الجيش الوطني يحتفل بالخامس جويلية بمقام الشهيد
استعراضات عسكرية وفنية في مستوى الذكرى
- 1138
يحيي الجيش الوطني الشعبي اليوم الاحتفالات الرسمية المخلدة للذكرى الـ55 لعيدي الاستقلال والشباب بساحة مقام الشهيد، من خلال استعراضات عسكرية وفنية ورياضية متنوّعة، تعيد إلى الذاكرة تلك الاستعراضات الضخمة التي كان ينظّمها الجيش في مثل هذه المناسبات الوطنية وبقيت محفورة في ذاكرة أجيال السبعينيات والثمانينيات. وبالمناسبة، حضرت «المساء» أمس، التدريبات والتحضيرات الخاصة بالمناسبة بحضور الجمهور، وقد أكّد لها بعض المشرفين العسكريين أنّ المبادرة دعا إليها الفريق قايد صالح نائب وزير الدفاع تلبية لطلبات العائلات الجزائرية التي تحنّ لهذه الاستعراضات العسكرية الوطنية.
في هذا الشأن، أشار المقدّم سعاوي العزيز من مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه بأركان الجيش الوطني الشعبي خلال حديثه مع «المساء» أنّ التظاهرة تدخل في إطار احتفالية الخامس جويلية، عيد استرجاع السيادة الوطنية، وهي تمتد على مدار 10 أيام، مضيفا بقوله «قمنا بهذا الاستعراض التدريبي عشية الخامس جويلية رفقة الأفراد المشاركين وبمختلف العتاد العسكري، كما حضر اليوم جمع من أفراد جيش التحرير الذين حملوا السلاح لتحرير الوطن وسيكونون اليوم أيضا في الموعد من خلال مسيرة خاصة يرتدون فيها اللباس العسكري والسلاح الذي حملوه قبل 62، وسيكونون مرفقين بأشبال الأمة كدليل على استمرارية المسيرة وتواصل الأجيال».
من جهة أخرى، أكّد المتحدّث أنّ كلّ النواحي العسكرية الست وقيادات القوات معنية بهذه المناسبة المجيدة مع تنوّع وخصوصية كلّ منطقة من الوطن في تخليد هذه الذكرى. وعن هذه الاحتفالية - يضيف المتحدّث - «من خلال حضور الجيش الوطني الشعبي في بعض المناسبات منها حضوره في فعاليات بقصر المعارض بالعاصمة، توافدت إليه العائلات طالبة تنظيم الاستعراضات الضخمة للاستمتاع بها، وبالفعل تمّ إيصال هذا الاهتمام للقيادة العليا، ومن ثم ألحّ الفريق أحمد قايد صالح على تسخير كلّ الإمكانيات المادية والبشرية لإحياء هذه المناسبة، وبدون بروتوكولات، ليتمكّن الشعب بمختلف شرائحه خاصة الشباب والأطفال، من اكتشاف الحياة العسكرية على المباشر من خلال الاستعراضات المختلفة».
من بين الاستعراضات المقدّمة، عروض موسيقية للفرقة النحاسية منها فوج «المزود» للحرس الجمهوري التي تعزف في شتى طبوع التراث الفني الجزائري، وتمّ أيضا تقديم تمارين استعراضية لمجموعة من القوات الخاصة في الفنون القتالية، إضافة لتمرين للقوات البحرية بالواجهة البحرية الوسطى، وهبوط طائرة حوامة على ساحة مقام الشهيد، شاركت في التمرين ومثّل هبوطها حدثا كبيرا، بالنسبة للعائلات الحاضرة، خاصة الأطفال الذين تابعوها عبر مسارها في السماء وحتى هبوطها، ثم قاموا مع أوليائهم بأخذ صور إلى جانبها، وصعد إليها البعض لاكتشافها عن قرب، مما بعث أجواء من الفرحة والاستمتاع التي قد لا توجد في مكان آخر.
