إنجازات اجتماعية وطاقوية ضخمة تجسدت بتمنراست
رسم أفق النهضة الاقتصادية الموعودة بالجنوب
- 1732
تشهد عاصمة الأهقار «تمنراست» في السنوات الأخيرة تحولات كبرى ذات أبعاد جهوية وانعكاسات إيجابية على واقع التنمية على مستوى الجنوب الكبير ككل، بعد المكاسب غير المسبوقة التي عززت واقع الحياة بالمنطقة وآخرها وضع حيز الخدمة أول أمس، شبكة التموين بالغاز الطبيعي وتدشين مشاريع طاقوية هامة، من شأنها فتح آفاق جديدة لسكان المنطقة ودعم التنمية الوطنية على السواء، في وقت يشهد فيه الواقع الاقتصادي متغيرات صعبة، لم تثن الدولة عن الدفاع عن خياراتها الاجتماعية وتجسيد المشاريع التي تعود بالنفع على المواطن، مهما كانت الظروف.
ليكون تدشين أنبوب الغاز الطبيعي بعاصمة الأهقار والذي يضاهي مشروعي القرن المتمثلين في «الطريق السيار»، وتحويل الماء من عين صالح إلى تمنراست من حيث الحجم والأهمية، بمثابة الرهان الناجح على كافة المستويات.
وقطع المكسب الكبير لسكان الأهقار الشك باليقين بخصوص التزامات الدولة في تجسيد الوعود المعلنة منذ سنوات، في سياق الاستجابة لانشغالات أهالي المنطقة، والتي تمهد لرسم أفق النهضة الاقتصادية الموعودة في ظل الثروات الهائلة التي يتوفر عليها الجنوب ككل.
الإنجاز الضخم كان بلا شك ثمرة من ثمار الزيارات المتعددة لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال عهداته، الأولى وما تبعه من زيارات بتكليفه قام بها رؤساء الحكومة وأعضاء الطاقم الحكومي، الذين لم يألوا جهدا في الاستماع لانشغالات السكان، رغم محاولات التشكيك التي لازمت جهود الدولة، في محاولات يائسة للتشويش عليها وزرع اليأس في نفوس المواطنين.
غير أن المتتبع لمنحى المجهودات المنصبة في إطار إعطاء الجنوب حقه من التنمية، مكّن من تغيير الصورة النمطية التي لطالما لازمت هذه المنطقة منذ سنوات، ويعود الفضل في ذلك إلى قرار رئيس الجمهورية بتمكين كل جهات الوطن من الاستفادة من مسار التنمية المحلية على قدر المساواة، من خلال وضع حيز التنفيذ، إعادة تفعيل صندوقي تنمية الهضاب العليا والجنوب.
وبالإضافة إلى الإنجازات ذات البعد الاجتماعي الضخمة التي مازال سكان عاصمة الأهقار ينتشون بتجسيدها على أرض الواقع، شملت المكاسب التنموية التي تعززت بها مكانة المنطقة، الإعلان عن مشروع إقامة ميناء جاف بتمنراست والذي يعد الأول من نوعه في المناطق الجنوبية ويشكل نقطة ارتكاز وعبور للقارة الإفريقية، سواء عبر الشحن الجوي أو النقل البري للسلع والبضائع، في سياق إستراتيجية تشجيع الصادرات وتكثيف المبادلات التجارية بين الجزائر والقارة الإفريقية، وذلك ضمن مشروع تجسيد منطقة للتبادل بين دول القارة.
وينتظر في هذا الإطار أن يسهم هذا المشروع بنقل وتوزيع السلع التي تنقل عن طريق البحر إلى الدول الإفريقية، وهو ما من شأنه أن يقلص الكلفة ويشجع الشركات الجزائرية للتوجه إلى الدول الإفريقية، حيث يتم تحويل تمنراست تدريجيا إلى نقطة محورية، من خلال تطوير المطار والنقل البري عبر الطريق العابر للصحراء، فضلا عن تكثيف الاتصالات عبر مشروع الألياف البصرية والمحطة الأرضية للاتصالات السلكية واللاسلكية لضمان ربط وتطوير شبكة الأنترنت، مع النيجر ومالي وتطوير الاتصالات الفضائية لفائدة الناقلين من خلال خدمات «جي بي أس»، لتسيير أمثل للشبكات وتشجيع تعميم استخدام الطاقات المتجددة والنشاط السياحي أيضا.
