أشغال غير مكتمَلة، نوعية رديئة وتجهيزات غائبة

حلم مكتتبي «أل.بي.بي» يتحول إلى كابوس

حلم مكتتبي «أل.بي.بي» يتحول إلى كابوس
  • 21192
استطلاع زهية.ش/تصوير ياسين.ا استطلاع زهية.ش/تصوير ياسين.ا

تفاجأ مكتتبو صيغة السكن الترقوي العمومي «أل.بي.بي» الذين تحصّلوا على مفاتيح سكناتهم، بالنقائص العديدة التي اكتشفوها في الشقق التي انتهت بها الأشغال، وعدم مطابقتها لما جاء في دفتر الشروط الذي اعتبرها سكنات فخمة ومجهَّزة بمختلف التجهيزات الكهرومنزلية، بينما أثبت الواقع أنها لا تختلف كثيرا عن الصيغ السكنية الأخرى، خاصة في بعض المواقع رغم أن  ثمنها مرتفع جدا، حيث اضطر أصحابها للاقتراض من البنوك لدفع ما تبقّى من سعر السكنات الذي لا يقل عن مليار سنتيم، ليجدوا أنفسهم بعد حصولهم عليها، مرغَمين على دفع مبالغ إضافية لمباشرة أشغال تهاون العمال في إتمامها، وتسليم السكنات لأصحابها مثل ما وعدوا بذلك، خاصة الغرف النموذجية التي عُرضت صورها على مختلف الشاشات. 

لم يتردد بعض مكتتبي صيغة الترقوي العمومي الذين التقتهم «المساء» في بعض المواقع بالعاصمة، في التعبير عن عدم رضاهم عن نوعية الشقق التي تحصّلوا عليها، والمفاجآت غير السارة التي اكتشفوها بعد دخولهم سكناتهم التي وجدوا صعوبة كبيرة في دفع مستحقاتها، حيث لم يتم الالتزام بالخصوصيات التقنية الخاصة بسكنات الترقوي العمومي التي نُشر قرارها في العدد 61 من الجريدة الرسمية الصادرة في ديسمبر 2015، والتي تحدثت عن دفتر شروط نموذجي للمعايير التقنية المرجعية التي تشكل حدا أدنى للخدمات، التي يجب أن يوفرها المكلف بإنجاز المشروع لبناء سكن نوعي مزوَّد بعناصر الرفاهية، واستعمال مواد مصنوعة محليا تستجيب لمتطلبات الجودة، فضلا عن تحسين النوعية المعمارية وإنتاج مبان متناسقة ومنسجمة ومندمجة مع موقع البناء والمنطقة.

مواصفات لا تنطبق على شقة المليار بالرغاية

غير أن ما اكتشفه الموجَّهون إلى موقع حي عميروش بالرغاية الذي استلمت منه أولى مفاتيح هذه الشقة والمقدرة بـ 226 وحدة، غير مطابق تماما لما تم الإعلان عنه وتدوينه في دفتر الشروط، حيث عبّر أحد المستفيدين الذي زرنا رفقته شقته المكونة من أربع غرف بالطابق الثالث، عبّر عن غضبه من وضعية سكنه الذي لا تنطبق عليه مواصفات سكن قيمته تفوق مليار سنتيم، معتبرا ذلك «خدعة» لجميع المكتتبين، والدليل، حسب محدثنا، أن المطبخ غير مجهَّز بالثلاجة، عكس أولى الشقق التي عُرضت صورها في القنوات التلفزيونية والواقعة ببواسماعيل التي زارها الوزير السابق للسكن، إذ لم تُسلَّم الشقة جاهزة تماما للإقامة، خاصة ما تعلّق بالباب الخارجي الذي كانت نوعيته رديئة جدا وهشة تماما، مما جعل المضطرين لشغل مسكنهم لتعويضه بآخر يحمي شقتهم من أي سرقة محتملة، على غرار الشقة التي زرناها والتي يستعد صاحبها للإقامة فيها في الأيام القليلة المقبلة، للتخلص من متاعب الكراء التي استنزفت ما تبقّى من مصاريف، مثله مثل آلاف مكتتبي هذه الصيغة، الذين يؤجّرون سكنات بأسعار مرتفعة جدا عند الخواص. فرغم أن القرار الذي أصدرته وزارة السكن والعمران والمدينة، أشار إلى إنجاز الـنجارة الداخلـية من الخـشب الأحمـر الكامل ذي الجودة العاليـة، إلا أنه لم يراع الأبواب المركّبة داخل الشقق في جميع المواقع، حيث تم تسجيل العديد من التحفظات من قبل المكتتبين لدى الشركة الصينية المكلفة بالإنجاز، التي تعكف على تدوينها لإعادة النظر فيها.

تجهيزات غائبة وجبس ممزوج بمادة الإزيس!

