نوال بلال تعرض بـ«فرانس فانون»
أرواح ترفرف عاليا في حضرة «السماع»
- 495
يكبر الجسد، ثم يشيخ وتبقى الروح محافظة على شبابها، كيف لا وهي نفخ من روح الله عز وجل، فما أسعد من سعى إلى الرقي بها بغية التقرب من الله، أليس هو حال أولياء الله الصالحين والمتصوفة الذين وصلوا إلى درجة «التحقق»، ولم يعد لهم بال إلا التقرب أكثر من الخالق الرحمن؟.. من هؤلاء الأتقياء، نهلت الفنانة التشكيلية نوال بلال فنها، كيف لا وهي التي ورثت هذا الكنز الروحي من الراحل والدها، فعبرت عن روحانيتها عبر الفن التشكيلي، فكان معرضها هذا الذي تختم فعالياته غدا بقاعة «فرانس فانون» برياض الفتح، تحت عنوان «سماع».
قالت الفنانة نوال بلال لـ»المساء»، إنها لم تجد تكريما لوالدها أفضل من معرض يعبر عن روحه ويحيي من صفى قلبه وبحث عن القرب من الله، مضيفة أنها اختارت «السماع» كعنوان للمعرض، لأنه يمكن أن يُفهم بأنه «السماء»، الفضاء العالي الذي ترتقي فيه الأرواح، لهذا طغى اللون الأزرق على العديد من لوحاتها، خاصة تلك التي رسمت فيها الصوفي جلال الدين الرومي وهو يقوم برقصة «الدراويش»، التي ولدت بعد فراقه عن شيخه شمس الدين التبريزي، ومن هنا نجد أنفسنا أمام المعنى الآخر للعنوان، والذي يقصد به «السماع الصوفي».
تحدثت الفنانة عن مبتغى كل صوفي، وهو الوصول إلى درجة الإحسان بعد مروره بدرجتي الإسلام والإيمان، والتي وصل إليها ابن عربي والثعالبي وغيرهم، ممن تميزوا بالتواضع وعدم إصدار الأحكام على الآخرين، فكان بابهم مفتوحا أمام الجميع، لتضيف أن الشيخ بلقايد المرحوم، شيخ الزاوية البلقايدية، والذي خلفه الشيخ عبد اللطيف، قال إن الله ستر عيوبه وترجى خالقه بأن لا يفضحها في يوم القيامة، وهو ما يعبر عن تواضعه الشديد .
في هذا السياق، ذكرت المتحدثة بعض الآيات القرآنية مثل «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» و»وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» و»إنك على خلق عظيم»، تدل جميعها على أخلاق النبي العظيمة، وهي التي يصبو الأصفياء، التحلي بها، فهم يتبعون خلق الرسول، ومن ثمة شيوخهم الذين بدورهم يجدون في النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لهم.
كما اعتبرت الفنانة أنه ليس من الصدفة أن تبدأ البسملة في سور القرآن بصفة الرحمن، لأن رحمة الله وسعت كل شيء، كما يطالبنا الخالق بأن نتصف بالرحمة والتسامح، وهي من أخلاق النبي الذي قال حينما دخل الكعبة فاتحا لها، إنه يوم المرحمة، مغيرا ما قاله الصحابي ياسر بأنه يوم الملحمة. مؤكدة في الصدد، أن التصوف كلمة حديثة لكن غايتها قديمة، فكان سيدنا إبراهيم يبحث عن التقرب من الله وهو ما كان أيضا مبتغى نبينا محمد الذي كان يعزل نفسه في غار حراء.
عودة إلى الروح التي ذكرت الفنانة أنها شهدت بعد خلقها، بأن الله هو خالقنا، لهذا تجد نفسها دائما في حنين لكل ما يذكرها بذلك، مثل حضرة في السماع أو موسيقى روحية، أو آيات قرآنية، في عالم غلبت فيه الماديات، لتؤكد من جديد امتلاك الجزائر لمشايخ في العلم والدين، قدوة لمشايخ في المشرق، مثل شيخ الزاوية بلقايد الذي يعتبر شيخ الشعراوي. كما أنهم استطاعوا الحفاظ على هوية الجزائر في فترة الاستعمار.
في المقابل، اعتبرت بلال أن تنظيمها للمعارض وسيلة للتعبير عن جانبها الروحي الذي ورثته من والدها، مضيفة أنه يمثل تشريفا وتكليفا في آن واحد، لتؤكد أيضا أن كل إنسان يمكن أن يبلغ رسالة الله ولو بآية.
أما عن لوحاتها المعروضة، فرسمت مجموعة وضعت لها عنوان «بصمة المرأة»، وفي هذا قالت؛ إن الله كرّم المرأة، حيث أن أول امرأة دخلت الإسلام كانت «خديجة». كما أن أول امرأة صوفية هي رابعة العدوية. ورسمت نوال أيضا لوحة «بلقيس»، باعتبار أن هذه الملكة ذكرها الله في كتابه، وأشاد بحكمتها.
في هذا السياق، قالت نوال إنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الصوفية حينما يصلان إلى درجة معينة، لأنها قضية روح وليست قضية جسد.
رسمت الفنانة أيضا مجموعة «الكون» وقالت إن الكون يتغير باستمرار، رافضة تبني الأسلوب الواقعي، لأن الفنان العظيم هو الله، كما رسمت الفنانة مجموعة من اللوحات بعنوان «تسابيح»، من بينها بصمة «صندال الرسول محمد». ورسمت لوحات أخرى، من بينها لوحة «أعمر الزاهي» الذي قالت إنه كان فنانا حكيما يعشق العزلة.
ورسمت الفنانة أيضا لوحات طغى عليها اللون الأزرق، من بينها لوحة «جلال الدين الرومي» و»ألف لام ميم» و»المدد» والمئذنة»، كما أضفت العديد من الكلمات والآيات القرآنية على بعض اللوحات، مثل لوحة «السماع» التي أضفت عليها كلمات، مثل محمد وأحمد.
❊لطيفة داريب