مخطط الحكومة يقر إجراءات لإعادة توازن ميزانية الدولة

إصلاح مالي وبنكي وجبائي ولجوء استثنائي للتمويل غير التقليدي

إصلاح مالي وبنكي وجبائي ولجوء استثنائي للتمويل غير التقليدي
  • 968
محمد . ب محمد . ب

يتضمن مخطط عمل الحكومة في شقه الاقتصادي والمالي سلسلة من الإجراءات الرامية إلى تحسين الحكامة المالية عن طريق مواصلة جهود عصرنة إدارة المالية والجبائية وتطوير القطاع البنكي وتنويع السوق المالي، مع إقرار اللجوء الاستثنائي للتمويل غير التقليدي الموجه حصريا لميزانية الاستثمار. 

وتعتزم الحكومة في إطار مساعي مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية التي تسببت في تراجع مداخيل الدولة تدعيم سبل تنويع الاقتصاد الوطني، عبر تشجيع الصادرات خارج المحروقات، وإيلاء العناية اللازمة لاتفاقات الشراكة والإنتاج الاقتصادي، والحفاظ على التوازنات المالية للدولة، دعما للسيادة الاقتصادية للبلاد.

ففي هذا الإطار، جاء في وثيقة مخطط عمل الحكومة التي نشرتها وزارة الاتصال على موقعها الالكتروني أن تشجيع الصادرات خارج إطار المحروقات سيفتح آفاقا واسعة وواعدة أمام تطوير الإنتاج المحلي في جميع الميادين، مع التركيز في الوقت نفسه على تشجيع كل أوجه الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وترقية الشراكة مع المستثمرين الأجانب، ورفع نسبة الإدماج الوطني في نشاطات التركيب والتجميع في الصناعات الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية، ودعم القطاع المنجمي وتنمية اقتصاد الطاقة، إلى جانب مواصلة تطوير الطاقات التقليدية من خلال دعم المؤسسة الوطنية للمحروقات «سوناطراك». وإذ يجدد مخطط عمل الحكومة موقف الدولة الرافض للجوء إلى الاستدانة الخارجية تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، فهو يكرس في المقابل الخيارات التي حددتها توجيهات الرئيس خلال السنوات الأخيرة، وتم تبنيها كحلول مستعجلة لمواجهة تداعيات تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، على غرار مواصلة تنفيذ سياسية ترشيد الميزانية مع التحكم في الواردات، مع اللجوء إلى أنماط تمويل داخلي غير  تقليدي.

التحكم في النفقات وتحسين التحصيل وتسيير أملاك الدولة

يتمحور مسعى الحكومة في جانبه المتعلق بإعادة التوازنات للمالية العمومية في 3 محاور رئيسية، تشمل التحكم في النفقات العمومية وتحسين عملية تحصيل الموارد الجبائية العادية وكذا تحسين تسيير أملاك الدولة.   وتؤكد وثيقة مشروع المخطط على مواصلة الحكومة مسعى إعادة توازن ميزانية الدولة من خلال الاعتماد على خارطة الطريق التي صادق عليها مجلس الوزراء جويلية 2016، والتي تضمنت عدة إصلاحات، تخص إصلاح الإدارة الجبائية لتحسين التحصيلات وإرساء الجباية المحلية وتسيير يمتد على سنوات لميزانية الدولة وعقلنة النفقات العمومية من خلال التقليص إلى أدنى حد في نفقات التسيير، فضلا عن إصلاح سياسة الدعم العمومي.   في هذا الإطار، يشير مخطط الحكومة إلى أنه بهدف اعادة توازن الميزانية ومواجهة الصعوبات التي تواجهها، سيتم اللجوء الاستثنائي لمرحلة انتقالية، حددت مدتها بـ5 سنوات للتمويل غير التقليدي، لاسيما التمويل المباشر للخزينة من طرف بنك الجزائر بغية الحفاظ على ديناميكية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

توجيه التمويل غير التقليدي حصريا لميزانية الاستثمار

وسيوجه الإجراء الاستثنائي المتعلق بالتمويل غير التقليدي، طبقا لوثيقة المخطط، بشكل حصري نحو ميزانية الاستثمار للدولة «وليس نحو نفقات التسيير»، حيث سيسمح هذا التوجه الى الاستجابة بشكل عقلاني لحاجيات التنمية البشرية ولإنجاز المنشات ومرافقة التطور والتنمية، وفقا لنفس المصدر.

