خبراء ومختصون اختلفت منطلقاتهم والتقت في مبدأ واحد
الحفاظ على البيئة أحد تحديات التنمية المستدامة وعامل للاستقرار الاجتماعي..
- 7941
تشكل البيئة أحد أهم عناصر المحافظة على الحياة، فالإنسان مرتبط بشكل وثيق ببيئته، وأي اختلال في هذا الرباط يؤدي إلى اختلال في موازين الحياة، ولعل كثرة الأمراض المزمنة أهم تجلياته السلبية في العصر الحالي، لذلك فإنه في الحفاظ على البيئة حفاظ على حياة الإنسان وعلى حياة الأجيال. لا نتحدث هنا على استمرارية الجنس البشري فقط وإنما أهمية البقاء في محيط صحي سليم متوازن، أهم انعكاساته الإيجابية الاستقرار الاجتماعي. حول هذه الإشكالية جاء تحقيق "المساء" حول "أهمية المحافظة على البيئة كمصدر للرخاء والسعة الاجتماعية"، ليسلط الضوء أكثر على أهم العناصر الكفيلة بتحسين وضعية الأفراد اقتصاديا واجتماعيا انطلاقا من المحافظة على البيئة والمحيط، والتي يؤكد بشأنها الخبراء أنه "لا بد اليوم وأكثر من ذي قبل، أن تتضافر الجهود من أجل حماية حق الأجيال في مستقبل آمن، يرتبط بشكل وثيق بمدى المحافظة على مصادر الحياة المختلفة من موارد مائية وغابات وتنوع بيولوجي، وحتى محيط خال من مسببات الأمراض واستعمال الطاقات البديلة، ومنه تقوية الاقتصاد الوطني؛ بما ينعكس إيجابا على دخل الأفراد، ويمنحهم سعة اجتماعية تحقق لهم استقرارا نفسيا في مجتمع آمن؛ حيث تحدثت "المساء" إلى عدد من الخبراء في الاقتصاد البيئي والطاقات المتجددة ومؤسسات المجتمع المدني، وإلى رجل قانون طالب بتطبيق مجمل القوانين الرامية إلى المحافظة على حياة كريمة انطلاقا من المحافظة على البيئة، وإلى باحثين في الاقتصاد، والذين ربطوا، من جانبهم، تحسين مستوى معيشة الأفراد بمدى وعيهم بأهمية تثمين النفايات كمصدر للعمالة ومُدر للأرباح، وإلى مختصين في التربية النفسية ممن دعوا إلى تكثيف العمل التحسيسي تجاه فئة الأطفال حول الحفاظ على جمالية البيئة، مؤكدين أن التكرار سيصل حتما إلى أهدافه. كما كان لنا حديث مع متطوعين وجدوا في التحسيس بقضايا البيئة والتنوع البيولوجي والطاقات النظيفة، مصدرا حقيقيا للترفيه النفسي واستكشاف آفاق جديدة، وشباب اعتبروا أن النفايات كنز حقيقي ومصدر ثروة لا ينضب.. كلها آراء اختلفت ولكنها اتفقت في أن المحافظة على البيئة مفتاح للرفاه العمومي والسعادة الاجتماعية..
جمعية حماية البيئة لبومرداس ... مشاريع تنموية بطابع إيكولوجي
اعتبر أعضاء جمعية حماية البيئة لولاية بومرداس أن الاهتمام بقضايا البيئة وحمايتها له جوانب إيجابية ليس فقط على المجتمع، وإنما على الفرد بحد ذاته. وقالوا إن عملهم في الجمعية لقرابة عشريتين قد سمح لهم بتحقيق بعض المشاريع ذات البعد التنموي، إلى جانب تحقيق نوع من السعادة النفسية على الصعيد الشخصي والعائلي كذلك.
