رغم انخفاضها.. حوادث العمل لا تزال معتبرة ومكلِّفة

"كناس" يتبنّى خطة ثلاثية لمعالجة الظاهرة

"كناس" يتبنّى خطة ثلاثية لمعالجة الظاهرة
  • 2198
روبورتاج/رشيد كعبوب روبورتاج/رشيد كعبوب

تؤكد آخر إحصائيات حوادث العمل في بلادنا، أن إجراءات الوقاية وحماية العمال بدأت تأخذ طريقها نحو التطبيق بفضل "القوة الإلزامية" المتمثلة في مفتشيات العمل ومراقبي الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، التي تسلّحت بالتجهيزات التكنولوجية التي اختصرت الجهد والوقت، وحسّنت طبيعة العمل، لكن هذا لا ينفي وجود الآلاف من المؤسسات التي لا تزال تسجل بها تجاوزات، وتحايلات للإفلات من سلطة القانون، وهو ما يظهر من خلال العدد الهائل من الحوادث المميتة التي يكون ضحيتها عمالا قد يكونون غير مؤمَّنين لدى صندوق الضمان الاجتماعي، بسبب تهرّب أرباب العمل من تسديد ما عليهم من اشتراكات للتغطية الاجتماعية للعمال.

ومن خلال الإحصائيات المستقاة من المديرية العامة للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء "كناس"، فإن عدد الحوادث لا يزال معتبرا رغم انخفاضه، مما يعني ضرورة تعزيز القطاع بكافة الوسائل التحسيسية والردعية، وتوفير الإطار البشري والتقني لحماية العامل وتخفيف أعباء الصندوق، وذكرت لنا مديرة الوقاية بالمديرية العامة للصندوق فتيحة طيار، أن مؤشرات نجاح البرنامج المطبّق من طرف الصندوق بدأت تظهر، حيث انخفض حجم الحوادث بـ6.34 بالمائة، إذ بعد أن وصل عدد الحوادث في 2016 إلى 50 ألف حادث انخفض السنة الماضية إلى 48382 حادثا، وتتوقع أن تستمر هذه النسبة في النزول بفضل التوجه المدروس الذي يتبنّاه الصندوق لإنجاح العمليات الثلاث وهي  الوقاية والتحصيل والتصريح، والتي تسهم كلها في التأثير سلبيا على صحة الصندوق.

ورشات ملتزمة وأخرى تلعب بحياة العمال

لاحظنا خلال زيارتنا إلى عدة مواقع ورشات العمل بمختلف بلديات العاصمة، أن إجراءات الوقاية تطبّق بشكل شبه كامل في الورشات الكبرى المكلّفة بإنجاز المشاريع السكنية، بخاصة الأجنبية التي تقوم بإحاطة العمارات التي هي في طور الإنجاز، بسقالات وشبكات بلاستيكية تقي الأشخاص تهاوي من الطوابق، وتمنع تناثر الردوم وسقوها نحو الأسفل، منها المنتشرة بمخلتف بلديات العاصمة، مثل أولاد فايت، والخرايسية، الدويرة، برج الكيفان، برج البحري، زرالدة وغيرها، وأكد لنا أحد البنّائين العاملين بإحدى مقاولات البناء باسطاوالي، التي تقوم ببناء أبراج، أن العمل في الأعالي خطير جدا، وأن الحذر مطلوب جدا فأي إهمال سواء من طرف العامل أو رب العمل، أو أي تقصير في احترام مقاييس الوقاية تكون نتيجته كارثية، مفيدا أن الشركة تمنع أي عامل من دخول الورشة بدون بدلة العمل الكاملة، ويذكر محدثنا أن المقاولات الصغيرة التي كان يعمل بها لا تأبه بهذه الإجراءات الوقائية رغم الإجراءات العقابية.

ولا يخفى على أحد مشاهد عمال النظافة سواء في المؤسسات الولائية مثل "ناتكوم" و«إكسترانات" أو حتى عمال النظافة التابعين للبلديات الذين يشتغلون دون وسائل الحماية، فلا قفازات ولا أحذية واقية رغم أنهم يتعاملون مع نفايات تتسبب في الأمراض بشكل مباشر مثلما لاحظناه بالكاليتوس، براقي، باب الزوار برج الكيفان وغيرها، ويؤكد بعض عمال النظافة أن مسؤوليهم لا يجبرونهم  على ارتداء القفازات رغم استعمالهم للبدلات الخاصة بالعمل.   

وتعد المقاولات الصغيرة التي لا تحترم في معظمها مقاييس السلامة في أماكن العمل أكثر الأماكن التي تقع فيها حوادث العمل، مثلما لاحظنا بالعاصمة، حيث شهدنا عمالا بورشات في الجزائر الوسطى يشتغلون بدون خوذات ولا قفازات ولا حتى الأحذية الواقية رغم مخاطر  العمل، ونفس المشهد متكرر في مختلف بلديات العاصمة ومنها مشاريع البناء الفردية التي لا يلتزم فيها صاحب العمل بمقاييس السلامة. 

الحوادث المميتة في استقرار..

