ناشطون يستنكرون الظاهرة ويطالبون بحلول عاجلة
"الأطفال".. قرابين لبحر لا يرحم
- 1039
يبدو أن سلسلة الأخطار المحدقة بالأطفال تأبى أن تنتهي، فبعد الاختطافات، هاهو البحر يتحول هو الآخر إلى خطر يتهدد أرواح الأطفال، بعدما أصبح الأولياء يجازفون بأبنائهم في قوارب الموت للانتقال إلى الضفة الأخرى، أملا في حياة أفضل، ضاربين عرض الحائط حجم الخطر الذي ينتظرهم، ولعل أبنة مدينة وهران ذات الثلاث سنوات التي ابتلعها البحر بعد أن غامر بها أولياؤها، خير دليل على ذلك.
حول انتقال هوس الهجرة غير الشرعية أو "الحرقة" كظاهرة من الشباب إلى النساء والأطفال، تحدثت "المساء" إلى عدد من المهتمين بملف الطفولة، فكان لكل واحد منهم رأيه في الموضوع.
عبد الرحمان عرعار رئيس شبكة "ندى": نسوق صورة سيئة عن بلادنا بعدما مست "الحرقة" أطفالنا
أبدى عبد الرحمان عرعار، رئيس شبكة "ندى" للدفاع عن حقوق الأطفال حزنا شديدا حيال واقع الطفولة في الجزائر، وأكد في معرض حديثه لـ"المساء"، أنه في الوقت الذي تسعى الشبكة إلى الرفع من وعي الأولياء من خلال إخضاعهم لتكوينات حول سبل التواصل مع أبنائهم وحمايتهم من مختلف الأخطار، يقول "نقف اليوم أمام معضلة كبيرة تتمثل في تعريض من هم أولى بالحماية إلى الخطر، وهو ما يعكسه الواقع المؤلم لابنة مدينة وهران التي غامر بها والداها، والنتيجة كانت الغرق"، مشيرا إلى أن القوانين التي تحمي الطفولة اليوم، والحمد لله موجودة، سواء تعلق الأمر بقانون حماية الطفولة أو بقانون العقوبات التي تسلط عقوبات على الأشخاص، المطالبين بحماية هذه الشريحة، ويتسببون في تعريضها للخطر.
من جهة أخرى، أشار عرعار إلى أن الأولياء اليوم لابد لهم أن يتحملوا كامل المسؤولية، فإن أرادوا أن يعرضوا أنفسهم للخطر فهذا أمر يخصهم، لكن أن يعرّضوا أبناءهم للخطر، فهذا أمر غير مقبول تماما. كما أنه من الناحية القانونية ممنوع، وقال "للأسف الشديد نقدّم اليوم صورة سيئة حول بلادنا، بعدما أصبحت الهجرة تمس العائلات"، ويتساءل "لا أعتقد أن وضع الجزائر مزر لدرجة تجعل العائلات تقرر ركوب قوارب الموت، كأنها تهرب من حرب دامية".
وردا عن سؤالنا حول أسباب تفشي هذه الظاهرة التي أضحت اليوم تمس النساء والأطفال، أكد رئيس شبكة "ندى" أن ظاهرة الحرقة كانت موجودة منذ القدم، لكن الجديد الذي يدعونا إلى دق ناقوس الخطر اليوم ومعالجة الأسباب التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي بالدرجة الأولى، هو أن هذه الظاهرة أضحت اليوم تستهوي النساء والأمهات اللواتي يغامرن بحياة أبنائهن الأبرياء الذين لا يعرفون أي شيئ عن هذه الرحلة الخطيرة"، مشيرا إلى أن الجهات المعنية بادرت مؤخرا إلى إطلاق سراح "الحراقة" الذين قطعوا شوطا كبيرا من رحلتهم، غير أنه عند إلقاء القبض عليهم وإرجاعهم إلى أرض الوطن، "أكدوا في تصريحاتهم أنهم سيعيدون الكرة، مما يعني أن ظاهرة "الحرقة" تحولت إلى أولوية تحتاج إلى التدخل على عدة أصعدة لتغيير المعتقد، الذي يشير إلى أن الوصول إلى الضفة الأخرى يعني حياة أفضل وأجمل وأحسن".
وعن الحلول التي يقترحها لحماية الأطفال من هذا الخطر الجديد الذي أصبح يتهددهم، ومن أقرب الناس إليهم، أشار محدثنا إلى أن المشكلة ليست في "الحرقة" في حد ذاتها، وإنّما في كيفية محاربة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع بالأولياء إلى اتخاذ مثل هذا القرار، وبالمناسبة قال "أطالب كمجتمع مدني الجهات المعنية بعدم التساهل مطلقا مع العائلات التي تغامر بأبنائها، لأنها مست بالمصلحة الفضلى للأطفال، مع السعي إلى الاقتراب من هذه الفئات لفهم الأسباب ومعالجتها، وعدم الاكتفاء بالعقاب، بالتالي نحمّل السلطات العمومية المسؤولية، لأننا نتحدث عن فئات هشة بحاجة إلى تكفل عاجل بمشاكلها".
