إبراهيم الجرادي شيخ الزاوية العلمية الصوفية لـ’’المساء":
زاويتنا منارة علمية لحفظ المرجعية الدينية
- 3315
وأنت تبارح مدينة الحاجة لالة مغنية الحدودية متوجها إلى منطقة سيدي مجاهد عبر الطريق الولائي رقم 46، تستوقفك مناظر طبيعية خلابة، روابي مبهرة بجمال خضرتها وسحر تضاريسها، تتربع بين أحضانها قلعة من قلاع علوم القرآن الكريم، "الزاوية العلمية الصوفية للشيخ سيدي أمحمد بن الجراد الكرزازي والمدرسة القرآنية الداخلية لتعليم القرآن الكريم وعلومه وأصول الدين"، هذه المنارة العلمية فتحت أبوابها أمام الطلبة من مختلف ولايات الوطن في 19 مارس 2017، «المساء" حطت الرحال بالزاوية العلمية، حيث التقت بالأستاذ الشيخ "إبراهيم الجرادي" حفظه الله، هذا الشيخ الجليل الذي يملك زمام لغة التعبير وجلاء الفكرة بسحر الكلمة، يعد من شيوخ الزوايا القلائل الذين بلغوا ببصيرتهم وصرامتهم حقولا متعدّدة من الفكر المسموع وأتقنوا أسلوب التبليغ ولغة التخاطب... زرناه في مقر الزاوية العامرة فكان لنا معه هذا الحوار.
❊ من هو الشيخ إبراهيم الجرادي؟
— هو إبراهيم الجرادي بن محمد بن أحمد بن عيسى، ينزل من سلالة أجداد سيدي أمحمد الجرادي الكرزازي، جده رحمه الله تولى خلافة سيدي أحمد بن موسى مباشرة لمدة تفوق 38 سنة، منذ صغره ذهب إلى سيده وشيخه سيدي محمد بن الكبير بأدرار وتعلم القرآن الكريم وتتلمذ على يديه، ثم اشتغل إماما، بعدها انفصل عن إمامته وأكمل دراسته، وفي سنة 1985 توظف كمعلم للقرآن الكريم، وفي عام 1987 التحق بالمعاهد الإسلامية لتكوين الإطارات الدينية سيدي عقبة، حيث تخرج منها إماما وبقي في ذلك المنصب وهو يواصل دراسته وتكوينه من خلال تلقيه العلوم الشرعية عبر عدد من المعاهد الإسلامية بالأقطار العربية كمصر وسوريا، ليترقى عن طريق مسابقة وطنية خطيبا وبعد 5 سنوات من الجد والكد والمثابرة والبحث في العلوم الشرعية ترقّى في امتحان بجامعة الخروبة بالجزائر العاصمة، إماما أستاذا إلى غاية سنة 2016، حيث رقي إمام برتبة أستاذ رئيسي.
❊ حدثنا عن فكرة تأسيس الزاوية العلمية؟
— أذكر أنني عندما كنت صغيرا عند شيخي، كثيرا ما كنت أرفع يدي وأدعو الله قائلا "اللهم كما أكرمت شيخي أن وفقته لفتح مدرسة، وفقني حتى أكون مثله وأفتح زاوية عامرة"، وفي سنة التسعين، ناداني شيخي سيدي محمد بن الكبير فذهبت إليه وأنا إمام بالعبادلة في ولاية بشار، فطلب مني أن أذهب إلى بني ونيف، حيث قال لي بالحرف الواحد "كنت في صغرك تدعو الله أن يجعل لك من يعينك على فتح مدرسة، وأنت الآن مأذون لتفتح مدرسة في بني ونيف، فقلت له يا سيدي هي قرية منعزلة مقطوعة الأوصال، فقال لي قل سمعنا وأطعنا ولا تقل سمعنا وعصينا، لأننا اطلعنا على سبعين طلبا ولم نجد من يصلح لذلك المكان إلا أنت، فأنت مضمون ومأمون ومأذون وسوف تتحصّل على كل ما تريده في ذلك المكان، فذهبت إلى بني ونيف فوفقني الله تبارك وتعالى وفتحت مدرسة في عام 1991 وكنت أعلّم أبناء البلدة فقط.
وفي عام 1994 فتحت زاويتي لأبناء الطلبة من جميع ولايات الوطن، وكان يقصدني الطلاب من 21 ولاية، حيث تخرّج على يدي ما يفوق المائة من أئمة الخطباء والأساتذة، والحمد لله هم الآن منتشرون عبر ربوع الوطن، وفي سنة 2010 انتقلت من بشار إلى مغنية، وبعد أن أتم ابني مصطفى دراسته بالشام بسوريا في إطار ما يسمى بمنحة الدراسة من طرف رئيس الجمهورية السيد "عبد العزيز بوتفليقة" حفظه الله، نصبته بزاويتي ببني ونيف لأستقر بمغنية التي أردت أن أثبت أنها هي الأخرى قلعة من قلاع العلم وليست مكان متاجرة بالمخدرات، كما هو شائع عنها.
