حذف البسملة من الكتب المدرسية

حذف البسملة من الكتب المدرسية
  • 1526
س.شباح س.شباح

كثيرة هي آراء المتدخلين حول موضوع حذف البسملة من الكتب المدرسية، هذا الموضوع أصبح حديث العام والخاص. وكل يدلي بدلوه في إصدار أحكام سواء بعلم أو بغير علم.

لا لوم على العامة إذا انتفضوا وأظهروا تذمرهم لما قامت به وزارة التربية باعتبارها المسؤولة عن قطاع التربية، ويرجع ذلك إلى أن المواطن الجزائري البسيط يضع ثقته في رجال العلم والدين، فهم في نظره أولى من غيرهم في دراسة أية مسألة من المسائل التي قد تثار في جانب من الجوانب العلمية بشكل عام أو الدينية على وجه الخصوص، فتثور ثائرته على مخالفة كل أمر علمه من السادة العلماء في شتى التخصصات.

إلا أن ما يتعلق بالأمور الدينية، فلها حيز كبير في قلوب وعقول العامة، حيث أن الحديث اليوم حول حذف البسملة من الكتب المدرسية، فالعملية حساسة ودقيقة لأن الأمر يتعلق بالبسملة التي قال عنها السيد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بأنها عنوان الدين، ولست أعلم ما القصد من هذه العبارة «عنوان الدين»، أتمنى ألا يكون سيادة رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، يقصد بأن كل من يتلفظ بالبسملة هو بالضرورة مسلم، أو ديانته الإسلام، نسأل الله العافية. كما أن حوارا أجرته قناة «الشروق نيوز» مع رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حول الموضوع، وأعجبني الرجل حين قال وهو يتكلم بأنه ينبغي أن يدلل على الحق، أي إذا قلت قولا حول مسألة معينة خاصة في المجال الديني، وجب الاستدلال، وقوله هذا جميل وفي غاية الجمال، لكنه عادي وقال: عندما تكون لديك الأغلبية الساحقة مع شيء والأقلية الضئيلة مع ثاني شيء، السؤال مع من تكون، مع الأغلبية أم مع الأقلية؟ الديمقراطية تقتضي أن تكون الأقلية مع الأغلبية، لكن العكس صحيح.

أنا الآن أسأل السيد رئيس الجمعية، كيف يكون الاستدلال على القول إذا تعلق الموضوع بأمر من الأمور الدينية؟ استسمح الشيخ بالقول بأنك تعني بالاستدلال حسب قولك هذا (الرأي الغالب من حيث عدد القائلين به).

ومن هنا تطرح جملة

من التساؤلات:

أولها؛ هل الدين وحي أم رأي؟

الثاني؛ كيف يكون الاستدلال في الأمور الدينية؟

الثالث؛ ما محل فكرة الأغلبية في الدين؟

وبالعودة إلى موضوع حذف البسملة، فقد عرف تجاذبات وحوارات كثيرة سواء على مستوى الأجهزة الإعلامية أو حتى في الشارع الجزائري، منهم من يؤيد قرار الوزارة، إلا أن هذا التأييد مبني على العموم في كون هذه الكتب أو أوراق الامتحانات وغيرها يرمى بها في أماكن غير لائقة، وقد تحمل هذه الكتب والأوراق آيات قرآنية، بما فيها البسملة أو أحاديث نبوية شريفة.

والرأي الغالب يعارض القرار بحجة أن البسملة هي شعار للمسلم، أو كما قال السيد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، هي عنوان المسلم.

السؤال الجدير بالطرح هنا؛ ما موقف أعلى هيئتين في الجزائر حول الموضوع أصلا، هل من الدين الإبقاء على البسملة في الكتب المدرسية وغيرها من الأوراق والوثائق الأخرى، بما في ذلك الدستور الجزائري، أم يجب حذفها من كل هذه الوثائق؟

حسب تصريحات رئيسي الهيئتين، الأمر لا يرقى إلى تسخير العلم والبحث فيما كان يجوز لنا قول البسملة من عدمه في كل أمورنا، وأنا هنا لست في معرض التعليق على آرائهما أو أقوالهما.

إلا أنه يستفاد من تصريح السيد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أن البسملة هي عنوان الإسلام، كما هو الحال بالنسبة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عنوانا للدولة الجزائرية وهكذا، وأنه سوف يطلب من الوزيرة إعادة كتابة البسملة كما كانت في السابق.

لكننا سمعنا من نفس المسؤول أنه سوف ينظر في الموضوع،  ثم بعد ذلك يرد كرئيس لهذه الهيئة سواء بالإيجاب أو السلب.   

قد تبين جليا أن رئيس وأعضاء هذه الهيئة درسوا الموضوع من جميع جوانبه، وتصريح رئيس الهيئة دليل على ذلك.

