خوفا من العنوسة
قاصرات يتخلّين عن الدراسة من أجل «الزوج المثالي»
- 3324
شهدت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، حملات توعوية وتحسيسية ضد ظاهرة الزواج المبكر، خاصة بعدما تبيّن أنّها من بين أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في المحاكم، حسبما أكده المختصون لـ»المساء»، حيث تمت الإشارة إلى أنه رغم الجهود المبذولة للحد من هذه الظاهرة، إلا أن بعض الأسر لا زالت توافق على تزويج بناتها في سن مبكرة وتشجع أبناءها على ذلك.
عاد الزواج المبكر إلى ساحة العلاقات بعد أن تراجع لفترة معينة، بعد أن قررت الكثيرات التخلي عن مقاعد الدراسة واقتناص فرصة نيل زوج خوفا من كابوس العنوسة. في الوقت الذي أشارت الكثير من فتيات الأمس في حديثهن، إلى أنهن وجدن أنفسهن أمهات يواجهن أمومة ناقصة، بسبب عدم قدرتهن الكاملة على تحمل المسؤولية التي يقتضيها الارتباط، موضحات أنهن وجدن أنفسهن أمام واقع مرّ ومجتمع ينعتهن بالقنبلة الموقوتة التي لابد من التخلص منها سريعا بتزويجهن.
فتيات يشكين:سرقت منا براءتنا
رقية إحدى ضحايا الزواج المبكر، تروي قصتها قائلة بأنها ليست كتلك الحالات التي أرغمهن الفقر على الزواج المبكر أو لم تكن لديهن فرصة للدراسة والتكوين، فهي من عائلة ميسورة الحال تقيم بالعاصمة، اختارت ابن خالتها شريكا لحياتها، وتم حفل زفافهما شهر أوت المنصرم، حيث شاركتنا أمها الحديث قائلة ؛»ابنتي أحبت دراستها، لكنها شعرت بنوع من الملل، فكانت دائما تشكو عدم الفهم الجيد والكافي للدروس، حيث كانت في البداية تعتمد على دروس تدعيمية، لكنني تفاجأت ووالدها حين أكدت رغبتها في التخلي عن الدراسة ومزاولة تكوين يمكنها من إيجاد منصب عمل مستقبلا، فسجلها والدها في مركز تكوين، لكنها رفضته واعتبرته غير مناسب لرغبتها، لتفاجئ الجميع بقرار الزواج الذي كان بملء إرادتها وعن قناعة مطلقة».
الزواج المبكر بين الإجبار والتقليد
تعترف الكثير من الأمهات والجدات أن زواجهن المبكر كان بسبب عدم توفر إمكانيات التعليم وعدم الاستقلال الذاتي، إضافة إلى تدني المستوى المعيشي، كونهن كن يعشن في الأرياف والقرى، مما صعب عليهن الالتحاق بمقاعد الدراسة نظرا لبعد المسافة التي يقطعنها لبلوغ المدارس، لكن في يومنا هذا، من منا لم يسمع بعقد قران شابات وشبان دون سن الرشد؟ أو تمت دعوته إلى حفل زفاف مماثل، حيث أشرن إلى أنهن أصبحن مدعوات لحضور حفل زفاف يكون فيها سن العرسان 18 أو أقل أحيانا بالنسبة للفتاة.
أكدت السيدة مهدية أنّ الكثير من الحالات عمدت إلى تقليد أقرانها من خلال الزواج في سن مبكرة، تقول «ما لم أفهمه حتى الآن ، هو أن الزواج المبكر أيضا لم يحل مشاكل الانحلال الخلقي ولم يساهم في غض البصر، بدليل أن أغلب حالات الطلاق في المحاكم الجزائرية تكون في الأسرة الفتية».
من جهتها، سليمة وهي حالة أخرى تقشعر لها الأبدان، تقول بحسرة «تزوجت وعمري لم يتعد 17 ربيعا، فقد كنت أدرس في الثانوية شعبة آداب، وكان حينذاك رجل يلاحقني من المنزل إلى المدرسة، ويحاول التقرب مني، إلا أنني أبيت الحديث معه، وفي يوم من الأيام دخلت المنزل فوجدت أمي في قمة السعادة، كانت عيناها تشعان من الفرح، حدثتني يومها قائلة بأن قدماي لن تطآ المدرسة ثانية، وأن يوم سعدي قدم، لأنني سأتزوج من رجل ثري عمره 41، ورغم رفضي للأمر، إلا أن ضغط أمي وإخواتي كان فوق إرادتي، فتزوجت في ظرف شهر واحد، في الوقت الذي كانت صديقاتي يحضرن للبكالوريا، كنت أنا حاملا، وبسبب عدم اكتمال جسمي، سقط الجنين لأسباب صحية، ومع مرور الوقت أصبح زوجي يلاحق فتيات أخريات، وعند اكتشافي أمره، أصبح ينعتني بكل الصفات القبيحة، ليذكرني في كل مرة بأنه صاحب ثروة وأنني فقيرة، وفعلا بعد 3 سنوات، وجدت نفسي مطلقة ومحط أطماع الكثيرين».
اجتماعيون وأطباء يحذرون من آثاره وسلبياته
تقول الأستاذة أبركان، مختصة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر 3 لـ»المساء»، أنّ الزواج المبكّر للشباب من ذكور وإناث، يعد محاولة للتعبير عن الرغبة في تجاوز الأزمات القديمة كالحرمان أو البحث عن الحنان ـ وبفعل غيرة من أحدهم، وحبّ تقليد الغير، خاصة إذا كان في الأسرة من تزوج مبكرا، مؤكدة أنه يجب التأكد من قدرة الشباب الجسدية والنفسية قبل تشجيعهم على الإقدام على الزواج، نظرا للمسؤولية الكبيرة التي تنتظرهم.
أما طبيبة النساء والتوليد نسيمة بن كعلول، فتشرح لـ»المساء»، قائلة بأن الولادة في سن مبكرة أشبه بكثير بالولادة في سن اليأس بالنسبة للمرأة، بسبب ارتفاع ضغط الدم والتعقيدات التي تحدث على مستوى الرحم، وما تتسبب فيه من مشاكل بسبب عدم اكتمال جسم الحامل، وهو ما قد يتسبب في موت جنينها في بطنها أو تأخرا عقليا أو عدم اكتمال جسمه، إلى جانب إصابة القاصر بمشاكل نفسية كالقلق والاكتئاب.
في نفس السياق، أفاد المحامي سليم بن فرج الله لـ»المساء»، أن زواج القاصرات لا يكون إلا برخصة مسبقة من طرف القاضي ومبررة، حيث يكون الزواج المبكر مرخصا في القانون استثنائيا لبعض الحالات، كالاعتداءات الجنسية أو لسبب من الأسباب، نص المادة 07 من قانون الأسرة، كونها لم تحدد صراحة من هو القاضي المختص بمنح الترخيص، مع العلم أن المنطق ومصلحة الفتاة تقتضيان أن يوكل الأمر لقاضي الأحوال الشخصية لدرايته وخبرته في هذا المجال. ويضيف في نفس السياق، أنّ المادة نفسها تحدثت عن حالة الضرورة التي بموجبها يمنح القاضي الإذن بزواج القاصر، إلا أن المشرع لم يحدد مفهوم حالة الضرورة.
❊ خولة عقون