تعمل جمعية حماية البيئة لبومرداس التي تأسست في نهاية ثمانينات القرن الماضي، على ترسيخ هدف الحفاظ على البيئة لتحقيق تنمية مستدامة، وتسعى في هذا الشأن لجلب مشاريع مُؤسسة ذات بعد تنموي، لاسيما في مجال الطاقات المتجددة، مثل مشروع مشترك مع شريك أجنبي لتموين قرية ببلدية بوزقزة قدارة بالطاقة الشمسية؛ "بهدف تحسين نوعية الحياة للأفراد، لاسيما أن المنطقة تحوي منازل فردية متفرقة، إضافة إلى مشروع التدفئة بالطاقة الشمسية أيضا، فالمنطقة معروفة ببرودة الطقس خلال الموسم الشتوي. وفي غياب غاز المدينة فإن الأسر تضطر لشراء ما بين 15 إلى 20 قارورة غاز للتدفئة خلال الموسم"، يقول رياض بن داود رئيس الجمعية في حديث إلى "المساء"، موضحا أن أحد أهداف مشروع التدفئة بالطاقة الشمسية تحسين الإطار المعيشي للسكان بالمناطق المعزولة، مؤكدا أن هذا المشروع يتم تدارسه مع بعض السفارات الأجنبية بالجزائر من أجل التمويل وتحقيقه في أقرب الآجال.
نفس المشروع تعمل ذات الجمعية على تنفيذه قريبا ببلدية بني عمران، ويخص مبدئيا تزويد مسجدين بوسط المدينة إضافة إلى مركز للتكوين المهني، بألواح الطاقة الشمسية "دائما من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في التدفئة وتسخين الماء، لاسيما أن المنطقة معروفة أيضا بقساوة طقسها في الشتاء، ما يعني ازدياد الحاجة إلى الغاز والكهرباء، وبالتالي التخفيض من الاحتياج العام لهاتين الطاقتين باللجوء إلى الطاقة النظيفة"، يضيف ذات المتحدث، مؤكدا كذلك سعي الجمعية لتعميم مثل هذه المشاريع لتشمل المناطق المعزولة متى توفرت مصادر التمويل.
من جهة أخرى، تعمل الجمعية على مشروع آخر مع الاتحاد الأوروبي حول استرجاع المياه من محطات التطهير الثلاث بولاية بومرداس (الثنية، قورصو وزموري) وتوجيهها نحو سقي المزروعات. وذكر المتحدث أن الجمعية تعمل حاليا على تحسيس الفلاحين بضرورة بناء خزانات ماء بالقرب من مستثمراتهم، وجلب الماء للسقي تحديدا من محطات التطهير؛ "إن مثل هذا المشروع يتطلب وعيا حقيقيا من الفلاحين بأمر تناقص المياه المتعلق أصلا بالتغير المناخي، ولذلك فإننا نعمل وفق برنامج خاص لتوعية الفلاحين أصحاب المستثمرات الفلاحية الكبرى، بأهمية الانخراط ضمن مساعينا، الرامية إلى توجيه مياه التطهير كلية نحو الزراعة، علما أن هذا المشروع يقوم كذلك على الطاقة النظيفة؛ مما سينقص الضغط عن الطاقات الأحفورية، وبالتالي اقتصاد الملايين من الدينارات"، يضيف رئيس الجمعية.
بالمقابل،حققت مختلف الأنشطة المنجزة في مجال الحفاظ على البيئة وعلى التوازن الإيكولوجي، نوعا من الاستقرار النفسي والسعادة الشخصية، يترجمها إحساس بسعادة لا توصف جراء خدمة قضية تهم الجميع، يقول عضو الجمعية عاشور زيزي، ملفتا إلى أن العمل في إطار حماية البيئة جعله يغيّر من أسلوب تفكيره، يقول: "أصبحت إيكولوجيا أكثر.. مهتما أكثر بعدم التلويث أو عدم رمي النفايات عشوائيا.. جعلت أبنائي يشاركونني هذا العمل التطوعي ذي الأهداف المجتمعية الرائعة، وأصبحنا بذلك نتقاسم نفس الاهتمامات والانشغالات؛ مما زاد في توطيد علاقاتنا الأسرية". ويضيف: "العمل الجمعوي في مجال الحفاظ على البيئة جعلني أكثر اجتماعيا وأكثر انفتاحا على آفاق معرفية متجددة يوميا".
