نشوة الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي تحولت إلى انتكاسة دبلوماسية

حلم المغرب بطرد الجمهورية الصحراوية يتحول إلى كابوس

حلم المغرب بطرد الجمهورية الصحراوية يتحول إلى كابوس
  • 919
❊م .مرشدي ❊م .مرشدي

لم تدم فرحة المغرب بانضمامه إلى الاتحاد الإفريقي صيف العام الماضي طويلا، لتتحول إلى انتكاسة دبلوماسية غير مسبوقة، إلى درجة أنها هزت أسس مشروعه الاستعماري في الصحراء الغربية، على خلفية موقف قمة الاتحاد الإفريقي المنتهية أشغالها بالعاصمة الإثيوبية أول أمس.

وخرج وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مصدوما من قاعة الاجتماع مباشرة بعد تلاوة الرئيس الدوري للاتحاد، الرئيس الرواندي، بول كاغامي نص البيان الختامي للقمة والذي دعا فيه الرباط إلى فتح إقليم الصحراء الغربية المحتل أمام لجنة إفريقية لتقصي الحقائق، للوقوف على واقع الانتهاكات المغربية ضد أصحاب الأرض، الصحراويين.

ويكون الاتحاد الإفريقي بمثل هذا القرار قد أحدث زلزالا قويا في أعلى قمة العرش الملكي وهو يرى أحلامه في الصحراء الغربية تتهاوى أشبه بأوراق قصر كارتوني، بعد أن اعتبرت الدول الإفريقية جميعها ـ باستثناء المغرب ـ أن الصحراء الغربية هي فعلا مستعمرة تنتظر تقرير مصيرها، وأن سكانها يتعرضون لانتهاكات فظيعة، في ظل تعتيم مغربي مقصود للتستر على جرائم تتم خارج إطار القانون وبعيدا عن أعين أية جهة خارجية.

والأكثر من ذلك، فإن المخزن يدرك جيدا أن استقبال لجنة تقصي الحقائق ستتبعها خطوات أخرى لن تكون بالضرورة في صالحه كقوة استعمارية، كما أن رفض استقبالها وتعنتها في التمسك بموقفها المعادي للجان التحقيق سيؤكد الاتهامات بأنها تخفي أشياء وحقائق لا تريد أن يطلع أي أحد لبشاعتها وليتأكد حينها أن المعذبين تحت سلطتها من السكان الصحراويين ليسوا مواطنين مغاربة كما تدعي وسائل إعلام القصر والمتحلقين من حوله.

وكان الاتحاد الإفريقي ذكيا في مطلبه عندما شدد التأكيد على المغرب بأن يوقع على  الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والأدوات ذات الصلة للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما يوقعه تحت طائلة بنود هذا الميثاق الذي يلزم أعضاءه بالامتثال لقراراته وإلا اعتبر دولة مارقة ورافضة لروح التضامن الإفريقي.

ووفق هذه المقاربة، فإن الرباط التي استغلت وضعها كدولة غير عضو في الاتحاد الإفريقي للتنصل من تنفيذ القرار الإفريقي 689 لسنة 2012، الذي دعا إلى إنشاء لجنة تقصي الحقائق ولكنها ستكون ملزمة الآن على فعل ذلك من منطلق أن انضمامها الرسمي إلى الاتحاد لن يجعلها فوق الإجماع الإفريقي لأن ذلك سيضعها في كل مرة في قفص الاتهام دون أن تكون لديها أدلة لنفي التهم الموجهة لها.

ووجه الانتكاسة الآخر بالنسبة للمغرب، أن الاتحاد الإفريقي أعطى لنفسه هذه المرة دورا محوريا في مسار مفاوضات تسوية النزاع الصحراوي بهدف تصفية الاستعمار من آخر إقليم محتل في القارة، بكيفية قد تساعد على حلحلة مسار مفاوضات معطل منذ سنة 1991 وأن القضية لم تعد حكرا على الأمم المتحدة بدليل احتمال تفعيل لجنة الدول التي أنشأتها منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1978. 

ويضاف إلى كل ذلك، مطالبة الرباط السماح بعودة بعثة الملاحظين الإفريقية إلى مدينة العيون المحتلة، ودعوته لها أيضا الامتناع عن احتضان منتدى كرانس مونتانا في مدينة الداخلة المحتلة والمنتظر أن تعقد فيها ندوة جديدة خلال الفترة الممتدة بين 15 إلى 18 مارس القادم.

