شاهد عيان على فضاعة فرنسا
مونيك هارفو تكشف حقائق وتفاصيل الجريمة
![مونيك هارفو تكشف حقائق وتفاصيل الجريمة](/dz/media/k2/items/cache/79f8a0122d11ab62b1315e6082f289c4_XL.jpg)
- 1019
![مريم . ن](/dz/components/com_k2/images/placeholder/user.png)
سجّلت المناضلة الفرنسية الكبيرة، مونيك هارفو، مذكراتها التي عاشتها خلال أكتوبر المشؤوم من عام 1961 بباريس، حيث أكدت ارتفاع وتيرة الاعتداءات والاعتقالات والتنكيل بالنساء والأطفال، ابتداء من الثاني أكتوبر، وكانت شاهد عيان، حيث أقامت في أحياء الصفيح وتقاسمت مع الجزائريين أسوأ لحظات تاريخ الإنسانية، ولذلك تضمن كتابها "نانتير في حرب الجزائر، لمحات بيوت الصفيح" مشاهد وقصصا لا يقوى على استيعابها البشر وهي اليوم بمثابة إدانة جنائية ضد فرنسا.
تم عرض هذا الكتاب القيّم، أمس، بمتحف المجاهد، بمناسبة إحياء الذكرى 56 لمظاهرات 17 أكتوبر، في ندوة نشطها الدكتوران مولود خلف الله من جامعة بسكرة ومفيدة بلهامل من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، وكلاهما فصّل في هذه الشهادات القاسية التي ترسم بطولة الجزائريين وصمودهم أمام ظروف لا يتحملها البشر، وتكشف همجية الجاني الذي لم يختلف عن النازيين بل كان أشد فتكا، حيث صدر الكتاب سنة 2015 في طبعته الأصلية بباريس ثم ترجم إلى العربية من طرف قنصل الجزائر في نانتير السيد عبد القادر دهندي (كان سفيرا في بودابيست وهو من عرّف بالمجاهدة للجمهور العام واقترح تكريمها).
مشاهد لا يتحملها البشر
أشار السيد خلف الله إلى أنّ القارئ سيصدم بمشاهد قاسية لا يقوى على تحمّلها، لكنه أيضا سيكتشف أسلوبا أدبيا راقيا ومعاني إنسانية سامية وتسجيل أدق التفاصيل، من ذلك أسئلة الأطفال المعدمين الذاهبين إلى المظاهرات مع أوليائهم وهم يظنون أنهم ذاهبون للسينما ليكتفوا الحرب في وسط باريس،، موضّحا أنّ تقدير هذه السيدة لنضال الجزائريين، جعلها واحدة منهم تتقاسم معهم قطعة الخبز وألم المعاناة .
تروي السيدة مونيك حياتها التي تغيّرت عندما عرفت الجزائر قلعة ثوار العالم ووجه الإنسانية الأبيّ، وهي التي عاشت في طفولتها محنة المحتشدات النازية ثم أطلقت للحرية والدراسة حتى وصولها الجامعة وانخراطها في خلايا شيوعية، علما أنّها درست الفنون الجميلة وكانت مكلفة بترميم الكنائس لكنها تركت كل ذلك بما فيه حياة الرفاهية الباريسية واختارت الجزائر.حكت الكاتبة صور رمي جثث الجزائريين في نهر السين، وهي التي رأتهم بأم عينيها وتحتفظ اليوم بالصور والوثائق وغيرها، لتكمل عناصر الجريمة التي اقترفها بابون، مجرم الحرب، وتدين من خلاله فرنسا التي قال عنها سارتر "عارنا في فرنسا" وكانت هي تقول "لا تلوموا النازية وتفعلوا مثلها".
في سنة 2015 نظم دهندي ندوة بنانتير، أثارت ضجة على الرغم من التعتيم، وتضمّن المشهد ترحم الرئيس الفرنسي السابق هولاند على شهداء الجزائر "وهو يقرأ الفاتحة" كاعتراف ضمني لما حدث والصورة موثقة في الكتاب، وأوصت هذه المجاهدة بدفنها في أرض الجزائر وكان آخر تكريم لها من طرف رئيس الجمهورية، السيد بوتفليقة، بوسام الشرف، عرفانا لما قدّمته للثورة وانخراطها في صفوف جبهة التحرير بفيدرالية فرنسا.