من جهته، قال محمد رباح عضو الجمعية وصحفي مختص في قضايا البيئة، إن عمله في مجال التوعية بأهمية المحافظة على البيئة فتح أمامه آفاقا جديدة، لاسيما التعرف على أفراد جدد داخل الوطن أو خارجه، ما سمح له أيضا بالتخصص في قضايا المحافظة على البيئة والمحيط؛ تحقيقا للرفاهية الاجتماعية والاستقرار النفسي؛ يقول: "للتلوث أنواع، وكل أنواعه مضرة بصحة الإنسان سواء الجسدية من خلال إصابته بالأمراض التنفسية والجلدية أو حتى الأورام السرطانية، أو أضرار على التوازن النفسي، ومنها إصابته بالقلق والتوتر المزمن؛ ما يعني، بالمقابل، أن كل الأنشطة الرامية إلى حماية البيئة من كل مصادر وعوامل التلوث سواء نفايات أو ضجيجا أو محافظة على التنوع البيولوجي، كفيلة بالتأثير الإيجابي على التوازن النفسي للأفراد، وعلى الصحة العمومية عموما".
وتحقيق هذا وذاك بالنسبة للمتحدث لا يتطلب سوى عمل جواري تقوم به البلديات في مختلف الأحياء من أجل تحييد المشاكل الجوارية وحلها بمشاركة السكان أنفسهم. ويأتي في مقدمتها احترام مواقيت رمي النفايات، وإشراكهم في حملات تنظيف الأحياء، والمحافظة على المساحات الخضراء، "وهو ما يسمح بتحسين الإطار المعيشي للسكان"، يضيف محمد رباح، ملفتا بالمقابل إلى دور وزارة البيئة والطاقات المتجددة وكل شركائها، في السهر على تطبيق قوانين احترام البيئة؛ "لأن احترام البيئة هو احترام الحق في الحياة"، يختم نفس المتحدث.
جمعية حماية البيئة لبومرداس تأسست عام 1989، تعتبر من أقدم الجمعيات المهتمة بالبيئة، قد حققت على مدار أكثر من عشريتين العديد من المشاريع الرامية إلى الحفاظ على البيئة، وبالتالي تحسين الإطار المعيشي للأفراد، لاسيما ما تعلق بالحفاظ على المناطق الرطبة والتنوع البيولوجي، وتسيير النفايات والتغيرات المناخية، وغيرها من المشاريع الهادفة إلى رفع الوعي بأهمية البيئة، وأن الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة من أجل الأجيال اللاحقة.
يرى مستقبله مزدهرا بفضل التدوير …. المخترع فاتح فرحاح يرى في النفايات كنزا لا ينضب
نال الفتى فاتح فرحاح (17 سنة) العديد من الجوائز في مسابقات بين دور الشباب؛ سواء على مستوى ولاية بومرداس أو على المستوى الوطني، مثلما كانت الحال العام الماضي بنيله الجائزة الثانية في أولمبياد العلوم عن اختراع قال عنه إنه من مواد مرسكلة.
يقول الفتى عن اختراعه إنه استرجع كرسيا كان به عطب، فأصلحه وأضاف له محركا استرجعه هو الآخر من إحدى لعب الأطفال المسترجعة وبعض الأسلاك وقاطعة، فكانت النتيجة كرسيا للتدليك، ينصح به أصحاب الروماتيزم أو المصابين بالقلق والتوتر للاستلقاء عليه حتى يستفيدوا من تدليك مجاني.
