حرم منها الكثيرون ويطمح لها الأكثرية
السعادة... نبض خافق في الحياة الزوجية
- 2266
يطلبها الكبير والصغير، تغنى بها الشعراء وبحث في أصل وجودها وكيفية الوصول إليها الباحثون والعلماء من شرق الأرض إلى مغاربها، إنها السعادة إكسير الحياة وملحها، تختلف وجهة نظر الأشخاص لها، فمنهم من يجسّدها ماديا وآخر معنويا وهناك من يجمع بينهما في الصورة والفعل لتحقيق ما تيسر منها، هناك من عرف من أين تؤكل الكتف فيها وآخرون في الطريق إليها ومنهم من حاد عنه لعدة أسباب، هذا ما وقفنا عليه خلال إنجازنا لملف «السعادة الزوجية وكيفية تحقيقها»، حيث جمعنا وجهات نظر مختلفة لأشخاص اختلفت أعمارهم ووجهة نظرهم في الحياة حيالها، إلا أنهم اتفقوا حول نقطة واحدة وهي الوصول إلى السعادة المنشودة.
وقد عرفت الكثير من العلاقات الزوجية تعثرا في غيابها وحتى انقطاعا ما دام ليس هناك ما يسعد القلب والروح، وهو ما يفسر الأعداد الهائلة لحالات الطلاق التي يشهدها مجتمعنا.
حاولت «المساء» أن تبحر بقرائها في عوالم السعادة وأوجهها المختلفة من خلال الحديث إلى مختصين في مجالات مختلفة، قدموا من خلالها أسس السعادة الحقيقية وكيفية الحصول عليها والتي ربطها الأغلبية برضا المولى عز وجل.
حسب المراهقين والشباب …. سيارات فارهة.. أسفار دائمة وحرية مطلقة
اختلاف آراء الأشخاص حيال السعادة دفعنا إلى التواصل مع مختلف شرائح المجتمع لمعرفة نظرتهم إليها، وآثار انتباهنا الطريقة التي يرى بها المراهقون والشباب السعادة، كونها مرتبطة لديهم بكل ما هو مادي، على غرار المال، السفر واكتشاف مختلف البلدان وكذا التركيز على الجانب المادي في العلاقة الزوجية، والمتمثل في الحياة الجنسية فقط.
أكد عدد لابأس به من الشباب في حديثهم لـ»المساء»، أن أسس السعادة تتمثل في امتلاك المال، فمنهم من يرى أنه وسيلة للحياة الرغدة والتنفيس عن الروح والزوجة والأبناء، وهناك من يرى أنه غاية لابد من إدراكها لاكتمال السعادة والعيش في كنفها لسنوات طوال، فبوجود المال تظل السعادة فلا مشاكل مادية تعكر صفو الحياة، حيث رد إسلام (32 سنة) بالقول «السعادة هي المال والمال هو السعادة، هذه القاعدة التي عشت عليها وأكدت لي الأيام حقيقتها، فالناس يحبونك ويتقربون منك ويحترمونك أيضا لأنك صاحب مال، وضرب مثالا بالسائل فقال: «قليلون جدا الذين ينظرون إلى السائل إذا مد يده إليهم، وهناك من يحتقره أو ينهره فقط لأنه لا يملك المال، وحتى السعادة الزوجية لا تكتمل إلا بوجوده، هذه تجربة شخصية خضتها قبل أن أتوسع في عملي، فقد اشترط علي أهل الفتاة التي خطبتها بيتا منفصلا عن الأهل بدعوى أننا سنعيش مرتاحين بعيدا عن المشاكل والقيل والقال... ومالت الفتاة أيضا إلى كفة أهلها في الطلب، ولأنني كنت متوسط الحال لم أستطع تأمين البيت وقتها، فتزوجت غيري، واليوم أريد أن أبني قاعدة متينة قوامها المال حتى لا أرفض مرة أخرى، فقد أحببت فتاة لم تخف عليّ حبها للمال وأريد تدليلها».
من جهته، أكد يوسف (22 سنة طالب جامعي) أن السعادة حلم بعيد المنال، لكن يمكن الوصول إليه من خلال مجموعة من الأمور، من بينها الحصول على الشقة المريحة والسيارة الفارهة ورصيد كبير في البنك لتلبية الحاجيات المختلفة للأسرة، على غرار الأسفار والهدايا حتى تبقى الزوجة راضية عنه، يقول: «ظروفي الاجتماعية جعلتني أشك في وجود «السعادة»، لكن أظن أن المال كفيل بإيجادها لأنه السبب الأول في ضياعها، فوالداي انفصلا وأنا في العاشرة من عمري بسبب المال، فقد كان أبي فقيرا جدا ولم يستطع تأمين بيت لنا، ووالدتي عانت الأمرين حتى كبرنا... لا أريد تكرار التجربة ولن أقدم على الزواج حتى أؤمن بيت لأسرتي وأملأ رصيدي في البنك حتى لا يتعرض بيتي للتصدعات».
«الهنا» يغلب «الغنا» ولكن...