كان الحال نفسه عند هبوط مجموعة من المظليين الذين قفزوا من الطائرة بعيدا في السماء، وظهروا كأنهّم نجوم تتّجه نحو الأرض، حاملين الأعلام الوطنية. وما أن لامست أقدامهم الأرض، حتى تعالت الزغاريد وهبّ إليهم الأطفال لتقبيلهم وأخذ صور تذكارية معهم. ومع كثافة هذا البرنامج وتميّزه، إلتحق المزيد من العائلات وحتى عمال المحلات خاصة المطاعم بساحة المقام، بمآزرهم البيضاء إلى الساحة لمتابعة العروض.
التاريخ عبق الاحتفالية ومسكها
في إطار نفس الاحتفالية، يحتضن المتحف المركزي للجيش أبوابا مفتوحة للتعريف بهذه المآثر الوطنية الخالدة، تستمر حتى يوم الخميس، منها إقامة معرض للكتاب التاريخي ببهو المتحف بمشاركة عدد من دور النشر الوطنية. وعند المدخل كان المقدم يزيد يحّة، رئيس مكتب العلاقات العامة بالمتحف المركزي للجيش، في استقبال «المساء»، وكانت التحضيرات على قدم وساق أيضا لتجهيز بلاتو حصة تاريخية ينشّطها الدكتور جمال يحياوي بعنوان «رمزية الاستقلال وتكوين الحسّ الوطني لدى الشباب» ستبث اليوم على قناة التلفزيون الوطني، وبقاعة السينما للمتحف بثّ فيلم «لطفي» ضمن سلسلة من الأفلام الثورية والأشرطة الوثائقية الخاصة بالثورة، منها شريط من إنتاج المؤسسة العسكرية المركزية للسمعي البصري بعنوان «من جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي ..تواصل في القيم والمبادئ».
في هذا السياق، أكّد السيد يحّة أنّ مؤسّسة الجيش كانت دوما ملتزمة بهذه المواعيد الوطنية لاستحضار المآثر وأحداث تاريخية مهمة في مسار الأمة الجزائرية. وبالنسبة لمعرض الكتاب، فقد التزم بإحضار الجديد من العناوين لتقديمها للقارئ الشغوف، بآخر الإصدارات من كتب ومذكرات، ليست مقتصرة فقط على تاريخ الثورة، بل على كلّ فترات التاريخ التي مرت على الجزائر خاصة تلك التي لم تنل ما يكفي من الدراسة والتأريخ.
أرشيف ينقل صور المعاناة والصمود
يحتضن بهو المتحف معرضا للصور التي تبرز مختلف مراحل التاريخ الوطني، خاصة إبان فترة الاستعمار منها تلك التي توثّق لجرائم فرنسا على الأرض الجزائرية كمجازر 8 ماي، و20 أوت وجرائم اليد الحمراء، وسياسات التجويع والتعذيب البشعة الممارسة ضدّ العزل، إضافة إلى محن الثورة وبطولات المقاومات الشعبية وأبطال الثورة والولايات التاريخية وصور الاحتفال بيوم النصر عام 62 وغيرها، وهناك صور لتاريخ الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير.
عرضت صور من الماضي والحاضر للدرك الوطني بين مكافحة الجريمة وحماية المواطن، وعن الدفاع الجوي عن الإقليم تحت عنوان «حراس الأجواء الوطنية، كشف ومراقبة وتطوّر مستمر» وكذا سلاح القوات البحرية الذي هو تاريخ وأمجاد تتوجّه بعزم نحو عصرنة طاقاتها القتالية، وهناك صور مع السيد رئيس الجمهورية حين أشرف على أوّل عملية تدمير للألغام المضادة للأفراد، كما عرضت أيضا صور لبعض الوثائق والخرائط التاريخية، وملخصات لتاريخ الجزائر منذ الحقب القديمة كدولة وكأمة محبة للحرية والسلام وصامدة أمام الأعداء.