كما يرمي هذا الإجراء الذي سيتم تبنيه في إطار مشروع القانون المعدل لقانون النقد والقرض الذي صادق عليه مجلس الوزراء الأخير، إلى السماح لبنك الجزائر بإقراض الخزينة العمومية مباشرة، وذلك بغرض تمكين الخزينة من مواجهة العجز في ميزانية الدولة وتحويل بعض ديونها لدى بنوك أو مؤسسات عمومية ومنح موارد للصندوق الوطني للاستثمار لكي يتسنى له الإسهام في التنمية الاقتصادية.   وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أكد في تعقيبه على هذا المشروع بأن التمويل غير التقليدي سيسمح لبلدنا بتفادي توقف مسار تنميته، مشيرا إلى أن «اللجوء بكل سيادة إلى التمويل الداخلي غير التقليدي يهدف إلى تفادي تراجع النمو الذي قد يكون خطيرا ليس فقط اقتصاديا بل اجتماعيا أيضا».   كما يتطلب التحكم في النفقات العمومية عصرنة تسيير الميزانية من أجل التوصل إلى برمجة تمتد على عدة سنوات ومواصلة عقلنة نفقات التسيير للدولة لتغطيها الجباية العادية فقط.  وسيمكن تطبيق هذين المسعيين (التمويل غير التقليدي والتحكم في النفقات العمومية) من إبعاد خطر أي انفلات تضخمي، حسب وثيقة المخطط.

  عقلنة الدعم العمومي وتنويع الخدمات البنكية

وستعتمد الحكومة أيضا ضمن مسعاها الرامي للتحكم في نفقات الميزانية على عقلنة النفقات العمومية المتعلقة بالدعم لصالح الشعب، حيث يشير مخططها في هذا الصدد إلى أن هذه العقلنة تتوقف فيما يخص الدعم المباشر على «تحضير جيد للملف المتعلق بها متبوعة بتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ثم مع البرلمان».   كما ستعمل الحكومة على تحسين تحصيل الجباية العادية من خلال عصرنة الإدارة الجبائية وتطوير الجباية المحلية ووضع إجراءات جديد تسمح للإدارة الجبائية بتحصيل أسرع لمستحقاتها، خلال عمليات التصحيح الضريبي، فضلا عن تطوير نظام الرصد ومعاقبة المحتالين. 

أما فيما يتعلق بمحور تحسين تسيير أملاك الدولة، فهو يتعلق أساسا بجعل استكمال عمليات مسح الأراضي وعصرنة إدارة أملاك الدولة من أولويات الحكومة، الرامية إلى تطوير عائدات الدولة وتسهيل الصفقات العقارية للمواطنين وكذا حصول المتعاملين على العقار. 

من جهتها، تشمل العمليات المقررة في إطار إصلاح وعصرنة المنظومة البنكية تكييف الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يؤطر هذا النشاط، ومواصلة عصرنة أنظمة الدفع وتعزيز الأنظمة المعلوماتية للبنوك وتخفيض أجال دراسة ملفات القروض من خلال تطبيق لامركزية اتخاذ القرار وتطوير سوق القرض. 

وترتقب الوثيقة في هذا الإطار تعزيز عروض الخدمات البنكية، من خلال مطالبة البنوك بتقديم منتجات بنكية تتماشى وحاجيات وطلبات الزبائن، وإدخال عروض جديدة أبرزها الإيجار المالي والعروض المالية الإسلامية.   وستسهر الحكومة ضمن نفس المسعى على تطوير سوق رؤوس الأموال والبورصة بهدف تقديم بدائل لتمويل الاستثمارات وارتفاع رؤوس الأموال، فضلا على تشجيع ترقية استعمال البنوك والمستثمرين لمختلف الآليات المستحدثة لمرافقة الاستثمار على غرار صندوق ضمان الاستثمار وصناديق الدعم الجهوية، حيث ستتم الاستعانة بالصندوق الوطني للاستثمار للمساهمة بشكل مؤقت في تمويل الاستثمارات بما في ذلك استثمارات خاصة ذات أهمية كبيرة أو متوسطة، مع الإشارة في هذا الشأن إلى أن تخصيص موارد للصندوق الوطني للاستثمار، تندرج ضمن الاهداف الثلاثة المرجوة وراء اللجوء إلى التمويل غير التقليدي.