وكان قرار قمة الاتحاد أول أمس، بدعم مواصلة المفاوضات المباشرة بين المغرب والجمهورية العربية الصحراوية، ضربة قوية للدبلوماسية المغربية، لن يقل وقعها عما تتركه لجنة تقصي الحقائق التي استند في الدعوة إلى إحيائها على «نص وروح قرارات منظمة الوحدة لإفريقية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة»، المطالبة جميعها بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.

ولكن الضربة الأكثر وقعا تبقى دون شك دعوة طرفي النزاع إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة «دون شروط مسبقة» ووفق مبدأ استفتاء تقرير مصير «حر وعادل» يمكّن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير.

وتركيز الدول الإفريقية على عبارة «دون شروط مسبقة» ومبدأ تقرير المصير يعني بقراءة بسيطة أن الاتحاد الإفريقي قبر بشكل نهائي فكرة الأمر الواقع الذي سعى المغرب إلى فرضه عبر تمسكه بخيار «الحكم الذاتي» الذي وضعه بديلا أوحد لتسوية النزاع ومتنكرا لكل الخيارات الأخرى التي أقرتها الشرعية الدولية.

وفي ظل هذه الحقائق، فقد استعاد الجميع الهالة الإعلامية الصاخبة التي أحاط بها المخزن انخراط المغرب في أحضان «عائلته الإفريقية الكبيرة» واعتبرتها مختلف وسائل إعلامه بمثابة نصر دبلوماسي تحقق بفضل حكمة وبُعد النظر الذي يتميز به الملك محمد السادس الذي فضل التخلي عن سياسة «الكرسي الشاغر»، بقناعة أن ذلك سيكون بداية لطرد الصحراء الغربية من عضوية الاتحاد الإفريقي.

ولكنه أيقن في ختام القمة الإفريقية أول أمس، أن خطوته بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، كانت وبالا على حساباته الضيّقة ونزعته الاستعمارية في الصحراء الغربية، بدليل توالي قرارات الاتحاد التي كانت بمثابة ضربات متلاحقة لمساعيه التي فقدت من يؤيدها وزادت من عزلته الدبلوماسية وجعلته أشبه بملاكم وجد نفسه محاصرا في ركن حلبة وهو ينتظر ضربة قاضية تجعله غير قادر على مواصلة نزال أصبحت خسارته حتمية.

وهي الحقيقة التي عكستها مختلف وسائل الإعلام المغربية التي فضلت أمس، التزام صمت مطبق تجاه انتكاسة جديدة منيت بها دبلوماسية الرباط، التي بدأت أوراقها تسقط تباعا قبل أن يجد المغرب نفسه أمام أمر واقع تماما كما حدث للأنظمة الاستعمارية المندثرة. 

والحقيقة أن الاتحاد الإفريقي الذي تبنى شعار تعزيز التعاون البيني وتحقيق التكامل القاري، وبما يستوجب إصلاحات شفافة لكل مظاهر الحياة في دوله، لم يعد من مصلحته أن يغض الطرف عن بقاء «نقطة سوداء» مازالت تشوه صورة القارة الإفريقية لا لسبب سوى، لأن دولة عضو في المنتظم الإفريقي تريد أن تفرض منطق استعماري طوته إفريقيا ستينيات القرن الماضي.

ثم إن سكوت الدول الإفريقية على نوايا المغرب الخفية من وراء انخراطه في المنتظم الإفريقي كان يمكن أن يفجر الاتحاد الإفريقي من الداخل بسبب الخلافات التي قد يتسبب فيها الصراع بين المتشبثين باستقلال الصحراء الغربية والواقفين مع الرباط، لتأتي قرارات قمة أول أمس، كصمام آمان بعد أن أقفلت باب المناورة والدسائس التي قد يلجأ إليها المغرب لشق صفوف اتحاد إفريقي وهو في بدايات عهده.

والأكثر من ذلك، فإن الدول الإفريقية التي اكتوت بنار الاستعمار لم يعد بإمكانها أن تتجاهل واقعا استعماريا رهن مستقبل شعب بأكمله في وقت تقوم فيه لجان شعبية ومنظمات إنسانية غير حكومية وحقوقيون وبرلمانيون وهيئات من دول أجنبية بالدفاع عنه والمطالبة بفضح الانتهاكات المغربية ضد أبنائه وتبقى هي في موقع المتفرج على مأساة ما كان لها أن تكون أصلا.