يؤيد الكثيرون فكرة راحة البال التي تعتبر أساس السعادة في الحياة، وهي ما يطلق عليها لدينا بالعامية «الهنا» والتي تشترطها الكثير من العائلات عند الزواج بغرض حفظ سعادة بناتها وأبنائها، وإذا كانت تنطق ككلمة يراد من خلالها التركيز على مواطن جلب السعادة، إلا أنها لا تكون الشرط الأساسي أو ربما تغيب من قائمة المطلوبات، كما أشارت إليه نسيمة 28 سنة تقول: «تقدم مؤخرا شاب لخطبتي في إطار زواج منظم، هو من عائلة كريمة وأهله طيبون، عند الحديث إلي اشترط أهله علي «الهنا» أي أن أسعد إبنهم وأكون سببا في ذلك، لكنني تفاجأت بقوله بعد مرور أسبوعين على الخطبة أنه يريد أن أضع راتبي بين يديه ليتصرف فيها كأنني قاصرة، وعندما سألته عن السبب قال؛ «لاحظت أنك تصرفين كثيرا ولهذا سأهتم بأمر المصاريف بنفسي». وعندما رفضت، تقول المتحدثة، قال الخطيب إنه شرطه الأساسي ولن يتنازل عنه إذا كنت أريد السترة....
أما هند (30 سنة موظفة) فعاشت تجربة مريرة تقول بأنها أسوء تجربة في حياتها، كان السبب فيها ترجيح خطيبها كفة المال والهوس به على علاقتهما العاطفية، حيث يعتبره أساسيا لبناء علاقة سليمة تقول: «أريد أن أقص تجربتي على الفتيات حتى ينتبهن ويحسن الاختيار، تعرفت على شاب عبر موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، بعد مدة جاء لخطبتي بعد أن عرف أنني مستفيدة من برنامج «عدل 2»، وموظفة بأجر شهري مقبول ولدي سيارة، في البداية اقترح علي تغيير السيارة بدعوى أننا نحتاج لأخرى أكبر بعد الزواج، فوافقته الأمر ومن فرط ثقتي به، تقول هند، سمحت له بأن يسجلها باسمه وكادت أن تحدث الكارثة لولا لطف الله، حيث نصحتني صديقتي القريبة باسترجاع سيارتي بلطف وبدون مشاكل وحينها سرت بحذر كبير، خاصة أنه كان في كل مرة يتحين الفرصة، خاصة مع اقتراب موعد الراتب ليطرح جملة من المشاكل ويأخد منها نصيبا، وأوهمني أنه بصدد وضع الرتوشات الأخيرة على الشقة التي سنسكن بها، وهي طابق في فيلا بيت أهله، حيث كان يكرر على مسمعي دائما أن الأمور المادية تصنع السعادة الحقيقية، لكنني اكتشفت الحقيقة المرة وهي أنه لم يحبن يوما وإنما كان يختصر سعادته في الحصول على ما في جيبي، للأسف».
السعادة .... جنس
وإذا كان البعض يجد السعادة في المال فقط، فهناك من ربطها بالجنس دون سواها من الأمور الأخرى، مستشهدين بأنه عماد العلاقة، وهي النظرة التي أيدها الذكور بصورة مطلقة، فقد أشار أكثر محدثينا إلى أنه يخلق التوازن النفسي والجسدي في العلاقة. و قد طرحنا عليهم السؤال التالي: وهل أنت مستعد للأبوة؟ نسبة قليلة ردت بنعم وبلهفة وأخرى وجدت في السؤال دهشة، كما أنها نتيجة غير متوقعة.
الحرية هي السعادة ...
يرى بعض المراهقين والشباب أن نجاح العلاقة الزوجية وتحقيق السعادة لا يكون إلا في ظل وجود الحرية، أي أن لا تكون المرأة سببا في القضاء على حرية الزوج، حيث أشار أغلبهم إلى أنهم غير مستعدين للتفريط في حريتهم المتمثلة في قضاء أكثرية الوقت خارج البيت، السهر مع الأصدقاء والذهاب في رحلات معهم، يقول سفيان (19 سنة): أظن أن السعادة في الزواج تتحقق إذا لم تخنق المرأة حرية الزوج، أي أن تسمح له بممارسة حياته السابقة مع أصدقائه أو الخروج في نزهة حتى لا يقع في فخ الروتين، ومنه عدم خلق مشاكل في البيت والمحافظة على الهدوء فيه».
وترى نور الهدى 24 سنة بائعة بمحل، أن استقلالية الأزواج في السكن تؤمن عنصر الحرية الذي تنجح بفضله العلاقة الزوجية، حيث أشارت إلى أن أغلب حالات الطلاق المسجلة في محيطها الأسري أو الاجتماعي سببها عدم تمتع الأزواج بالحرية ولأجل هذا تقول: «البيت هو الحرية وشخصيا لن أتنازل عن هذا المطلب حتى لا أضطر إلى إنهاء علاقتي بزوجي المستقبلي عنوة بسبب المشاكل وتدخل الغير في علاقتنا».