للإشارة، فإن مخطط عمل الحكومة الذي سيعرضه الوزير الأول أحمد أويحيى في الأيام القليلة القادمة على البرلمان يتضمن 5 محاور رئيسية تتعلق بالحفاظ على أمن البلاد واستقرار وحدتها، وتدعيم الديمقراطية التعددية ودولة القانون، والحفاظ على حركة النمو والتقدم في تنمية الصادرات خارج إطار المحروقات، وتعزيز التنمية البشرية وتوسيعها، أما القسم الخامس والأخير فيتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع الوطني.

ويستند هذا المخطط إلى 4 مراجع أساسية تتمثل في الدستور وبرنامج رئيس الجمهورية الذي زكاه الشعب الجزائري في أفريل 2014 وكذا إلى النموذج الجديد للنمو وخريطة الطريق من أجل تقويم المالية العمومية المصادق عليهما في جويلية 2016.

مخطط الحكومة يؤكد الالتزام بالحوار مع الأحزاب السياسية ... الحفاظ على استقرار ووحدة البلاد والدفاع عن القضايا العادلة

جددت الحكومة في مشروع مخطط عملها التزامها بالسهر على الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها ووحدتها مع مواصلة مكافحة الإرهاب وترقية سياسة المصالحة الوطنية، وأكدت في الوقت نفسه استعدادها للحوار مع الأحزاب السياسية بشأن المسائل التي تهم المواطنين، مبرزة في سياق متصل إرادتها للعمل على توفير جميع الظروف التي ينص عليها القانون لتنظيم انتخابات محلية في كنف الهدوء والطمأنينة والشفافية.

وإذ تشير وثيقة مخطط الحكومة الذي سيعرض أمام البرلمان قريبا، إلى أنه «بفضل سياسة الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي بادر بها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، وبفضل جهود وتضحيات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن فإن الجزائر أضحت اليوم من بين البلدان الآمنة عبر العالم غير أن المخاطر لم تستبعد كليا والتهديدات قد تنوعت»، أكدت بأن الحكومة ستسهر على التصدي لأي تهديد لأمن السكان وممتلكاتهم في إطار مسعى يقظة متعدد الأبعاد، يشمل مواصلة مكافحة الإرهاب بقيادة الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن وبدعم من السلطات العمومية وبتعبئة يقظة السكان فضلا عن مواصلة سياسة المصالحة الوطنية.

مكافحة الجريمة المنظمة وحماية المساجد الأئمة

كما ستسعى الحكومة إلى وضع اجراءات «احترازية» بغية حماية الشباب من جميع أشكال التطرف والانحراف وإبقاء اليقظة على مستوى الحدود للوقاية من أي تهديد ناجم عن بؤر انعدام الاستقرار في الجوار وارتباط الارهاب بالجريمة المنظمة.  وتشرح الوثيقة أن مكافحة المتاجرة بالمخدرات القادمة من الجوار سيتم مرافقتها بفرض عقوبات ثقيلة على المتاجرين بالمخدرات الذين يقوضون المجتمع الجزائري، لاسيما الشباب، مع اعتماد سياسة قمع تهريب وتبييض الأموال «التي تساهم كذلك في تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة».  وتوضح الوثيقة أن «الحكومة ستواصل اهتمامها وعنايتها بضحايا الإرهاب والمواطنين الذي شاركوا في الحفاظ على البلاد وتصدوا للهمجية الإرهابية» كما ستواصل تطبيق أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لفائدة العائلات المتضررة من المأساة الوطنية.

ونصت الوثيقة أيضا على التزام الحكومة بالسهر على حماية المساجد والأئمة والحفاظ على المجتمع بقوة القانون «ضد أي محاولة لبث الفوضى بداخله من خلال طوائف وجماعات دينية دخيلة عن تقاليدنا الاسلامية الثرية».  وفي إطار الحفاظ على الأمن والنظام العامين، تعتزم الحكومة احتواء اللجوء إلى العنف الفردي أو الجماعي والإجرام والإخلال بالنظام العام وكل أشكال التعدي على القانون من خلال الوقاية والتحسيس المدني، فيما مكافحة ظاهرة اختطاف الأشخاص ولاسيما الأطفال، بفرض أحكام جنائية أكثر صرامة على المختطفين.

