أويحيى يؤكد التزام الحكومة بترقية الخيارات الجوهرية
رفاهية السكان والعدالة الاجتماعية والتضامن الوطني
- 641
أكد الوزير الأول، أحمد أويحيى، أمس، أن تحقيق رفاهية السكان وتعزيز العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني تمثل خيارات جوهرية للدولة، مبرزا خلال عرض مخطط عمل الحكومة، أمس، عزم الحكومة في إطار مخطط عملها على ترقية هذه الخيارات «التي ما انفك يؤكدها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بانتظام».
وبعد أن ذكر بأن هذه الخيارات تستمد جذورها الأصلية من بيان أول نوفمبر 1954 ومن الدستور المراجع مؤخرا، أوضح أويحيى أمام النواب بالمجلس الشعبي الوطني أن تأكيد الحكومة التزامها بالسهر على ترقية هذه الخيارات الجوهرية، يستند إلى ثلاثة أسباب أساسية، يرتبط الأول بكون «الجزائر بعد خروجها من المأساة الوطنية نجحت بالفعل في إنجاز عمليات استدراكية كبرى ثم في تحقيق أشواط هامة من التقدم في كل ميادين التنمية البشرية، بفضل البرامج المتعاقبة التي تقررت من قبل رئيس الجمهورية».
فيما يرتبط السبب الثاني، حسبه، بكون جهد الدولة المبذول من أجل التنمية البشرية، شهد في السنوات الأخيرة، تباطؤا طفيفا جراء الصعوبات المالية التي أدت إلى تجميد بعض الإنجازات أو تأجيلها، بما في ذلك في مجالي التربية والصحة، في حين يتعلق السبب الثالث في عزم الحكومة على مواجهة الاحتياجات الفورية للسكان والشروع في تحضير أجوبة لاحتياجات المستقبل القريب.
وفي حين ذكر بأن مخطط عمل الحكومة يعتبر مواصلة لمسار تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، الذي زكاه الشعب بالأغلبية وبكل سيادة في 2014، أشار إلى أن هذا المخطط يهدف إلى تعزيز استقرار البلاد وترسيخ ديمقراطية هادئة ومواصلة التنمية والنمو الاقتصاديين وتثمين الرصيد البشري الوطني وكذا تدعيم التقدم الاجتماعي وتعزيز التضامن لدى المجتمع بالإضافة إلى توثيق روابط الجزائر مع أبنائها في الخارج.
تحسين ظروف الدراسة ونظام الصحة ومكافحة البطالة
وفي سياق عرضه لمحاور المخطط، أوضح أويحيى أن السياسة الوطنية للتنمية الاجتماعية، التي تعتزم الحكومة مواصلتها في إطار مخطط عملها المعروض أمام البرلمان، تشمل مواصلة الجهود لتحسين ظروف الدراسة وتحسين أنظمة الصحة والتضامن الاجتماعي وتعزيز النظام الوطني للتقاعد وخلق مناصب الشغل، مؤكدا في هذا الإطار بأنه سيتم بذل جهد خاص من أجل تحسين ظروف الدراسة بالنسبة للسنة الدراسية الجارية «التي عرفت انطلاقة في ظروف صعبة بسبب تأخر استلام بعض المنشآت»، مع توفير الشروط الضرورية لحسن سير الإمتحانات وكذا التحضير لسنة مدرسية أكثر نجاعة خلال الموسم القادم.
وسيتم في هذا الشأن، حسب الوزير الأول، إعادة تأهيل المؤسسات المدرسية الموجودة والتعجيل بإنجاز المشاريع الجارية، فضلا عن الانطلاق في إنجاز مؤسسات جديدة بغرض الحد من الاكتظاظ، مع تعزيز النقل المدرسي لضمان توزيع أكثر عقلانية للتلاميذ بين المؤسسات المدرسية ورفع عدد الأقسام الموجهة للتلاميذ ذوي الإحتياجات الخاصة.
كما سيتم بالموازاة مع ذلك، مواصلة اصلاح التربية الوطنية ضمن السعي بحزم إلى كسب المعرفة والعلوم، وفي ظل التمسك الثابت بقيم الهوية والمرجعية الوطنية.