ويسعى فاتح إلى تطوير مزيد من الاختراعات ذات البعد الاجتماعي من التدوير، موضحا أنه عوض استجلاب المادة الأولية من الخارج وبالعملة الصعبة، لا بد من إجراء دورات على المفرغات العمومية، ليقف الفرد على كنز حقيقي، يمكّنه من صنع أشياء مذهلة وتحقيق دخل مادي مهم.
ويؤكد الفتى أن وقت فراغه كله يمضيه في دار الشباب لبن عجال ببلدية بودواو بولاية بومرداس، هناك يمضي الساعات في تدوير نفايات مسترجعةو يعمل على إعطائها عمرا جديدا من خلال خطوات معيّنة، يصل بعدها إلى اختراعات مختلفة، منها صنع "أكواريوم" بعجلة سيارات نظفها وصبغها بألوان زاهية، تعكس ألوان بعض أسماك الزينة، ثم أضاف لها بعض الأسلاك وبطارية، لتكون النتيجة مريحة للعين، خاصة أنه ببعض تلك الاختراعات من النفايات يقوم بتزيين المنزل العائلي أو حتى دار الشباب التي يمضي بها الكثير من وقته.
فاتح يرى أن مستقبل بلده في الاقتصاد الأخضر؛ يقول: "لا مفر للجزائر من السعي للتخلص من التبعية للاقتصاد المبنيّ على البترول سوى بتثمين النفايات.. إنها كنز حقيقي. لما أرى شخصا يحمل كيسا يهم برميه في المفرغة أقول له في نفسي إنك تحمل مبالغ مالية مهمة، يكفي فقط حسن التدبير والتدوير لترى النتيجة مذهلة. وأعتقد أن على الفرد المبادرة بتحسين حياته وألا ينتظر كل شيء من عند الدولة. وأنا سأعمل على تطوير أفكاري من النفاية بتجارب أخوضها يوميا، ثم سأعمل على إنشاء مؤسستي الخاصة مستقبلا. وأدعو كل شاب مثلي إلى أن يحذو حذوي، على الأقل نخلّص أحياءنا من القمامة من جهة، ونؤسس عملا قارا مدرّا للأرباح من جهة أخرى".
المحامي كمال حباني المختص في القانون البيئي لـ "المساء":حماية المحيط والمجتمع مرهونة بتطبيق مختلف القوانين
يرى المحامي كمال حباني من مجلس قضاء تيزي وزو المختص في قانون البيئة وصاحب أطروحة دكتوراه حول حماية الغلاف الجوي في إطار التنمية المستدامة، أن تطبيق مجمل القوانين الخاصة باحترام البيئة كفيل بتغيير الواقع المعيش، لاسيما ما تعلق بجمالية المحيط بما يزيد في تحقيق التنمية المرجوة، وبالتالي تحقيق الرفاهية الاجتماعية المنشودة، مبرزا في حوار مع "المساء" أن التوفيق في حماية البيئة مربوط بمدى ترشيد استغلال مختلف الموارد والطاقات.
❊ في البداية نود معرفة سبب اختيارك تخصص قانون حماية البيئة.
❊❊ أولا لعدة اعتبارات، لعل أهمها درجة وعيي بأننا نقف أمام مفترق طرق، فعلينا أن نكون واعين بخطورة التدهور البيئي، وبالتالي نوعية حياتنا وحياة الأجيال من بعدنا، ولإدراكي أن تخصصي في القانون يجعلني ملمّا بمجمل القوانين التي سنّتها الجزائر، والتي تبقى جيدة للغاية لو يتم تفعيلها. وأريد لفت انتباهكم إلى أن اهتمامي بقضايا البيئة جعلني أنشئ جمعية "البيئة والتنمية المستدامة" بولاية بومرداس سنة 2015. وأنا أعمل مع أعضاء الجمعية الذين قاربوا 60 عضوا يمثلون أربعة مكاتب بلدية، على ترسيخ مبدأ "المحافظة على البيئة.. حفظ للحياة".