كما يعكس قرار اعتماد التقسيم الإداري الجديد الذي شمل منطقة الجنوب استجابة لمطالب أساسية كثيرا ما رفعها مواطنو المنطقة، الأهمية التي تمثلها هذه الأخيرة في برنامج الحكومة، وهو القرار الذي استبشر به السكان خيرا، كونه يرفع عنهم عبء التنقل المتكرر ولمسافات طويلة بين الولايات الرئيسية في الجنوب، فضلا عن أنه يسهم أكثر في تقريب الإدارة من المواطن ويسهل تسيير برامج التنمية الموجهة أساسا إلى تحسين المستوى المعيشي للسكان والتقيلص من نسبة البطالة المحلية، من خلال ضمان مرافقة الشباب في إقامة المشاريع.
فلم تتوقف مساعي الدولة من أجل الارتقاء بهذه المنطقة الغنية بثرواتها، وفق مبدأ تكافؤ الفرص عند إنجاز المرافق القاعدية فحسب، بل تعدى ذلك إلى إرساء تصورات لتطوير قطاع النسيج الصناعي والخدماتي، مما يمنح الفرصة لأبناء الجنوب في الاستثمار عبر القروض لدعم القطاع الصناعي والفلاحي والاستفادة من الموارد المائية المتوفرة، لاسيما في مجال استصلاح الأراضي وبعث القطاع في المنطقة، علاوة على إعطاء دفع لقطاع الخدمات وعلى رأسه السياحة.
كما تجلت النتائج المعتبرة في مجال الربط بشبكات الماء الشروب والتطهير والإنارة والغاز الطبيعي وإنجاز السكنات والمؤسسات الدراسية وتطوير النسيج الجامعي وتحسين هياكل الصحة العمومية.
وكثيرا ما خصت المجالس المصغرة التي عقدتها الحكومة حيزا لتنمية الموارد البشرية في ولايات الجنوب في إطار المخططات الخماسية التي تم تنفيذها وسمحت بتحقيق نتائج معتبرة في شتى الميادين، حيث ركزت على أولوية تشغيل شباب المنطقة من خلال إقامة مراكز تكوينية وفق الاختصاصات المطلوبة في القطاع الاقتصادي للمنطقة، مع إيلاء اهتمام خاص في إطار الجهود الإقليمية والجهوية لتنمية المناطق الحدودية وتأمينها من مختلف المخاطر والتهديدات..
وسايرت الحكومة كافة مطالب سكان المنطقة، بما فيها المسائل الحساسة التي أثارت الجدل على الساحة الوطنية، على غرار استغلال الغاز الصخري، حيث أفضى اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية إلى عدم إدراج هذه المسألة في الوقت الراهن، من منطلق أن الأمر لا يتعدى مرحلة دراسات لتسطير برنامج تنموي شامل للسنوات المقبلة وأن الاستغلال لن يتم إلا بعد التمكن من الوسائل التكنولوجية، التي تسمح بالحفاظ على الصحة العامة للمواطن الجزائري الذي يعتبر نواة هذه التنمية.
وينتظر أن تفتح المشاريع الطاقوية الجديدة التي تم تدشينها أول أمس، بتمنراست من طرف وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية ووزير الطاقة مصطفى قيطوني، والتي شملت محطة للطاقة الشمسية بسعة 13 ميغاواط وخط لنقل الغاز الطبيعي من تيدكلت بعين صالح إلى تمنراست بطول 530 كم، آفاقا واعدة للنشاط الاقتصادي والتنمية المحلية في منطقة الجنوب الكبير، حيث تمكّن هذه الإنجازات سكان الولاية من الاستفادة من الربط بالغاز الطبيعي ومن الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية على أوسع نطاق، مع ترقيتها لمكانة عاصمة الأهقار إلى مقام قطب اقتصادي قاري بامتياز.
وتماشيا مع حرصها الشديد على مواصلة جهود تنمية المنطقة، إلتزمت الحكومة حسبما أعلن عنه وزير الداخلية أمام سكان الولاية بإيفاد لجنة وزارية مشتركة لمتابعة التنمية والتكفل بإلانشغالات المستجدة لمواطني المنطقة.