في قطاع الصحة، سيتم حسب الوزير الأول مواصلة الورشات المفتوحة لإصلاح القطاع واستكمالها بورشات جديدة، مع تعزيز عمليات تدارك العجز في المنشآت الصحية، من خلال بعث المشاريع متوسطة الحجم التي جمدت، وكذا تكثيف تكوين الإطارات شبه الطبيين على نحو يساهم في تقليص العجز الكبير في هذا المجال.
وإذ تعتزم الحكومة الاستمرار في تطبيق مختلف برامج الوقاية والعلاج التي يجري تطبيقها ومنها مكافحة السرطان، سيكون مخطط تنظيم الأسرة حسب السيد أويحيى، محل عناية متزايدة من أجل ترشيد النمو الديمغرافي، وضمان الرفاهية الاجتماعية للأجيال القادمة. كما سيتم الحفاظ على الضمان الاجتماعي وتدعيمه، مع الشهر على وفرة الأدوية وترقية أدوية جنيسة ذات جودة، بالموازاة مع تشديد مكافحة كل أشكال الغش في الضمان الإجتماعي بما فيها عدم التصريح بالأجراء.
وأكد الوزير الأول أن الحكومة ستواصل مكافحة البطالة من أجل احتواء الظاهرة التي سجلت ارتفاعا طفيفا في الفترة الأخيرة، وذلك من خلال تكثيف الاستثمار الإقتصادي وإنعاش برامج الاستثمارات العمومية واجراءات تكميلية، لافتا في هذا الصدد، إلى الحفاظ على مجموع أجهزة التشغيل المؤقت مع تجديد العقود التي سينقضي أجلها، مع مواصلة دعم انشاء المؤسسات المصغرة من طرف العاطلين عن العمل، وخاصة الشباب منهم، وإعادة النظر في التنظيم ذي الصلة على نحو يسمح اعتبارا من سنة 2018 بتجسيد منح 20 بالمائة من الصفقات العمومية المحلية للمؤسسات المصغرة.
إصلاح منظومة التقاعد واستكمال كل البرامج السكنية
وبخصوص إصلاح المنظومة الوطنية للتقاعد التي ما انفكت صعوباتها المالية تزداد خطورة من سنة إلى أخرى، أكد الوزير الأول أن الحكومة ستسهر على صونها والحفاظ عليها عن طريق مكافحة الغش وكذا من خلال ضخ موارد إضافية سيتم حشدها في إطار قانون المالية لسنة 2018، مشيرا في المقابل إلى أن هذه الجهود لا يمكن أن تعفي البلاد من التوجه نحو اصلاح المنظومة الوطنية للتقاعد من أجل الحفاظ على حقوق المتقاعدين وضمان مستقبل الأجيال التي ساهمت في تشييد البلاد.
كما ستظل جهود الدولة قائمة في مجال التضامن الوطني، من خلال إحاطة الفئات ذات الإحتياجات الخاصة بالدعم اللازم والإبقاء على التحويلات الإجتماعية في نفس المستوى ضمن ميزانية الدولة.
وفي سياق عرضه للمساعي المقرر اتخاذها من قبل الحكومة لدعم فئات الفلاحين، أكد السيد أويحيى بأن الحكومة ستعود إلى اعتماد الدعم في أسعار الأعلاف الموجه لمربي المواشي، مثلما كان معتمدا سابقا، مع تفعيل كافة الإجراءات الموجهة لفئة الفلاحين والتي أقرها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في 2009.
كما طمأن الوزير الأول لدى استعراضه لجهود الدولة في مواصلة البرامج السكنية، مكتتبي صيغة السكن بصيغة البيع بالإيجار «عدل» بخصوص عزم الحكومة استكمال كل المشاريع المسجلة برسم هذه الصيغة، مؤكدا بأن كل من وقع على عقد الاكتتاب مع الوكالة الوطنية لتطوير السكن «عدل» سيستلم مسكنه».