أما الدكتورة مفيدة بلهامل، فقد فصّلت في الحديث عن الكاتبة وكانت عينيها تشع حماسا مطالبة بضرورة إحياء هذه الذاكرة الجماعية عوض تجفيفها، وكانت مداخلتها بعنوان "جنون الشر وإلياذة الكرامة"، وفيها استعرضت الأوضاع المأساوية للعمال الجزائريين بفرنسا الذين ذهبوا فرارا من ويلات المحتشدات ومن الجوع والفقر، وهنا تفصّل مونيك في كتابها، تلك الأوضاع، وتقول في إحدى الصفحات "سمعت أحد الفرنسيين يقول تمت إبادة اليهود والآن جاء دور العرب"، كما تناولت عمليات التصفية التي تتم في عرض البحر ومن الطائرات، حيث يرمى الجزائريون المرحلون .
مونيك تعرفت على الجزائريين من خلال الخدمة المدنية الدولية "ما يعرف اليوم بالمنظمات غير الحكومية" واختارت العمل الخيري لتدخل جهنم أحياء الصفيح ونتيجة مواقفها ضمتها الثورة لصفوفها، وأوضحت المحاضرة أنّ مونيك كانت وهي تقيم في تلك المحتشدات لتقديم الرعاية الصحية والمساعدات، تشهد عمليات المداهمة والتمشيط وتهديم الأكواخ ولم يصدق عقلها ما رأته، ومع فرض حظر التجوال أصبحت تبيت مع العائلات الجزائرية، وتسجّل يوميات الصفيح من ضرب واعتداءات وتعذيب وقهر للأطفال وللرضع، ثم تضمن كتابها ما سجلته من 59 وحتى 62 ، أما شهر أكتوبر 61 فوثقت يومياته من اليوم الأول، وأشارت إلى أنّ الأحياء كانت عبارة عن مزابل ومفرغات خصّصت للجزائريين، كي يقيموا بها، وكان الجزائريون يلتقطون ما يجدونه من كراس مكسرة وقطع أخرى، ليحولوها إلى أكواخ أو أعشاش تضم العديد من الأفراد، وعندما يسقط المطر يتلف كل شيء، كذلك الحال عندما يأتي الأمن الفرنسي مرفوقا بحافلات الحركى والكلاب أو عندما تغزو الجرذان الحي لتأكل آذان الرضع، كما كان يمنع إنجاز مراحيض أو نافورة ماء الشرب لتركيع السكان، ورغم كل ذلك كان هناك الكرم وكانوا يتقاسمون الطعام والشراب ويختارون أفضله لمونيك.
المرأة عماد الصمود والشموخ
في كلّ ذلك كانت النساء اللواتي أتين من القرى والمداشر صامدات، وهن يحملن الأطفال والرضع ويخترعن كلمات السر، ويراقبن العدو وشهدن الرعشة التي سبقت موت فرنسا وبالتالي زاد الإيمان بالقضية.
كن ينتظرن عودة الرجال بلا جدوى حينما كانوا يختطفون من الميترو ليقتلوا وسبقت يوم 17 أكتوبر بأسابيع كثيرة رمي 25 جثة جزائري وأضيف لقوات الأمن الأسلحة البيضاء للطعن وغيرها، ووصفت الكاتبة هذا اليوم بالمسيرة الجنائزية السلمية التي شارك فيها حتى الرضع، لكن الرصاص الحي كان بالمرصاد، كما يتضمن الكتاب إحصائيات مهمة ويكشف تواطؤ الإعلام الفرنسي.
وأشارت المحاضرة إلى أنّ المجاهدة مونيك هارفو تسعى للحصول على الجنسية الجزائرية، بعدما قالت أنها ندمت على تقاعسها في تحضير ملف الحصول عليها مباشرة بعد الاستقلال.