نماذج من الترميم والصيانة
في بهو المتحف دائما، إلتقت «المساء» بالسيدتين مريم بوجمعي وجويدة عنّاد من ورشة الصيانة والترميم وهي ملحق بدائرة التراث بالمتحف المركزي للجيش، حيث أكّدتا أنّ مهمتهما الأساسية هي إزالة مظاهر التلف من على القطع التاريخية، وكانتا أمس بصدد ترميم سيوف ومسدسات تعود لفترة المقاومات الشعبية في القرن الـ19، وهي ذات أصول محلية جزائرية وأخرى من صنع مغربي.
تقول السيدة بوجمعي»نقوم بداية بإلقاء نظرة أولية منها معرفة المقاسات وكذا دراسة تاريخية شاملة عن القطعة وعن فترتها الزمنية لتكوين بطاقة تقنية، ثم نقوم بتصوير القطعة قبل ترميمها وتحديد عوامل التلف ثم معرفة أسبابه وبالتالي تحديد التدخّل».
من جهتها، أشارت السيدة عناد إلى أنّ كلّ القطع القديمة تكون دوما تحت المراقبة المستمرة، حتى ولو رمّمت وأيّ إهمال قد يهلك القطعة أكثر. وأضافت أنّ هذا العمل يتطلّب الصبر والتركيز والحب، وقالت إنّ متحف الجيش يحوي كلّ الفترات التاريخية وله قطع ذات أهمية بالغة خاصة من الجانب العسكري وهي محفوظة بطرق أمينة. كما أشارت إلى أنّ الجمهور الزائر اكتشف عملية الصيانة وأعجبته وطلب الكثير من الاستفسارات.
التاريخ بلغة الفنان
غير بعيد، تجلس الفنانة التشكيلية عذراء بن شريط لترسم لوحتها التي تهديها في عرس 5 جويلية، لتقول لـ»المساء» إنّها منهمكة في خطّ مسار الجزائر عبر الزمن، من ماضي الأمير عبد القادر ومقاومة الفرسان، إلى بورتري مفدي زكريا وحربه بالكلمة والقلم. ومما زاد في إلهامها، فضاء متحف الجيش حيث يقيم التاريخ، لتضيف أيضا في ركن من لوحتها مقام الشهيد، الذي هو رمز لمستقبل الجزائر العصرية وتحته خطت «وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر»، أما الخلفية فهي العلم الوطني الذي يرفرف نحو الآفاق الممتدة، بينما الحمامة تبقى شعار الجزائر في السلم والسلام.
أشارت عذراء إلى أنّ للفنان دور كبير في توثيق تاريخ بلده، وربما يكون الرسم أبلغ، فالريشة توثّق المشهد كما حصل وتعيد أجواء المعركة، وهو أمر أدركه متحف الجيش، وبالتالي يحوي روائع أكبر الرسامين الذين جسّدوا هذا التاريخ الحافل وله في ذلك مجموعات متحفية عبارة عن كرونولوجيا للتاريخ الوطني.
من جهة أخرى، قدّمت هذه الفنانة لـ»المساء» نماذج من لوحاتها الخاصة بتاريخ الثورة منها اتفاقيات إيفيان، وكلّها لوحات مستوحاة من الصور الفوتوغرافية الأرشيفية.
للإشارة، نشاطات أخرى تمت أمس، منها ورشة الرسم للأطفال خاصة بموضوع الاستقلال ستعرض بالمناسبة، إضافة لمعرض المنتجات العسكرية عن مديرية الصناعات العسكرية جلب المواطنين بكثرة.
وسينظم اليوم مراطون ينطلق من ساحة المدنية بمشاركة 23 متنافسا كلّ واحد يرتدي قميصا عليه صورة لواحد من أفراد مجموعة الــ22 والأخير يحمل صور كل المجموعة التاريخية ينتقلون إلى ساحة مقام الشهيد لتنطلق الاستعراضات. وبدأت جموع المواطنين من جهات مختلفة من الوطن تصل تباعا لمتابعة العروض بعضها وصل أمس منهم من قدموا من الجلفة وشهدوا العرض الذي أبكى الكثير من الحاضرين، وسيعرض مساء اليوم بالمتحف عمل فني جديد متمثل في أغنية وطنية من توقيع قويدر بوزيان ومشاركة عدّة مطربين منهم محمد جازولي.