كما أن السيد رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت تصريحاته هو الآخر تصب في هذا، بل تعدى ربما ذلك وأبان أن ما استند إليه هو رأي الأغلبية والأقلية ولا محل للمرجعية الدينية من كتاب وسنة.

ما هذا الميزان الأخرق الأعوج الذي تزنون به أمور دينكم؟  فإذا أردنا أن نعلم ما إذا كان قرار الوزارة صائبا وكل من أيده أم لا، علينا بالرجوع إلى الكتاب والسنة لقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا]. الآية 59 من سورة النساء.

وقوله تعالى: [وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ]. الشورى (10)

أي أن الله هو الحاكم فيه بكتابه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، كقوله [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول].

وعملا بهاتين الآيتين، علينا أن نحتكم إلى الله ورسوله، لأن النزاع قائم بين المؤيد والرافض.

والاحتكام إلى الله ورسوله لا يكون إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة النبوية.

فالبسملة كآية لم تذكر في القرآن إلا في سورة النمل الآية 30 لقوله تعالى [إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ].

أما البسملة التي نجدها في أول كل سورة في القرآن إنما هي من عمل الصحابة ولم تكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.

حتى أن خلافا بين الفقهاء يعلم به العام والخاص حول ما إذا كانت البسملة آية في القرآن أم لا.

والراجح في البسملة أنها ليست آية من القرآن، باستثناء الآية المذكورة والأدلة ثابتة في السنة، حيث أنه لم يثبت أن صلى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة بالبسملة، كما جاء في الأحاديث الصحيحة التي رواها الإمام مسلم عن أنس بن مالك، حيث قال: صليت خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فيستفتحون بالحمد لله رب العالمين.

ومن الكتاب قوله تعالى: [فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ]، النحل 98. والآية واضحة من ظاهرها أن الأمر منصرف إلى التعوذ وليس البسملة، هذا عند قراءة القرآن، فما بالك إذا قلت ما هو ليس من كلام الله تبارك اسمه.

أما قول، على المؤمن أن يذكر اسم ربه في كل أموره، هو قول نجده في كتب الرأي التي يسمونها اليوم بكتب الفقه، والفقه أصلا لا يكون إلا في الكتاب والسنة النبوية، أما الكتب الأخرى التي كتبها علماؤنا وفقهاؤنا إنما هي كتب رأي فحسب، والأصل ألا يحتج بالرأي في الأمور الدينية، خاصة في المسائل الخلافية، لأن كل خلاف في المسائل الدينية مبني على الرأي.

وأذكر هنا قول الإمام بن تيمية في هذا، حيث قال «في مسائل النزاع لا يحتج بقول أحد»، وهو يعلم أنه من الآحاد وكل العلماء والفقهاء من الآحاد.

ولعل الكثير من القائلين بوجوب البسملة في كل الأمور يستندون إلى حديث أبي هريرة الذي مفاده: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ»بسم الله الرحمن الرحيم» أقطع. هذا الحديث قال عنه الإمام الألباني رحمه الله بأنه ضعيف.

وعليه يتضح جليا من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، أن البسملة لا تقال إلا في حالات بعينها، والقول بأنها تذكر في كل الأمور قولا لا دليل عليه.

إذا، فإن ذكر البسملة يعني أن الله أذن لعباده أن يقولوا أو يفعلوا أمورا معينة باسمه، إلا أن الناس ألفوا ذكر اسم الله في كل أقوالهم وأفعالهم دون التمييز بين الأقوال والأفعال، (حقها وباطلها)، فالنبي عليه الصلاة والسلام حين أمرنا أن نذكر اسم الله في الحالات المذكورة بالأحاديث، فهو يعلم من ربه ولا يقول من نفسه، فهو وحي يوحى وعلينا الاتباع وفقط.

فإذا لاحظنا واقعنا المشوب بالبدع في كل أقوالنا وتصرفاتنا ظنا منا أننا نلتزم الدين، متبعين بذلك ما يمليه علينا علماؤنا وفقهاؤنا بناء على أرائهم مع اختلافاتهم في الكثير من المسائل، وحسبنا قول الفاروق رضي الله عنه الذي قال وهو على المنبر «يا أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف»، رواه أبو داوود في سننه عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.

كما جاء في أعلام الموقعين لابن القيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مثله، وقال بأن إسناده في غاية الصحة، ومن هنا نتساءل فيما إذا كانت كل أقوالنا وأفعالنا، حسبما نعرفه على أنفسنا كلها ترضي الله ورسوله.

بمعنى القائل بالبسملة ابتداء وما يتبعها من قول أو فعل يرضاه الله حتى نتكلم باسمه تعالى اسمه.