هل لك أن تشرح لنا فلسفتك هذه؟
❊❊ لما نحافظ على محيط نظيف فإن ذلك معناه خلوّه من مسببات الأمراض، وبالتالي الحفاظ على الصحة العمومية وعلى الحياة بشكل عام. ولا بد أن نفهم أن مسببات الحفاظ على البيئة موجودة، يكفي فقط تفعيلها، ومنه تطبيق صارم للقوانين التي وُجدت من أجل ذلك، فأسباب تدهور البيئة والمحيط معروفة، وهي العامل البشري؛ يكفي فقط التخلص من الفراغ القانوني الذي يخص مدى تطبيق مجمل القوانين التي تهتم باحترام البيئة حتى نلمس النتائج، فمن غير المعقول أن نختصر الحفاظ على البيئة في حملات تنظيف المحيط التي عادة ما تكون ظرفية أو مناسباتية فقط.
وهل تعتقد أن المحافظة على البيئة تحسّن من واقع الأفراد والمجتمعات؟
أنا أجزم بذلك كلية، بل أؤكد أن المحافظة على بيئة نظيفة تمكّن الفرد من عيش حياة متوازنة حتى وإن كان مستواه المعيشي بسيطا. وقد لاحظت ذلك شخصيا من خلال إدارة حملة تنظيف وتشجير ببلدية برج منايل مؤخرا، حيث قامت جمعيتنا بتأطير حملة لتنظيف بعض الأحياء بذات البلدية تعاون من أجل إنجاحها كل الفئات العمرية، وبعدها انطلقنا في حملة غرس بعض الشجيرات بتلك الأحياء؛ مما أضفى جمالية عليها، انعكست على السكان من خلال الإحساس بالاستقرار الاجتماعي، ومثل هذه الالتفاتات عليها أن لا ترتبط بالزمان أو المكان وإنما لا بد من الاستمرارية التي ترعاها لجان الأحياء، هذه الأخيرة التي تفتقر إليها أغلبها للأسف.
ألا ترى أن هناك حلقة ضائعة؛ فكل الأنشطة المهتمة بالبيئة على أكثريتها قد لا تظهر نتائجها إلا ظرفيا؟
❊❊ صحيح، والسبب هنا يكمن في غياب الردع، وهو الحلقة الضائعة التي تتحدثين عنها، فكل المجهودات المبذولة في سياق الحفاظ على البيئة ومنها قانون 01/ 19 المتعلق بتسيير النفايات وتثمينه ومراكز معالجتها وكذلك المخطط البلدي لتسييرها والأحكام الجزائية أو الغرامات المطبقة على المخالفين أو الملوثين المتراوحة ما بين 5000 و10000 دينار وقد تصل إلى الحبس النافذ في حالة العود، لاسيما رمي النفايات الخطيرة ومنها الكيمائية أو حتى في قضايا نهب الرمال أو الاعتداء على التوازن الإيكولوجي، كلها موجودة ومحمية بجملة قوانين ولكنها تبقى حبرا على ورق. وقد يتبادر إلى الأذهان دور الجمعيات هنا، ونحن نؤكد أنه قد يمكنها التأسيس كطرف مدني في مثل هذه القضايا، والمطالبة بالتعويض المادي الذي يوجه للأنشطة البيئية ذات البعد المجتمعي، ولكن لا وجود لقضايا من هذا النوع أصلا، حيث إن أغلب حالات التعدي على البيئة تنحصر في مخالفات على مستوى شرطة العمران؛ أي مجرد إحصاءات في غياب مواصلة التحقيقات وإيقاف المعتدين وملاحقتهم قضائيا.