للإشارة، فإن جلسات مناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة تتواصل اليوم وغدا بالمجلس الشعبي الوطني، وفق للرزنامة التي حددها مكتب المجلس، حيث يرتقب أن يرد الوزير الأول على الانشغالات المطروحة من قبل النواب وتتم المصادقة على المخطط يوم الخميس القادم.
مؤكدا بأن الإجراء سيكون حصريا ولن يتسبب في التضخم
أويحيى: التمويل غير التقليدي ليس بدعة جزائرية
اعتبر الوزير الأول أحمد أويحيى، أمس، خيار رئيس الجمهورية، اللجوء إلى التمويل غير التقليدي قرارا كفيلا بضمان السيادة المالية للجزائر في ظل الظرف الصعب الذي تمر به البلاد على الصعيد الاقتصادي والمالي. مشيرا إلى أن هذا الإجراء «الذي لا يعتبر بدعة جزائرية بل هو معتمد في العديد من البلدان المتقدمة»، سيتم اعتماده حصريا لفترة 5 سنوات، ولن يكون مصدرا للتضخم.
وتوقف الوزير الأول خلال عرضه لمخطط عمل الحكومة أمام نواب المجلس الشعبي مطولا عند المحور المتعلق بالإجراء المتعلق بقرار رئيس الجمهورية، اللجوء إلى نمط التمويل غير التقليدي لإعادة التوازن المالي لخزينة الدولة، موضحا في شرحه لهذا الإجراء بأن هذا الأخير وعكس ما أثارته تحاليل بعض الخبراء من مخاوف بخصوص عواقبه على الاقتصاد بشكل عام، سيكون له أثر إيجابي على المواطنين والدولة وعلى الشركات المحلية «باعتبار أن القروض التي ستحصل عليها الخزينة العمومية من بنك الجزائر ستسمح بإعادة بعث واستكمال المشاريع المجمدة في مجال التنمية البشرية وكذا البرامج التي تعطل تنفيذها خلال السنوات الأخيرة.
كما ستسمح هذه القروض ـ حسب الوزير الأول ـ بمواصلة سير مصالح الدولة بشكل عادي دون أن تضطر إلى فرض المزيد من الضرائب الجديدة على المواطنين، لافتا في هذا الصدد إلى أنه تبعا لهذا النمط الجديد «سيلاحظ النواب وكذا الشعب الجزائري عامة بأن قانون المالية لسنة 2018 لن يتضمن الكثير من الضرائب الإضافية».
القروض التي ستتحصل عليها الخزينة العمومية من البنك المركزي ستسمح للمؤسسات العمومية الكبرى مثل «سونلغاز» و»سونطراك» من تسديد ديونها المستحقة لدى البنوك العمومية، والتي دفعتها عنها الخزينة العمومية في شكل سندات ما سيمكن البنوك العمومية بالتالي ـ حسب الشروحات التي قدمها أويحيى ـ من الحصول على مستحقاتها وتوفير السيولة التي تحتاجها في تمويل مشاريع الاستثمار الإقتصادي.
وإذ اختصر الوزير الأول مزايا قرار اللجوء إلى التمويل غير التقليدي بقوله إن «الجزائر اختارت التصدي لأزمة مالية مستوردة من الخارج بتمويل غير تقليدي داخلي بعيدا عن خيار الاستدانة الخارجية وإملاءات الهيئات المالية الدولية»، شدد على أن هذا التمويل غير التقليدي لا يعد أمرا ستخلقه الجزائر أو «بدعة جزائرية»، بل هو خيار لجأت إليه العديد من البلدان المتقدمة لتجاوز مرحلة الأزمة المالية التي عرفها العالم في 2008، مشيرا إلى أن الإجراء لا زال يسري العمل به في الكثير من هذه الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، اليابان والاتحاد الأوروبي.