وإذا كان حجم الحوادث المميتة قبل 5 سنوات تجاوز الألف حادث سنويا، فإن العدد بدأ في العد التنازلي، حيث تقلص إلى النصف ابتداء من 2016 التي تم خلالها تسجيل 553 حادثا مميتا ليستقر العدد في 2017 بـ552 حادثا منها 41.5 بالمائة في قطاع البناء والأشغال العمومية وأكثرها حوادث السقوط، وأن ذلك يعود إلى إجراءات الوقاية في الميدان المتعلقة بتطبيق القوانين، كما وصل عدد المصابين بجروح في حوادث العمل دون التوقف عن العمل إلى 1822 حالة، أما الحوادث التي تتطلب توقفا عن العمل فبلغت خلال نفس السنة 5797 حادثا تشكل نسبة الرجال فيها 99 بالمائة، وتفصل محدثتنا قائلة إن أهم الحوادث تتعلق بالكسور بنسبة 19 بالمائة والجروح المفتوحة بـ 15 بالمائة.

حوادث العمل المرتفعة تساوي نفقات كبيرة

وأفادت رئيسة خلية الاستماع والإعلام، أن حجم النفقات التي يدفعها الصندوق للمستشفيات يناهز 80 مليار دينار، كل المعلومات عن حوادث العمل ترسل إلى مفتشيات العمل للتحقيق في حيثيات الحوادث وأخذ كل  المعلومات. وقد كلفت هذه الحوادث صندوق التأمينات الملايير، حيث بلغت التكلفة المالية لسنة 2017 أزيد من 26.8 مليار سنتيم، منخفضة بشكل طفيف عما كانت عليه في 2016، إذ بلغت 27.2 مليار سنتيم.عندما تلاحظ نقائص بالمؤسسات التي لا تمتثل للقوانين يقوم مراقبو الصندوق بزيارتها خاصة تلك التي سجلت بها حوادث بسبب الإهمال وعدم أخذ الاحتياطات الوقائية، ويلجأ الصندوق إلى طلب تعويضات من صاحب العمل نظير كل النفقات التي استفاد منها العامل المنتسب للصندوق.

البرنامج الجديد سيرفع الوعي الوقائي

وذكرت لنا مديرة الوقاية بالصندوق، أن أعوان المراقبة يزورون دوريا المؤسسات لتسجيل ومراقبة سير القوانين ويعاينون ظروف العمل خاصة ما تعلق بإجراءات حماية العمال، كما يقومون بزيارات تحقيق بعد تكرر حوادث العمل بأي مؤسسة، ويسهمون في توعية وتحسيس جموع العمال، والتنسيق مع لجان الوقاية بالمؤسسات لتسجيل النقائص ومدها بالنصائح اللازمة، حيث أفادت المسؤولة أن التحسيس يستهدف ثلاثة أطراف: العمال، أرباب العمل، ومتربصي مراكز التكوين المهني، وأن الصندوق يقوم منذ 2013 بحملات وطنية عبر كل الولايات توفر لها كل الوسائل ويختار في كل مرة موضوع له علاقة بأنواع المخاطر التي يتعرض لها العمال منها المخاطر الكيميائية، الأمراض المهنية، السقوط من الأعلى، وقد تم اختيار شعار حملة هذه السنة، التي تنطلق يوم 3 ماي الداخل "تجهيزات الحماية الفردية.. التزام للمستخدمين، وحق للعمال".

كما يقوم الصندوق بتزويد أرباب العمل وكذا العمال بدليل لتجنب حوادث العمل ويكون كل دليل مناسبا للتخصص، فالدليل الموجه لعمال الصحة يختلف عن الموجه لعمال البناء والأشغال العمومية..

منذ 2014 بدأ الأعوان ينظمون "وقفات للوقاية" داخل مؤسسات العمل لتذكير العمال وتنبيههم بالإجراءات الواجب اتخاذها لتفادي الحوادث، وتصحيح الوضعيات التي تؤدي إلى المهالك، ويقدم المراقب توصيات مكتوبة لرب العمل لاستدراك الأخطاء وتصحيحها مستقبلا. وتفصل السيدة طيار، أن برنامج العمل تم إعداده في 2016 وانطلق بداية 2017 يضم 3 محاور أساسية، تتعلق أولا بالتحسيس وثانيا بالتكوين وثالثا بالمنشورات البيداغوجية. وتمس الحملات التحسيسية أرباب العمل، العمال، طلبة التكوين المهني، بينما يختص المحور الثاني بتكوين أساتذة مراكز التكوين المهني في الوقاية وتوفير دليل بيداغوجي مطبوع لمتربصي مراكز التكوين المهني في كل الاختصاصات، كالكهرباء، مهن البناء والأشغال العمومية وغيرها، وأن الصندوق يقوم بإعداد كل البرامج والمنشورات بالتعاون مع عدة شركاء منها المعهد الوطني للعمل الوطني، وكذا المعهد الوطني للوقاية من المخاطر المهنية، إضافة إلى هيئة الوقاية من الأخطار المهنية في البناء والأشغال العمومية والري.