وأين يكمن الحل بين هذا وذاك حسبك اعتقادك؟
❊❊ أعتقد أن تفعيل القوانين الموجودة حل واقعي، ومنه القانون 03 /10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة من بين أهم مبادئه تكريس مبدأ الإعلام، ونقصد هنا أن يتم إعلام الجمعيات المهتمة بالبيئة بمختلف القضايا التي قد ترفع في مجال حماية البيئة، وبالتالي يمكنها التأسيس كطرف مدني، والمطالبة بتعويضات تصب في صندوق خاص لتمويل هذه الجمعيات الهادفة إلى حماية البيئة، أي حماية المجتمع من الأمراض والأوبئة، وحتى تحقيق الاستقرار المجتمعي من منطلق حماية الثروات البيئية من موارد مائية من التلوث بسبب النسيج العمراني والصناعي المتزايد، وكذا حماية الغابات والتنوع البيولوجي الذي ينعكس إيجابا على نوعية الحياة كذلك.
هذا من ناحية المسؤولية المؤسساتية ولكن أين المواطن من كل ذلك؟
❊❊ مشاركة المواطن في القرارات البيئية كيفما كانت تلزمه تطبيقها. وأعتقد أن التحلي بروح المسؤولية تجاه بيئته يكون بالمشاركة في مختلف المشاريع على المستوى المحلي، ومن ذلك إعداد مخطط التهيئة الحضرية، ووعيه بأهمية المسائل البيئية؛ كون مستقبله مرهونا بمدى المحافظة عليها، إلى جانب معرفته أن الاهتمام بالبعد البيئي ليس محصورا في العمل الجمعوي أو وزارة القطاع، وإنما هو مسؤولية مشتركة، كل في مجاله، فمثلا قطاع السكن يهتم بالبيئة من خلال تخصيص مساحات خضراء متزايدة وفضاءات لتوعية السكان بالأهمية القصوى الواجب إيلاؤها لمسألة الحفاظ على البيئة ضمن المخططات السكانية الجديدة، وكذا بالنسبة لقطاع الطاقة من خلال التوعية المستمرة والاستعمال العقلاني لمصادر الطاقة، مع الاهتمام بالاعتماد على الطاقات المتجددة، ومع مصالح الغابات من خلال تكثيف التوعية للحفاظ على الغابات كمصدر أساس للحياة، وغيرها من الأنشطة حسب القطاعات؛ لأن البيئة مسألة مجتمع برمته ولا يمكن فصل قطاع عن آخر. وبتفعيل كل هذا وذاك أعتقد أن نوعية حياتنا ستتغير إلى الأفضل؛ ففي الأخير هي ليست وصفة سحرية، يكفي فقط بعض الوعي والمسؤولية لننعم بحياة أكثر استقرارا ورفاهية.
الخبيرة الدولية في الطاقات المتجددة والبيئة أمينة بن حمو لـ "المساء": النفايات العضوية لإنتاج البيوغاز وتحسين حياة الأفراد
تشير الأستاذة أمينة بن حمو، الخبيرة الدولية في الطاقات المتجددة والبيئة، إلى أهمية إنشاء مؤسسة وطنية تخص استرجاع النفايات العضوية من أجل إنتاج البيوغاز، وبالتالي اقتصاد الملايين من الدينارات في مشاريع تزويد المجمعات السكانية بغاز المدينة. كما تلفت في مقابلة خاصة مع "المساء"، إلى إمكانية الانطلاق في مثل هذا المشروع من المطاعم ومحلات الأكل السريع المترامية في الأحياء بالعشرات.
ترى الدكتورة أمينة بن حمو، المختصة في قضايا البيئة، أن من الممكن جدا خلق طاقة متجددة من النفايات، وهو ما يدر أرباحا كبيرة على الاقتصاد الوطني، وتلفت إلى كون النفايات العضوية تشكل مصدر ضرر كبير على البيئة؛ كونها تحتوي على تركيز عال من مادة الآزوت، هذا الذي تضر نسبة عالية منه التربة والنبات من جهة، كما أنه مضر للإنسان؛ كونه السبب في الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات، لاسيما تلك التي ترمى بمفرغات عشوائية، وبالتالي على الصحة العمومية؛ "ولذلك فإن أحسن حل له إيجابيات على الاقتصاد الوطني والصحة العمومية وتحسين الإطار المعيشي للسكان، هو الفرز التلقائي للنفايات المنزلية. ولنا عبرة في دول أسست نظاما للفرز من المنازل ورميها مباشرة في آلة الهضم الضاغطة، من أجل تكرير غاز المدينة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الحيوية، وبالتالي التقليل من جلبه من باطن الأرض".