البروفيسور خياطي رئيس "فورام": لابد من قوانين صارمة ضد الأولياء
من جهته، أعرب البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، عن أسفه من الطريقة التي أصبحت تفكر بها العائلات الجزائرية، التي أضحت اليوم تقرّر المغامرة في قوارب الموت رفقة فلذات أكبادها، دون الاكتراث إلى الأخطار المحدقة بهم، سعيا إلى الركض وراء أوهام، قد لا تتحقق في الضفة الأخرى، يقول محدثنا "الغريب في الأمر أن العائلات التي تقرر خوض التجربة غير مدركة بأنّها تقوم بعملية انتحارية، وباصطحاب الأبناء تكون قد اختارت أن تقدمهم قرابين لبحر لا يرحم".
وعن كيفية معالجة الظاهرة، يرى البروفيسور خياطي أنّ معالجة الظاهرة لا تتحقق إلا بفرض عقوبات صارمة على الأولياء الذين يغامرون بأبنائهم، وبالرجوع إلى دول مثل أمريكا وبعض الدول الأوربية، نجد أنها تجرّم الأولياء الذين يهاجرون بأبنائهم، وهو ما نحن بحاجة إليه اليوم، مشيرا إلى أن البالغين من النساء أو الرجال إن اختاروا أن يغامروا بأنفسهم، فهذا شأنهم ولديهم قانون يعاقبهم، لكن إن تم اقتياد الأطفال إلى هذه التجربة، فهذا أمر غير مقبول تماما، وبالمناسبة يقول "أطالب بضرورة إدراج نصوص صريحة تعاقب الأولياء على هذه الجرائم التي أصبحت اليوم تهدد حياة الأطفال".
الأسباب التي أصبحت اليوم تدفع بالعائلات إلى ركوب قوارب الموت، يرى محدثنا أنها ليست بالضخامة التي تدفع بأسر بأكملها إلى المغامرة بحياتهم، مشيرا إلى أن الجزائر لا تعيش في جحيم، كما يصورها بعض المهاجرين الذين يعطوننا انطباعا وكأنهم هاربون من الجحيم، والأسباب لا تعدو أن تكون اقتصادية تترجمها الظروف التي تمر بها الجزائر، على غرار أغلب الدول المجاورة.
❊رشيدة بلال
الأخصائية النفسانية مليكة طالب تؤكد: "الحراق" ضحية المشاكل العلائقية وغياب الدفء العائلي والاجتماعي
أكدت الأخصائية النفسانية مليكة طالب، من جامعة بوزريعة في حديثها لـ«المساء"، أن هناك مشكلا علائقيا بين الأسرة والمجتمع، وهي علاقة طردية، أي إذا تفاقمت المشاكل بالنسبة للشباب تنتج عنها مشاكل اجتماعية وتؤدي بدورها إلى مشاكل أسرية، وفي كلتا الحالتين يجد الفرد نفسه في ضغط، يتلقاه كل فرد حسب تركيبته، فأصحاب الشخصية القوية يتحملونه وهناك من لا يستطيع فيختار الهروب من المجتمع على طريق "الحرقة".
أشارت المختصة في بداية شرحها لأسباب الظاهرة المختلفة، التي باتت مطلب السيدات، بعدما كانت مقتصرة في وقت مضى على الشباب فقط، إلى أن عدم تواصل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض يجعل الفرد فريسة سهلة لفكرة الهروب تشرح بالقول: "الفكرة كانت مبنية بالنسبة للشخص الذي يفكر في الهجرة غير الشرعية على مجموع أحاسيس، مشاكل وصراعات داخلية عاشها الشخص بمفرده، فلو كان هناك حوار أسري بين الزوجة والزوج والأبناء وتم فهم أسباب الصراعات والآلام النفسية التي يعيشها، لما كانت الكثير من النتائج التي نرفضها، على غرار الانتحار أو الحراقة أو الإدمان على المخدرات".
الدفء العائلي قبيل المادي
أوضحت المختصة أن أساس المشكل يبدأ من الأسرة وليس مشكلا اقتصاديا أو ماديا فقط أو حرمان، لكن أساسه غياب الاهتمام والتواصل والكلمة الطيبة التي أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول: "فلو كان هناك حوار بين الشاب ووالديه أو الرجل وأسرته الصغيرة لوجد تحليلا اجتماعا ودينيا يساعده على أخد الطريق الصحيح لأفكاره، فالأب لا يحاور والأم مشغولة في البيت أو العمل، وخلال الفترة المسائية يمارس الجميع الثقافة الإلكترونية التي جعلت حتى الآباء يبتعدون عن أبنائهم ولا يهتمون بمشاكلهم، فالطفل الصغير بحاجة إلى الترجمة يوميا، لفهم متطلباته وأفكاره وأحلامه التي يرسمها على الورق ويعرضها بدوره عليهم، ليتم من خلاله فهمه، لكنه يصادف تجاهلهم لها بسبب انشغالهم بالهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي".
