بتشجيع من ذويهم لإثبات وجودهم
مرضى التريزوميا يقتحمون عالم الشغل
- 865
لا زال المجتمع الجزائري ينظر إلى المصابين بالتريزوميا، نظرة جانبية، من منطلق أنهم معاقون، هذه النظرة التي قوبلت بالرفض من طرف أولياء بعض الأطفال وأبوا إلا أن يؤكدوا أن أبناءهم قادرون على إثبات وجودهم من خلال تعليمهم لحرف مكنتهم من ولوج عالم الشغل من بابه الواسع... "المساء" نقلت تجربة كل من محمد وندى المصابان بمتلازمة داون وعادت بهذه الدردشة.
التقت "المساء" بالسيد نور الدين شيموني، والد الشاب محمد عبد الرحمان المصاب بمتلازمة داون البالغ من العمر 25 سنة، على هامش مشاركته في معرض الصناعات التقليدية المنظم بمناسبة احتفالية يناير بفضاء "مصطفى كاتب"، حيث عرض تشكيلة متميّزة من إبداعاته الممثلة في لوحات فنية وأوان فخارية تحمل مجموعة من الرسومات من إبداعه، ويروي لنا قصته الممثلة في الدفع بابنه الى إثبات وجوده في مجتمع يرفض حتى إعطاء فرصة الإندماج لهذه الفئة كغيرها، حيث يقول في بداية حديثه، أنه وفي سن مبكرة، قرر أن يتكفل بتعليم ابنه من خلال إلحاقه بمختلف المؤسسات التي تتكفل بهذه الفئة، وبعد أن حاز على نصيب من المعرفة والتعلم، تم توجيهه من خلال البرنامج المخصص إلى تعلم الحرف اليدوية، ممثلة في الماكرامي والرسم على الفخار والنجارة، وغيرها من الحرف اليدوية التي سرعان ما ظهر ميله إليها، من خلال تحكّمه في الحرفة وإتقانه لها، الأمر الذي دفع الوالد إلى تشجيع موهبته، يقول "فكرت في أن موهبته يمكن أن تكون طريقه إلى ولوج عالم الشغل والحصول على مورد مالي يمكنه من الاستقلالية المالية".
وحول مشاركته في المعرض، يؤكد والد محمد أن ابنه يشارك لأوّل مرة في المعرض بعد أن حاز بطاقة حرفي، التي فرح بها كثيرا وأعطته انطباعا بأنه أصبح رجلا قادرا على الاعتماد على نفسه، خاصة بعد أن وجهت له دعوى للمشاركة بإبداعاته في هذا الفضاء، يضيف "تمكّن من عرض مشغولاته وبيع بعض القطع"، مشيرا إلى أنه بذل جهدا كبيرا في سبيل أن يدفع بابنه إلى ولوج هذا العالم القاسي الذي يرفض أن يمنح المصابين بالتريزوميا فرصة"، ويعلق "المصاب بالتريزوميا، لديه استعداد وقابلية كبيرة للاندماج بالمجتمع، لكن في المقابل، نجد أن المجتمع هو الذي يظل متمسكا بموقفه السلبي اتجاه هذه الفئة"، مشيرا إلى أنه كان ولا زال أبا حريصا على إبعاد كل ما من شأنه أن ينقص من قيمة ابنه أو يشعره بأنه مختلف عنهم، ويقول "اجتهدت في تربية أبنائي وعاملتهم بنفس الطريقة حتى لا يكبر ابني المصاب بالتريزوميا، وفي نفسه شعور بأنه يختلف عن غيره، غير أنّ عامة الناس يلحون على جعلهم مختلفون، الأمر الذي يصعب مهمتنا كأولياء هدفنا تربية أبنائنا أحسن تربية وتمكينهم من شق طريقهم بنجاح".
وغير بعيد عن محمد، كانت ندى خليفة، البالغة من العمر 32 سنة، المصابة هي الأخرى بمتلازمة داون، تعرض بعض مشغولاتها اليدوية، وحسب ابنة خالتها وداد، التي رافقتها في المعرض، فإنّ سر نجاحها هو والدتها التي لطالما كانت تنظر إليها على أنها طفلة عادية كسائر الأطفال، وكانت ترفض أن تعامل في محيطها على أساس أنها مختلفة، لأنها كانت تؤمن بأنها قادرة على القيام بكل ما يقوم به الأطفال العاديون، وأن ما تحتاج إليه هو بعض المرافقة والمتابعة والتوجيه، مشيرة في معرض حديثها إلى أن المنهج التربوي والتعليمي الذي اعتمدته والدة ندى، ساعدها على تكوين الثقة في نفسها، ومكّنها من إثبات وجودها في المجتمع. مشيرة إلى أنها بذلت مجهودا كبيرا في تعلّم الحرف اليدوية بتشجيع من والدتها ولم تكتف بذلك، بل أتقنت أيضا أسرار الطبخ وأبدعت في صناعة الحلويات، وهي اليوم قادرة على الاعتماد على نفسها.
وحول ما إذا كانت الشابة ندى تحوز على بطاقة حرفي، أشارت محدثتنا إلى أن تحكمها في الحرف التقليدية جعل والدتها تعد لها ملفا للحصول على بطاقة حرفي، واليوم لها الحق في المشاركة كغيرها من الحرفيين في مختلف المعارض، غير أن الإشكال الذي يواجهها تقول: "قلة الإمكانيات حتى تتمكن من ممارسة حرفتها الممثلة في صناعة الأواني الفخارية، كونها لا تملك فرنا، الأمر الذي أحبط عزيمتها، من أجل هذا نناشد الجهات المعنية للتدخل من أجل تقديم الدعم المادي لهذه الفئة التي لولا تشجيع أوليائها لها، لما تمكنت من إثبات وجودها في مجتمع لا يزال ينظر إليها على أنهم معاقة وغير قادرة على التكفل بنفسها.
❊رشيدة بلال