وتشرح المختصة هذه التقنية بالتمثيل عن تقنية رمي النفايات من المنازل بألمانيا، حيث تمر النفايات المنزلية عبر أنابيب خاصة بكل نوع من النفايات، كالزجاج والبلاستيك والورق، وكذلك النفايات العضوية التي تذهب مباشرة نحو آلة الهضم الضاغطة (Digesteur compresseur) للتخمر وإنتاج البيوغاز، الذي يعود إلى سكان العمارة لاستغلاله من قبل السكان، "وإدخال هذه التقنية بالجزائر ليس مستحيلا ولا صعبا". وتضيف المتحدثة: "يكفي فقط التنسيق بين المصالح المعنية لاسيما وزارات البيئة والطاقات المتجددة، الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية والسكن والعمران، ويمكن تحقيق ذلك في مشاريع السكن الجارية، خاصة أن الجزائر تعرف منذ أكثر من عشرية، برامج سكن كبيرة، واستعمال الطاقات المتجددة بما فيها إنتاج البيوغاز، مما يمكّن الدولة من التقليل من تكلفة إنتاج الغاز وتوزيعه".
إنتاج بيوغاز من قشور البيض وتزويد المستثمرات الفلاحية بالطاقة
الأستاذة بن حمو لها اقتراح آخر يصب دائما في مجال إنتاج الغاز الطبيعي من النفايات. تتحدث هنا عن مربي الدجاج والماشية ممن يمكنهم استرجاع نفايات الماشية والدجاج واستعمالها لذات الغرض. وتوضح بقولها إن الكثير من مربي الدجاج يستهلكون الطاقة الكهربائية بكميات كبيرة، والقليل من هؤلاء من يستثمر في نصب الألواح الشمسية للتزود بالكهرباء النظيفة، "ونحن نقترح هنا على أصحاب المستثمرات الفلاحية الكبرى، نصب مولد كهربائي يستهلك البيوغاز المنتج من النفايات الحيوانية، مما يمكّنهم من اقتصاد الكثير من المصاريف، فكل فضلات الحيوانات يمكن استرجاعها بنفس طريقة استرجاع النفايات العضوية وإنتاج البيوغاز، واستعمال الجافة منها كأسمدة طبيعية، وكلها طرق يمكن تحقيقها بالقليل من التخطيط فقط، ونتائجها مذهلة سواء على المنتج من خلال الاقتصاد في مصاريف الإنتاج أو على المستهلك بما أنه يستهلك منتجات طبيعية أو المعروفة تحت تسمية (بيو)؛ ما ينعكس إيجابا على الصحة العمومية كذلك"، تقول المتحدثة.