فيما يخص المراهق، تقول المختصة النفسانية: "المراهق لن يكون عدوانيا أو يفكر في الحرقة بين يوم وآخر، فهي نتاج تراكمات وصراعات من الطفولة إلى المراهقة، وحتى الأحداث والأمور البسيطة في حياته، فلابد أن نعلم الأبناء لغة الحوار ابتداء من 5 سنوات، وهو ما يساعد الآباء فيما بعد على معرفة ما يحتاجه الابن أو ما يطرح عليه من أفكار خلال مرحلة المراهقة، كان يقترح عليه الأصدقاء فكرة الهجرة التي يقوم بدوره بمناقشتها مع الآباء ومنه معرفة ما يفكر به وإنقاذه قبل فوات الأوان".
أضافت المختصة أن الأطفال ضحايا المشاكل العلائقية بين الزوجين، فلا وجود للغة الحوار بينهما، رغم أن القاعدة الأساسية في الزواج هي "الشورى"، مؤكدة أن الآباء لا يحسنون التعامل مع أزمة المراهقة وعدم مراعاة مجموع التغيرات البيولوجية التي يتعرض لها الطفل خلال هذه الفترة، وتؤكد المختصة أنه لزام على الآباء مراعاتها وتفهم الأمر والتغير ومساعدة المراهق من خلال لغة الحوار التي ستنقذه من الإدمان على المخدرات والحراقة والشذوذ الجنسي أيضا، تقول: "الدفء العائلي قبيل الدفء المادي، فالعاطفي يساعد على التفكير الصحيح، ومنه القدرة على حل المشاكل، حيث يجد الشاب مكانته في المجتمع ولو كانت بسيطة، لأن لديه قيمة في بيته".
وجهت الدكتورة نداء للعائلات قائلة: "يا أرباب الأسر من الأبوين، اهتموا ببعضكم البعض، تحاوروا بأسلوب هادئ، افهموا متطلبات بعضكم البعض، حاولوا حل مشاكل الأطفال بالمشاورة وبطريقة بسيطة بعيدا عن اللوم، فما حصل كان بدون تعليق المشكل على فلان أو علان، استثمروا في أبنائكم، فلدينا ذكاء خارق على مستوى الأفراد، والمجتمعات المتقدمة تستثمر في القليل الموجود في أفرادها. لابد للأم أن تستثمر في أبنائها، وعلينا أن نأخد العبرة من أجدادنا، فقد عاشوا في الحرمان لكن لم تكن هذه المشاكل تعترض سبيلهم، لأن الدفء العائلي كان له عظيم الأثر في تربية الأفراد المستقرين نفسيا واجتماعيا، رغم الحاجة المادية، خاصة خلال الفترة الاستعمارية، العائلة لابد أن تتحدث إلى ابنها وأن لا ترميه للمجتمع ، فإذا لم يتم التحاور مع الطفل في الخمس سنوات من عمره، لن تعرفي منه شئا في الـ17 سنة".
لابد أن يكون الأساتذة مؤطرين نفسيا وعلميا ومعرفيا
للقائمين على التربية والتعليم على مستوى المدارس، قالت الدكتورة طالب: "هناك مشاكل عديدة يتلقاها التلاميذ والأستاذة، على غرار اكتظاظ الأقسام الذي يستوجب التحكم فيه، ليتسنى للأستاذ القيام بدوره التربوي والتعليمي على أحسن وجه، ولابد أن يكون الأساتذة مؤطرين نفسيا وعلميا ومعرفيا للقيام بالمهمة الثقيلة الملقاة على كواهلهم، فمعرفة الأستاذ بهذه الجوانب يسمح له بالتحكم في التدريس وإعطاء مجوع القيم الأساسية والتنشئة السوية للطفل، فهو لا يشتمه ولا يحقره وسط زملائه، لأن الشتم ينقص من معنويات الطفل ويؤثر على شخصه، مما يساهم في تكوين شخصية ضعيفة"، وهنا دعت المختصة النفسانية المدرسين في كل الأطوار التعليمية بداية من الابتدائي إلى الجامعي والتكوين المهني إلى مساعدة الطالب والمتربص على التوازن النفسي، فلكل مرحلة تأثيرها وواسع أثرها أيضا عليه، حسبما -أكدته في الرسم المرفق-، مشيرة إلى أن العبقري هو رجل جزائر الغد الذي وجد الدفء العائلي والاجتماعي.
❊أحلام محي الدين