة في عمله وفي علاقته مع الهيئة التنفيذية كذلك ضمن التدابير الجديدة التي نص عليها دستور 2016.
نفس السؤال يُطرح حول الإجراء المتعلق بتجريد المنتخب من عضويته في حال غيّر طوعا انتماءه السياسي الذي انتُخب على أساسه في البرلمان. وتضع المادة 117 من الدستور التي نصت على هذا التجريد، حدا لممارسات انتُقدت من طرف عدة أطراف، ومن بينها أحزاب كانت ضحية ما سمي بـ «التجوال السياسي»، الذي ميّع هو الآخر العمل البرلماني بعد أن أصبح التغيير من حزب لآخر حسب المصالح الشخصية للمنتخبين، ظاهرة منتشرة لا تحترم صوت المواطن ولا العملية الانتخابية.
وبالإضافة إلى تجريد المنتخب من عضويته تماما إذا غيّر طوعا انتماءه، فإن فصله من حزبه لا يسمح له كذلك بتغيير انتمائه حتى وإن لم يجرده من عضويته، إذ يبقى عضوا في البرلمان لكن بدون انتماء.