ولم يتوقف الأمر عند بعض النقائص التي تحدثنا عنها في حي عميروش بالرغاية، مثل ما لاحظناه واستمعنا إلى بعض المكتتبين، الذين أشاروا إلى عدم طلاء الغرف والاكتفاء باللون الأبيض، غير أن المشكل الحقيقي هو في الجبس المستعمل الذي تم مزجه بمادة «الإزيس» للتمكن من جمعه، حيث ظهرت نوعيته الرديئة في بعض العيوب البادية على الجدران والغش في المادة المستعملة، فضلا عن الحمّام الذي لم يجهَّز بالأثاث المدوَّن في دفتر الشروط، مما جعل أحد المستفيدين يؤكد لـ «المساء»، أن الشقق المسلَّمة ليست تلك التي كانت منتظرة من قبل المكتتبين، الذين باشر العديد منهم الطلاء وبعض التعديلات على منازلهم. كما لم تُحترم في بعض الشقق التوصيلات الكهربائية اللازمة؛ من قاطعات ومكابس، ويلاحَظ التركيب السيئ لبعض الأجهزة الكهرومنزلية، على غرار المكيّف الهوائي، الأمر الذي جعل المعنيين غير راضين بالنظر إلى السعر المرتفع جدا الذي يتم دفعه للحصول على هذه الصيغة السكنية مقارنة بباقي الصيغ، مؤكدين أنه يُفترض حصولهم على سكنات ذات جودة عالية مقارنة بثمن شقق «أل.بي.بي»، مثل ما وعدت به السلطات الوصية أصحاب هذه الصيغة، الذين دفعوا ثمن شققهم باستلام سكنات جاهزة والإقامة مباشرة بعد استلام المفاتيح.

تسليم مفاتيح بأحياء في طور الإنجاز

ومن الانشغالات التي تحدّث عنها المكتتبون امتعاضهم من حاويات القمامة التي وُضعت بالقرب من مداخل العمارات، في الوقت الذي أشار القرار الخاص بهذه الصيغة، إلى تـوفيـر حاويات مـدفـونة تحت الأرض ومزوّدة بآلية تسمح بجمع النفايات، تجنبا لتشويه المحيط وانتشار الرائحة الكريهة. كما لم يُخف بعض من تحدثنا إليهم، تسليم شقق في أحياء في طور الإنجاز وسط الأشغال، مما طرح مشكلا بالنسبة للذين التحقوا بحي عميروش بالرغاية، الذين أوضحوا لـ «المساء»، أن إغلاق المدخل الرئيس جعلهم يعبرون مسلكا ترابيا وسط الأشغال رغم مخاطر ذلك، خاصة على الأطفال المتمدرسين وانعكاسه أيضا على المركبات. 

غياب التجهيزات والحنفيات عن «علي عمران1» ببرج الكيفان

نفس الانشغالات طرحها بعض مكتتبي حي علي عمران3 ببرج الكيفان، إذ يُعد مدخل الحي هاجسا حقيقيا بالنسبة لهم، خاصة عند تهاطل الأمطار نتيجة الأوحال التي تملأ المكان، فضلا عن جملة أخرى من النقائص التي كانت صادمة لبعضهم، خاصة بالنسبة لمن استلموا مفاتيح شققهم بمطابخ خالية من أي تجهيزات، وانعدام الكهرباء والماء والغاز بست عمارات انتهت بها الأشغال، واستفاد أصحابها من مفاتيح شققهم، إذ أكدوا لـ «المساء» أن التجهيزات الداخلية التي وُعدوا بها غير متوفرة، فضلا عن غياب الحنفيات، إذ أرجعت مسؤولة المشروع المكلفة من قبل مؤسسة الترقية العقارية، عدم تركيبها إلى تعرضها للسرقة، مثل ما حدث لأحد المستفيدين الذي وجدناه في عين المكان يشتكي من الاستيلاء على سخّان الحمام «شوديار» والحنفيات والمبردات وتحطيم الباب الخارجي لمنزله، في حين تنصلت المعنية من مسؤوليتها بحجة أن المعنيّ تحصّل على المفتاح رغم أن ذلك حصل في موقع لايزال في طور الأشغال ويتواجد به كل المعنيين بهذا المشروع؛ من شركة إنجاز وأعوان أمن وغيرهم.

فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟ يقول محدثونا، مشيرين إلى أن جيرانهم في ست عمارات استُلمت منذ مدة، يعانون من نقائص، أهمها عدم توفير الغاز رغم التحاق الكثير من العائلات بسكناتهم، إلى جانب عدم إتمام الرتوشات الأخيرة بالشقق؛ سواء الخاصة بالأرضيات «البلاط» أو الأبواب التي تم تركيبها وتُعتبر عادية جدا وليست من النوعية الرفيعة، ولا الخشب من النوع الأحمر، مثل ما جاء في القرار المحدد لخصوصية هذه السكنات، التي لم تجهَّز مطابخها بالثلاجة، ما اضطر أحد المكتتبين الذي وقف على الوضعية الكارثية لشقته على غرار المطبخ غير المجهَّز، لإعادة المفتاح إلى مسؤولة المشروع، التي رفضت استلامه في بداية الأمر، مرجعة، حسبما ذكر المعني، عدم تركيب الحنفيات إلى تجنب تعرضها للسرقة، مثل ما حدث في بعض المواقع.

الوصاية لا تردّ

من جهتنا حاولنا الاتصال عدة مرات بالمدير الجهوي للمؤسسة العمومية للترقية العقارية لمعرفة موقفها من شكاوى المكتتبين والنقائص التي اكتشفوها في شققهم؛ فهل فكرت مؤسسة الترقية العمومية في مراقبة مدى تطابق هذه السكنات مع دفتر الشروط وحمل مؤسسات الإنجاز على الالتزام بالمعايير المحددة ؟ وهل سيتم تدارك ذلك قبل التحاق المعنيين بشققهم، خاصة أن بعضهم أكد لـ «المساء» أنه يلتحق منذ جويلية الماضي يوميا بالموقع لحمل المعنيين على أخذ تحفظاتهم بعين الاعتبار، غير أن المعنيَّ لم يردّ على اتصالاتنا المتكررة، بينما ينتظر الكثير من المستفيدين من هذه الصيغة، رد وزير السكن والعمران عبد الوحيد طمار على الانشغالات التي تسلّمها عقب الاحتجاج الذي نظمه عدد منهم الأربعاء الماضي، أمام مقر الوزارة بالعاصمة.