كما شدد الوزير الأول، على أن الإجراء المتعلق باللجوء للتمويل غير التقليدي والذي سيتم اعتماده بموجب مشروع القانون العدل لقانون النقد والقرض المحال حاليا على البرلمان، له ضوابط حرصت الدولة على تحديدها للتحكم في هذا النمط من التمويل، مشيرا إلى 3 ضوابط أو شروط أساسية تحكم هذا التمويل غير التقليدي أبرزها عدم توجيهه لتمويل الاستهلاك، وإنما لتسديد عجز الخزينة العمومية وتمكينها من دفع مستحقات المؤسسات الوطنية الغارقة في الديون، ضبط مدة اعتماده بـ5 سنوات فقط.
وردا على بعض الانتقادات الموجهة لهذا الخيار قال السيد أويحيى، إن «الخبراء مهمتهم التنظير بينما دورنا في الحكومة والدولة يكمن في ضمان الأجر الشهري ومنح التقاعد وغيرها من مستحقات مختلف فئات المواطنين»، نافيا أن يتسبب الإجراء في إغراق البلاد في مديونية داخلية، «باعتبار أن الخزينة العمومية لها الحق في الاقتراض بوتيرة معقولة، حيث تقل مديونيتها حاليا عن 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام»، أو في تكسير قيمة الدينار «بالنظر إلى أن قيمة العملة الوطنية مرتبطة بمستوى احتياطات الصرف»، وأشار في المقابل إلى أن هذا الإجراء سيمكن الحكومة من الخروج في غضون 3 أو 5 سنوات على الأكثر من المأزق المالي دون تكسير وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مجددا التأكيد على أن الأموال التي ستقترضها الخزينة من بنك الجزائر ستوجه حصريا لتمويل الاستثمار العمومي وذلك لن يكون مصدرا للتضخم، فيما يتم بالموازاة مع ذلك مرافقة هذا الإجراء بإصلاحات اقتصادية ومالية من أجل استعادة المالية العمومية توازنها وكذا توازن ميزان المدفوعات.
الدعم العمومي لن يمس في 2018 وسيتم ترشيده بعقلانية، في سياق متصل أكد أويحيى، أن الحكومة التي أطلقت التفكير حول ترشيد الدعم العمومية لتوجيهه بشكل حصري لمستحقيه مع الحرص على احترام مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيعه، ستواصل عمله في هذا المسعى إلى حين ضبط آلياته وكيفياته تطبيقه، موضحا بأنه في ظل عدم تقدم الدراسة المقررة والمسعى التشاوري المعلن حول هذا الملف سيبقى الدعم العمومي للدولة على حاله خلال سنة 2018.
وشدد الوزير الأول في هذا الإطار على أن الدعم العمومي المباشر وغير المباشر سيكون مستقبلا محل ترشيد ومشفوع بتحضير قبلي من أجل تفادي الظلم والغموض أو سوء فهم.
وفي سياق شرحه للخيارات التي تبنّتها الحكومة في مخطط عملها المعروض أمام النواب، ذكر الوزير الأول بتراجع الموارد المالية للبلاد خلال السنوات الأخيرة بفعل تأثيرات أزمة أسعار النفط، حيث انخفضت قيمة احتياطات الصرف التي كانت تقدر بمبلغ يقارب 200 مليار دولار سنة 2014 إلى نحو 100 مليار دولار في هذه السنة، بينما استنفذت أرصدة صندوق ضبط الإيرادات التي كانت تبلغ زيد من 5000 مليار دينار في 2012، لافتا إلى أن الحكومة التي لجأت في إطار مواجهة الوضع المالي الحرج إلى انتهاج سياسة الحفاظ على هذه الاحتياطات بفضل تحديد حصص الاستيراد عن طريق الرخص، ستواصل في هذه السياسة مع ضبطها وتنظيمها أكثر ومرافقتها بجهود تعزيز الاستثمار في كافة القطاعات المنتجة على نحو يساهم في رفع الصادرات وتنويعها.
واعتبر أويحيى، في الأخير تحدي الحفاظ على الاستقلال المالي للبلاد أمرا يخص المجتمع كله «لأنه من واجبنا معا أن نتحول من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع منتج حقيقي، مجتمع يرد الاعتبار للعمل والجهد ومطهر من الممارسات الطفيلية للربح السهل خارج إطار القانون وعلى حساب مصلحة المجموعة الوطنية».