وكل النفايات الزجاجية والبلاستيكية والكرتونية المرمية في الطبيعة عبارة عن خسائر مالية للدولة، من الممكن جدا استرجاعها وتدويرها لصنع مواد أخرى بأقل تكلفة، فالزجاج مسترجع مائة بالمائة وكذلك البلاستيك والكرتون. "ما نحتاج اليوم أكثر من ذي قبل هو التوعية المستمرة وبدون انقطاع بأهمية الفرز المنزلي للنفايات، حتى تترسخ الفكرة لدى الساكنة كأول خطوة، ثم تأتي بالموازاة أهمية إنشاء مؤسسة وطنية تهتم تحديدا باسترجاع النفايات العضوية لإنتاج البيوغاز، تضيف الخبيرة، مبرزة أن هذه المؤسسة يمكن أن يكون لها مراكز جهوية متخصصة، مثلا مركز في الهضاب العليا المعروفة بأنها مناطق رعوية لاسترجاع الفضلات الحيوانية التي يستخرج منها (أش2أس)، الذي به ينتج البيوغاز، وبالتالي يمكن عبر هذه الخطوات تزويد سكان الجهات المعزولة بغاز المدينة بتكلفة أقل بكثير من مشاريع مد قنوات غاز المدينة. كما يمكن عبر نفس المؤسسة ـ تواصل المتحدثة شرح فكرتها ـ إنتاج سماد طبيعي مفيد للفلاحة عوض استيراده من الخارج، وبالتالي اقتصاد في العملة الصعبة، وخلق آلاف مناصب الشغل؛ ما يسمح بامتصاص البطالة وتحسين نوعية الحياة لمئات الأسر، علما أنه من الممكن جدا خلق مؤسسات مناولة في مجال تدوير النفايات بإنشاء مؤسسات مصغرة في سياق أجهزة دعم تشغيل الشباب، لاسترجاع كل أنواع النفايات وللرسكلة، ثم بيع تلك النفايات خاصة العضوية، للشركة الوطنية، التي بدورها تعمل على إنتاج الطاقة النظيفة وهكذا.
تغذيةالدواجنوالماشية من النفايات تسمح باقتصاد الملايين
وتواصل الخبيرة الدولية أمينة بن حمو اقتراحاتها المبنية على دراستها العليا حول النجاعة الطاقوية، وأثرها في تحقيق التوازن الإيجابي بين حياة الأفراد والمحافظة على البيئة ومصادر الطاقة. وتتحدث هذه المرة على نوع آخر من الاستثمار البيئي، الذي يمكن الخزينة العمومية من اقتصاد الملايير كذلك، ويتعلق هذه المرة بإنتاج تغذية الماشية والدواجن من قشور البطاطا والبيض تحديدا. وتشرح فكرتها في التالي: "هناك عدد كبير جدا من المطاعم في بلادنا، وكلهم يعتمدون على البطاطا وحبات البيض في مختلف الأطباق المقدمة. وأنا أقترح في هذا المجال أن يتم استرجاع قشور البطاطا وتجفيفها، ثم رحيها، وتُستعمل كإضافات غذائية لتغذية الأبقار. وقد تُستعمل قشور البيض بعد رحيها كذلك في تغذية الدجاج، حيث يحتاج الدجاج المنتج للبيض إلى بعض التراب في تركيب القشرة الصلبة الخارجية للبيضة، وتركيبة قشرة البيضة تساهم، بشكل كبير، في ذلك وبأقل تكلفة".
في السياق، تدعو المختصة الجهات المعنية إلى تبنّي حملة تحسيسية واسعة في هذا المجال؛ من أجل استرجاع بقايا قشور البيض والبطاطا، موجهة نداءها إلى الشباب الراغبين في إنشاء مؤسسة خاصة للاستثمار في هذا المجال شريطة تبنّي مثل هذه الاقتراحات، الرامية إلى خلق قيمة مضافة وتقوية الاقتصاد الوطني، خاصة أن الجزائر تعرف أزمة اقتصادية على غرار العديد من الدول بسبب تراجع أسعار برميل النفط، تختم الأستاذة بن حمو حديثها إلينا.
جدير بالإشارة أن الأستاذة أمينة بن حمو، الخبيرة الدولية في قضايا البيئة، ستمثل الجزائر في أوائل سبتمبر القادم خلال فعاليات مؤتمر الدول العربية للطاقة الشمسية والتنمية المستدامة الذي سيعقد في المنامة عاصمة البحرين. وخلاله ستعرض الخبيرة تجربة الجزائر حول النجاعة الطاقوية وتجربة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بالجنوب الكبير، إلى جانب عرض حول الاستراتيجية الوطنية حول الطاقات النظيفة.