أي منا ومهما كانت مكانته ومركزه يستطيع أن يقول ما يقول ويفعل ما يفعل باسم الله.

حتى عالم الدين أو إمام مسجد يخطب في الناس أو يفتي الناس في أمور هو يعلم أنها ليست من عند الله، وليس له أن يقول إلا بما أمر الله أن يقال.

وما دام الحديث حول موضوع حذف البسملة من الكتب المدرسية، أقول لمن انتفضوا ضد قرار الوزارة، هل كل ما هو مكتوب بين طياتها يرضي الله ورسوله، حتى تلك الخاصة بالتربية الإسلامية فيها ما فيها مما لا يمت بصلة إلى الدين الحق.

مع أنني شبه متأكد أن القرار بحذف البسملة لم يكن مبنيا على أسس دينية، كما أنني في حقيقة الأمر لم أتصفح الكتب المعنية، لكن الأكيد أنها تتضمن ولو تاريخا معينا، والأكيد أنه مكتوب بالتاريخ الميلادي لا شك في هذا السؤال. هل اعتماد التاريخ الميلادي دينا؟ وإن كان، فهو فاسد، فكيف نكتب في كتبنا ما هو فاسد وكل ذلك باسم الله، تعالى الله عما يكتبون ويقولون. 

كل منا يبدأ ببسم الله، ثم نقول ما شاء لنا أن نقول من الكلام.

نفعل هذا سواء عن قصد منا أو بدون قصد، لكن دعونا نتأمل قليلا في معنى ما نقول.

لو بدأت الحديث مثلا باسم فلان أو علان وأخوض في قول كلام طويل عريض، هذا يعني بالضرورة أنني أقول ما أقول باسم هذا الفلان نيابة عنه، بالتالي فإن فلان هذا فوض لي الأمر لأتحدث باسمه، وإلا أكون أفتري عليه دون علم منه.

الأكيد أن كل واحد منا لا يقبل بأن يتكلم أي كان باسمه دون علم وإذن منه، هذا أمر لا يختلف عليه اثنان، ولتقريب الفكرة أكثر، لنتصور أن شخصا ما قام في الناس خطيبا، يقول باسم سلطان أو حاكم ويذكر طبعا اسمه وصفته، ثم يشرع في الكلام، الأكيد في مثل هذه الحالة سوف يجد نفسه محاطا بثلة من رجال الأمن، فيدخل في (س) و(ج) يتبعها تأديب، كونه تجرأ وتكلم باسم الحاكم دون تفويض أو إذن ممن تكلم باسمه، والحق يقال، فمثل هذا يستوجب تأديبه.

فما بالنا إن كان من نتكلم باسمه حين نبدأ باسمه هو الله تعالى، تبارك اسمه، تصوروا معي أن فنانا أو فنانة يتكلمون في العفن الذي نسمعه ونراه أو حتى الفن الراقي، كما يحلو للبعض تسميته، أو شاعرا مثلا أو سياسيا يصول ويجول ليقول أي كلام، وكل ذلك باسم الله، والسؤال؛ هل الله يقول أي كلام؟

الأصل ألا يقال عن الله وفي الله إلا ما قاله الله عن نفسه.

فليس لأحد أن يتكلم باسم الله إلا من كلفهم الله للحديث باسمه وهم الأنبياء.

فلنتق الله في أنفسنا، ونعود ألسنتنا على ذكر اسم الله فيما يستوجب ذكره، وقد علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام، متى نقول بسم الله، حيث قال عليه الصلاة والسلام:

إذا طعمت فقل بسم الله، إذا أتيت أهلك فقل بسم الله، وغيرها من الأمور التي ذكرت بصريح الحديث، (7) باب التسمية عند الطعام

3264 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عائشة؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة نفر من أصحابه. فجاء أعرابي فأكله بلقمتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أما أنه لو كان قال: بسم الله، لكفاكم. فإذا أكل أحدكم طعاما، فليقل: بسم الله، فإن نسي أن يقول بسم الله في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره}.في الزوائد: رجال إسناده ثقات على شرط مسلم، إلا أنه منقطع. قال ابن حزم في المجمل: عبد الله بن عبيد بن عمير لم يسمع من عائشة.

3098 - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا همام، عن منصور، عن سالم ابن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أما إن أحدكم إذا أتى أهله، وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان}.

[ 2964 ]، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن قال؛ حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال؛ أخبرنا عثمان بن صالح السهمي قال؛ حدثنا بن وهب قال؛ أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال؛ أخبرني نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا، وقل أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات. وأخرجه مسلم في صحيحه، إلى جانب ما جاء في الكتاب من آيات قرآنية تتعلق بذكر اسم الله كما سبق ذكره.

والله المستعان.