في الذكرى الأولى لرحيل الشيخ اعمر الزاهي

قدوة للمبدعين ومعين للضعفى

قدوة للمبدعين ومعين للضعفى
  • 686
❊ مريم. ن ❊ مريم. ن

تحل الذكرى الثانية لرحيل المطرب اعمر الزاهي لتعود معها ذكريات فنان الشعب، التي لاتزال صورة جنازته تملأ مخيلة الجزائريين الذين احترموه في حياته وبعد موته. في كل مرة تعود تفاصيل بعض ما كان في حياة هذا الكبير، الذي بقي يدا ممدودة لأهله وناسه وجمهوره، لا يهمه من بدّل أو حاد أو ساير الريح الغالبة، بل بقي هو هو حتى يعطي مثلا لذلك الجزائري الطيب و»الشبعان» حتى ولو كانت به خصاصة.

الشيخ الزاهي الغني عن كل تعريف، من مواليد الفاتح جانفي 1941 بعين الحمّام بتيزي وزو، ظل يردد روائع القصيد من زمن ابن مسايب وابن سهلة وابن تريكي، وكذلك بعض الكتّاب المعاصرين، وكان منهم الشيخ الباجي.

إنه صاحب روائع كثيرة منها «يا أرض فلسطين « تضامنا مع الشعب الفلسطيني، و»إسميرالدا» و»يا المقنين الزين» و»هذا الخاتم» و»مريومة» و»يا لوشام» و»بالصلاة على محمد» و»تبقاو على خير».

رحل «اعميمر» وبقيت مواقفه حاضرة رغم رفضه لأي ظهور إعلامي، كما أن من مآثر الزاهي تطويره الأغنية الشعبية وتحسينها على مختلف الأصعدة والجوانب الفنية، كيف لا وهو امتداد طبيعي لشيوخ الشعبي، وفي مقدمتهم الراحل العنقى والشيخ العنقيس، ثم محبوباتي، ومكنه ذلك من تقديم أغانيه بطريقة سليمة وصحيحة لحنا وغناء وتأدية.

يبقى الزاهي ظاهرة فنية لا تقبل التكرار، لكنها في ذات الوقت، مدرسة فنية وقدوة في السلوك والقيم، لذلك كانت جنازته ـ رحمه الله ـ كجنازة الملوك والرؤساء رغم بساطته.

لم تقتصر شهرة الزاهي على العاصمة، بل إن محبيه موجودون في كل بقعة من أرض الجزائر يتذوقون الشعبي على صوته العذب، كما كان لرائعة «زينوبة» فضل في هذا الانتشار، خاصة في السبعينيات، حقق بها رواجا واسعا امتد إلى البلدان المغاربية.

عُرف عن الزاهي التواضع الشديد والحياء، غاب عن شاشة التلفزيون لكنه بقي نجم الجماهير. كما رفض المشاركة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية لأسباب مجهولة، واكتفى بإحياء الأعراس العائلية وحفلات الختان وبعض القعدات الخاصة.

لم ينتج الراحل في السوق إلا عددا قليلا من التسجيلات، على غرار «يا العذراء» في سنة 1968، و»زينوبة» و»المقنين الزين» في سنة 1999، ليبقى، رغم تعبه في السنوات الأخيرة ورغم الوعكة الصحية، يحظى بشعبية عارمة.

توفي الراحل في منزله بالعاصمة عن عمر ناهز 75 عاما، وكان دخل المستشفى في شهر سبتمبر 2016 بعد إصابته بوعكة صحية.

على إثر الوفاة بعث رئيس الجمهورية برقية تعزية لأسرة الفنان اعمر الزاهي، أكد من خلالها أن الجزائر فقدت برحيله أحد أعمدة الغناء على مدى عقود طويلة؛ بحيث سيظل قدوة للمبدعين ومعينا، يمكّنهم من المزاوجة بين الأصالة والحداثة.

وكتب الرئيس بوتفليقة في برقية التعزية: «تلقيت بأسى وأسف نبأ انتقال المغفور له الفنان اعمر الزاهي إلى جوار ربه تعالى، هذا المبدع الذي أمضى حياته في خدمة التراث الموسيقي الوطني، أثرى المشهد الثقافي برصيد معتبر من الأغاني والألحان التي حفظها الجمهور وتمتع بها محبو الفن الشعبي».

كما أكد أن الفقيد كان من الفنانين الذين «تميزوا وأبدعوا روائع جميلة تنم عن فن أصيل، فغنى لشعراء الفحول، منتقيا الكلمة المؤثرة والحكمة البليغة والأداء الرفيع بما تطرب له الأذن ويسمو به الذوق».

سيظل هذا الصوت الرخيم وهذا الرمز الفني والاجتماعي ركنا قارا في الذاكرة الوطنية، وستظل حكاياته تتداولها الأجيال، خاصة أنه الإنسان المتواضع الذي يدفع ما في جيبه ليسعد الآخر، وهو العاشق المنكسر الذي حُرم من زينوبته؛ فقط لأنه فنان، لتظل هي بدورها تقدره كإنسان محترم وراق وابن بلد شهم، يستحق كل ما أعطاه الجزائريون من حب.

مريم. ن