❊ كيف قمت ببناء زاوية مغنية بمختلف مرافقها؟
— بدأت سنة 2013 ببنائها بعد أن بعت أملاكي التي كانت سببا في أن أعانتني على تشييد هذا الصرح العلمي والحمد لله، وبقيت من عام 2013 إلى 2017، موقعها في قرية أولاد الشارف ببلدية مغنية، واليوم أملك زاويتين في الحدود وهذه بمثابة واجهة الجزائر بالنسبة لإخواننا الأشقاء بالمغرب حتى نفتح أبوابنا للراغبين في التعلم عندنا، في إطار تبادل الآراء والثقافات والمعلومات، فالزاوية تتسع ـ والحمد لله ـ في المستقبل لـ1000 طالب يتم استقبالهم من مختلف ولايات الوطن وحتى من خارجه من الدول العربية والدول الإفريقية السينغال بوركينافاسو... بعد حصولهم على الموافقة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ووزارة الشؤون الخارجية، في إطار القوانين المعمول بها في الدولة الجزائرية.
فتحت الزاوية أبوابها يوم 19 مارس الموافق لعيد النصر، حيث تتربع على مساحة نصف هكتار، بني منه ما يزيد تقريبا عن 2000 متر مربع، بها طابقين الطابق الأول والثاني والأرضي، و6 أقسام للدراسة ومراقد، حيث تتسع لـ300 سرير، إضافة إلى مطبخ مجهز بكامل تجهيزاته، بما في ذلك آلة لغسل الملابس ودار للمعلمين ودار للاستقبال (الضيوف)، وقاعة للمحاضرات تتسع لما يزيد عن 2000 مقعد، إضافة إلى جناح الإدارة بكامل تجهيزاته. وبالمناسبة كنت من أوائل من استعملوا جهاز الكمبيوتر عام 1994. وبخصوص المؤطرين هناك 5 مؤطرين، 4 معلمين للقرآن الكريم، إلى جانب مساعد وطباخ واحد، بينما أتكفّل شخصيا بدفع أجرتهم الشهرية.
❊ كيف يتم استقبال الطلبة وما المنهج المتبع في الزاوية العلمية؟
— نحن لا نفرّق بين الألوان ولا بين الولايات، من يقصدنا، فإن باب الزاوية مفتوح للطلبة من 8 سنوات فما فوق، وحاليا عندنا 50 طالبا موزعين على 6 أو 7 ولايات من الوطن معسكر، بشار، عين تموشنت، البليدة، تلمسان....وغيرها، هؤلاء الطلبة منهم من يمكثون لمدة عطلة الصيف فقط ومنهم الدائمون، وهناك طلبة أجانب من فرنسا، ونحن بهذه الزاوية نجمع بين الأصالة والمعاصرة، منهجنا الذي نسير عليه هو منهج الإمام مالك، حيث يتلقى الطلبة القرآن الكريم وعلوم الفقه والنحو والتجويد وأصول الفقه وعلوم الحديث وعلم الدراية وعلم الرواية ويقرؤون الخليل ورسالة القيروان وابن عشير والأدب، وكذا هداية الألباب والأخضري وسيرة السالك.