البروفيسور صباح العياشي : السعادة الحقيقية تبدأ من رضا الله والعلم أساسي فيها
تؤكد البروفيسور صباح عياشي، مديرة مخبر الأسرة، التنمية والوقاية من الانحراف بجامعة بوزريعة، ورئيسة المجلس العلمي للمركز الوطني للدراسات والإعلام والتوثيق في الأسرة والمرأة والطفولة، أن مفهوم السعادة نسبي وكل بها القيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية التي تساهم بدورها في مجال المعاملات الطيبة، التي تبتعد عن العنف ومظاهر الانحراف والظلم. وتضيف الخيبرة بـ«اليونيسيف»، أن مجموع هذه القيم مرتبط برضا الله عز وجل، لأنها قاعدة في سلوك الإنسان، فعندما نرضي الله نبتعد عن كل ما يغضب المجتمع، خاصة أن لنا موروث ثقافي حضاري مربوط بديننا الحنيف، فسعادتنا تكمن في أننا مسلمون ونفهم هذا الدين بطريقة حضارية، خاصة أنه يتماشى والعلم، ومنه تطبيق ما جاء فيه والتفاعل مع الآخر، فعندما نقدم للآخرين ما يحتاجونه تتولد السعادة، ولنا في القرآن الكريم والسنة النبوية كل أسس السعادة والحفاظ على البيت السعيد المترابط.
بعيون رواد الفضاء الأزرق … المودة عمادها والحب ذكاء المسافة
وضعنا موضوع السعادة الزوجية للنقاش على صفحتنا بالفضاء الأزرق، فشهد تفاعلا إيجابيا وردودا مختلفة من رواده، إذ اختلفت وجهة نظر السيدات والسادة إليها على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية، وكانت ردودهم المستمدة من الكتاب الحكيم أو وصايا النبي الكريم ومن تجربة الحكماء، بلسما للجروح التي يعرفها مجتمعنا بفعل التشقق والطلاق الذي بات يطبع العلاقات الزوجية في غياب السعادة التي تعتبر عصب الحياة الزوجية.
السعادة هي الغاية التي ينشدها البشر، وكل ذي فكر سليم لضمان الراحة النفسية والفيزيولوجية للعيش في كنف الطمأنينة والسكينة والصفاء التي تعد مطلبا صعبا مع ضنك الحياة ومختلف مشاكلها، وقد أثنى رواد الفايسبوك على اختيارنا للموضوع وقدموا مجموعة من النصائح المختلفة لنجاح العلاقة الزوجية، حيث استشهد السيد «محمود. ج« بالكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بالقول: «الحب هو ذكاء المسافة، ألّا تقترب كثيرا فتُلغي اللهفة، ولا تبتعد طويلا فتُنسى». هذه القاعدة من أول أسرار نجاح العلاقة بين الرجل والمرأة وربما أغلب العلاقات الاجتماعية، فالذكاء هنا هو أن تعطي من تحب مساحته من الحرية الشخصية، وألا تكون بجانبه طوال اليوم إلى حد الاختناق، فلا ترهقه باستمرار بأسئلة على شاكلة فيما عما يفكر، عما يفعل، من قابل اليوم، لماذا سيفعل ذلك، وفي الوقت نفسه لا تبتعد عنه كثيرا إلى حد الإهمال، فيبدو كأنك غير مهتم لأمره. لا تعتقد أن اقترابك الزائد سوف يكون مقابله التقدير طوال الوقت، بل العكس فالرجال يحتاجون إلى الاهتمام ولكنهم ينفرون من المرأة المبالغة في إظهار مشاعرها وكذلك المرأة اللحوحة والزنانة.
من جهته، أشار السيد رشيد إلى أن أسس السعادة وكل الحلول المطلوبة موجودة في القرآن الكريم ويستشهد بقوله تعالى: [ومن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، مشيرا إلى أن الله عز وجل تكلم في هذه الآية عن السكينة كهدف وتحقيقها يكون بالمودة والرحمة، وأضن ذلك قمة السعادة وبغير ذلك لا يمكن أن تكون».
من جهته، علق السيد بدر بالقول: «الرضا.. أرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس... فالدنيا ساعة اجعلها طاعة والنفس طماعة فعودها القناعة». وأشار السيد نشوان بالقول إلى أن السعادة الزوجية تكمن في الحب والوفاء من الجانبين، يقول: «يعني التفاهم سر استمرار السعادة بين الزوجين».
وهناك من يرى أن السعادة الزوجية مركبة من ثلاثة عناصر؛ أولها احترام، أوسطها ثقة، آخرها مودة ورحمة، في حين أشار آخرون إلى أنه لا توجد حياة زوجية بدون مشاكل، لكن علينا أن نجعل من هذه المشاكل نقطة بداية لحياة جديدة، لكن دون تغيير الشريك وهذا بتصحيح الأخطاء بيننا.
وأرجع آخرون السر في نجاح العلاقة والحصول على السعادة إلى ليونة الجانب للطرف الآخر، ضاربين مثلا بالمثل الشعبي القائل؛ «إذا لقيت زوجا متفاهمين اعرف بلي كاين واحد راه مخلي من حقو».