تشجيع الحياة السياسية والجمعوية

وفي حين تؤكد الحكومة تشجيعها للحياة سياسية والجمعوية الحيوية عبر البلاد، يشير مخططها إلى أن السلطات العمومية ستسعى من خلال الحوار بين الإدارات الوطنية والمحلية على جعل الفاعلين المعنيين يحترمون التشريع والتنظيم، اللذين يحكمان التظاهر على الطريق العام. وتم في هذا الإطار التأكيد على أن «الحكومة ستبقى مستعدة للحوار مع الأحزاب السياسية بشأن المسائل التي تهم المواطنين» كما ستعمل على «توفير جميع الظروف التي ينص عليها القانون» لتنظيم انتخابات المجالس الشعبية البلدية والمجالس الشعبية الولائية في نوفمبر المقبل «في كنف الهدوء والطمأنينة والشفافية»، حيث ستحصل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ضمن هذه المسعى على جميع الدعم والامكانيات التي تطلبها لتمكينها من أداء مهمتها على أحسن وجه.

وتضيف الوثيقة أن الصعوبات المالية الناجمة عن انهيار أسعار المحروقات في السوق العالمية تستدعي من المجتمع الجزائري التعبئة لمواصلة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن الحكومة ستبعث في هذا الاطار «حوار مكثف» مع شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين على ضوء العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي الخاص بالنمو.

من جهة أخرى، تؤكد الحكومة أنها «لن تدخر أدنى جهد» من أجل تعزيز الوحدة الوطنية مع تأكيد مكانة مكونات الهوية الوطنية ومواصلة ترقية الإسلام بصفته دين الدولة في إطار مهمة وزارة الشؤون الخارجية والأوقاف، لاسيما من خلال التكفل بتكوين الأئمة وبناء المساجد وصيانتها بما فيها مسجد الجزائر الأعظم.  وستسعى الحكومة إلى تعزيز مكانة اللغة العربية من خلال تزويد المجلس الأعلى للغة العربية بالإمكانيات التي تمكنه من الاضطلاع بمهامه الدستورية كليا، كما ستعمل على مرافقة ترقية تمازيغت كلغة وطنية ورسمية من خلال توسيع ومواصلة تعليمها عبر ولايات الوطن، فضلا عن ترقية تدريس التاريخ الوطني، ومرافقة أفراد الجالية الجزائرية المقيمين في الخارج وتعبئتهم لتمكينهم من المشاركة في التنمية الاقتصادية والعلمية للبلاد.

دبلوماسية حركية تساهم في السلم والدفاع عن القضايا العادلة

ويمنح مخطط الحكومة مكانة متميزة لسياسة الجزائر الخارجية القائمة على «مواصلة دبلوماسية حركية» ويلح على سيادة البلاد والمساهمة في السلم والأمن الدولي والدفاع عن القضايا العادلة للشعوب التي تكافح وتناضل من أجل استرجاع حقوقها الأساسية».

وتشير الوثيقة في السياق إلى «ترقية الأخوة والصداقة والتعاون وحسن الجوار في فضاءات انتمائنا وكذا تطوير علاقات التعاون مع شركائنا على أساس المصالح المتقاسمة وترقية المصالح الاقتصادية في الخارج»، حيث تجدد في هذا الإطار التزام الجزائر ببناء اتحاد المغرب العربي من خلال مواصلة دعم جهود الأمم المتحدة من أجل «حل عادل ونهائي لمسألة الصحراء الغربية يفضي إلى تقرير مصير شعب هذا الإقليم».

كما ستظل الجزائر ملتزمة بتعزيز الوحدة والعمل العربي المشترك، لاسيما ضمن الجامعة العربية، ولن تدخر أي جهد لتسوية النزاعات والتوترات ضمن الأمة العربية في إطار احترام سيادة كل دولة ووفاء لمبادئ عدم التدخل في شؤون الغير.

وجددت الحكومة في نفس السياق وفاءها لواجبها التضامني إزاء الشعب الفلسطيني الشقيق من خلال الكفاح من أجل استرجاع حقوقها الثابتة لدولة مستقلة وسيدة عاصمتها القدس.

وفيما تم التأكيد على حرص الجزائر على حماية الرعايا الأجانب وتعزيز الروابط مع جاليتها الوطنية المقيمة في الخارج، أشار برنامج الحكومة إلى أن الجزائر تبقى متمسكة في علاقاتها مع باقي المجتمع الدولي، بميثاق الأمم المتحدة وحفظ السلام والأمن الدوليين، مبرزا إرادتها على البقاء عضو نشيط في المنتدى العالمي لمكافحة الارهاب والإسهام في تعزيز التعاون الدولي ضد هذه الآفة.