❊ ما الطريقة المتبعة في تحفيظ القرآن الكريم وما هو البرنامج اليومي للطالب؟
— الطالب بالزاوية لابد له أن يقرئ باللوحة وممنوع عليه الكتابة من الكتاب، لذلك لما يفتي الشيخ على الطالب يعطيه ثلاث ذاكرات، أولها ذاكرة التلقين، ثم ذاكرة الكتابة وبعدها ذاكرة النظر، فالطالب لما ينتهي من فتوى اللوحة تكون قد استقرت بذاكرته بسبب إعادة الفتوى أثناء الكتابة عدة مرات، أما بخصوص البرنامج اليومي المتبع داخل الزاوية فيوم الطالب يبدأ من الساعة الرابعة صباحا، حيث يقوم من مرقده، يتوضأ، ثم يدخل قاعة الصلاة أين ينشغل بحفظ كتاب الله بالتكرار، وبعد صلاة الصبح يتم قراءة حزب الفلاح وهو عبارة عن أذكار الصباح وأدعية مع قراءة سورة "يس" و«الدخان" و«الواقعة" وسورة "تبارك"، ويختم بالمعوذتين وفاتحة الكتاب، ثم يذهب بعدها الطالب لكتابة لوحته. وفي حدود الساعة الثامنة، يتناول فطور الصباح ويعود بعدها للقراءة إلى غاية الساعة العاشرة صباحا، حيث ينتقل بعدها الطلبة جلهم لحصة أحكام تجويد القرآن الكريم مع أحد المعلمين، وفي حدود الساعة الحادية عشر ينتقلون للدرس العام الذي أشرف شخصيا على تدريسه، في إطار برنامج خاص يتناول الفقه، حديث والحكم العطائية...وعقب أداء صلاة الظهر يتناول الطلبة وجبة الغذاء وبعدها الخلود إلى استراحة (النوم) إلى غاية الرابعة مساء، وبعدها يقرؤون القرآن إلى غاية مجيىء الشيخ وأداء صلاة العصر، بعدها يواصلون حفظ القرآن الكريم. وقبيل صلاة المغرب بحوالي ساعة، يتناول الطلبة قهوة المساء، وبعدها قراءة حزبين وأداء صلاة المغرب، يتم قراءة حزب الفلاح رفقة الشيخ وتكرار حزبين من القرآن، وبعدها درس في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثمة صلاة العشاء، حيث يتناول الطلبة العشاء، وفي حدود الساعة العاشرة ليلا يخلدون للنوم.
❊ كيف يمكن للزاوية أن تلعب دورها في تحقيق السلم والأمان؟
— اهتم رئيس الجمهورية بالزوايا، لأنه يعرف قيمتها في الوقت الذي يجهل الكثير من الناس حقيقة معنى الزاوية، هذه الزاوية التي تشتمل على سبعة أحرف كل حرف يدل على معنى من المعاني، فأنا لا أقول (زاوية)، بل أقول (الزاوية)، إذا تكلّمنا عن ألفها نقول "بأن هذه الزاوية ألّفت بين قلوب الناس في الحاضر والماضي، فأصبح كثير من الناس تحت سقف الزاوية وتحت رعاية الشيخ، أصهار، أصدقاء وأحباب وتجار... فجمعت بذلك القلوب ولمت شمل الأمة، لأن الزوايا تجد فيها عابري السبيل والغني والفقير"...، أما حرف الزين" تعلّم الزهد في الدنيا وتعلّم أبنائها وأتباعها أن الدنيا زائلة "أما الألف "فهو يعلّم الإيمان الناشئ عن الإيمان، لأن هناك إيمان عن تقليد وإيمان عن معرفة"، أما حرف الواو "تعلّم الورى هو ترك الشيء من الحلال حتى لا يقع في الحرام"، والياء "تعلّم اليقين ضد الشك، يقين نموت يقين نقبر ويقين نسأل"، والتاء "التعليم بأنواعه"، هذه الزوايا علم رئيس الجمهورية السيد "عبد العزيز بوتفليقة" ما فيها من أسرار فتوجّه إليها لينفض عنها الغبار وجعلها في المقدّمة، وعلم بشيوخها بأنهم علماء لهم غيرة وطنية، غيرة دينية على هذه البلاد فنحن ندعو له في كل وقت أن يحفظه الله ويهيئ له بطانة صالحة تبين له الحق وتعينه عليه.
❊ ماذا عن دورها في الحفاظ على المرجعية الدينية؟
— الزاوية كوّنت رجالا ولازالت تكوّن، وابن زاوية له ثقة في ربه أولا وله ثقة في وطنه ثانيا يعلمه الشيوخ الإخلاص، وعليه من تخرّج من الزاوية تكون له غيرة على وطنه وعلى وطنيته، ونحن والحمد لله لازلنا نحافظ على المرجعية الدينية، لأننا ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ومشايخنا، فنحن نتحمل كل الصعاب من أجل إيصال الحفاظ على مرجعيتنا الدينية وسنسير على هذا المنهج حتى نلقى الله سبحانه وتعالى.
❊ هل من كلمة أخيرة؟
— أبناؤنا وعلى مر الأزمنة الماضية كانوا يذهبون إلى سوريا ليدرسوا العلوم في المعاهد السورية، واليوم أصبح لدينا زوايا يقصدها الطلبة من داخل الجزائر وخارجها لتعلّم القرآن وعلومه، مدفوعة التكاليف الكل على عاتق الشيخ وبمساهمة المحسنين، لكن الشيء الذي أتأسف عليه حقيقة بالنسبة لولاية تلمسان، أن عدد الطلبة بالزاوية لا يتجاوز الخمسة، لذا أوجه ندائي عبر منبركم لدعوة الطلبة للالتحاق بالزاوية التي تفتح أبواب لكل من يرغب في حفظ القرآن الكريم وتعلّم مختلف العلوم الشرعية.