التسامح الديني والعيش معا
مفكرون ورجال دين يتحدثون لـ ”المساء”
- 1469
يحتفل العالم هذه السنة ولأول مرة، بيوم التسامح بين الأديان، وهي خطوة عملاقة تجسد على الخارطة الدولية التي يشوبها التناحر والصراع، والذي غالبا ما تتحكم فيه النزعات الدينية والثقافية، وقد كان للجزائر نصيب في هذا المسعى، حيث سبقت إلى المطالبة بإحياء هذا اليوم كي تفتح من خلاله معه الآفاق، وتسد منافذ التوتر الذي يؤلم رأس العالم بأسره باختلاف دياناته السماوية والوضعية، التعايش والحوار بين الأديان يعني صيانة كرامة وحقوق كل الأطراف، والالتزام بفكرة الحوار بين الأديان يعني أيجاد النقاط المشتركة، ومن ثمة إبراز منظومة القيم المشتركة، وعلى رأسها قيم التسامح والمحبة وضمان حقوق الإنسان وسلامته.
الدكتور بومدين بوزيد مدير الثقافة بالمجلس الإسلامي الأعلى :
المبادرة جزء من النشاط الديبلوماسي للجزائر
يرى الدكتور بوزيد أن فكرة تعايش الأديان عادة ما تطرح في المجتمعات متعددة الأديان، أما في الجزائر، فإن حرية المعتقد مكفولة في الدستور. كما أن قانون 2006 يؤكد على حرية الممارسة الدينية والشعائر، من ذلك أيضا بناء الكنائس شريطة أن يكون الأمر وفق القانون الجزائري. وعكس ما يتم ترويجه فإن الكنائس بعد عام 1962 مارست نشاطها العادي، خاصة الكاثوليكية منها، أما المعابد اليهودية فقد هجرها أصحابها بعد الاستقلال وتحولت إلى مساجد، منها معبد ”سلام” بوهران.
بعد مقتل الرهبان في العشرية السوداء، ظهرت تقارير دينية أمريكية تشير إلى أنه لا حرية دينية في الجزائر، وكان الرد الرسمي للجزائر يؤكد على محاربتها للتبشير المسيحي المتصهين، الذي ينشط في أماكن العبادة غير المرخص لها، منها الشقق والفيلات، بالتالي يخضع أصحابها للمساءلة، وكان على الجزائر تصحيح موقفها بتقرير خاص بها يعطي توضيحا عن الحريات الدينية في الجزائر، وفي هذا المسعى، أعطت الجزائر الضوء الأخضر لجهازها الديبلوماسي للاشتغال وشرح موقف الجزائر فيما يتعلق بحوار الأديان والتعايش بينها. كما يوجد مثقفون جزائريون يتحركون في هذا المجال بالخارج، منهم الدكتور مصطفى الشريف والدكتور عبد الله غلام الله الذي زار عدة دول وألقى فيها تدخلات، منها روسيا والاتحاد الأوروبي. كما يرى الدكتور بومدين بوزيد أنه على الجزائر مستقبلا أن تشتغل في هذا المجال على الجانب الديبلوماسي، مع تعزيز دور المجلس الإسلامي الأعلى ليلعب دوره، مع سن قوانين لا تسب الأديان عندنا، بما في ذلك الدين الإسلامي من باب الزجر والردع.
الدكتور عبد الجليل المجيدل من سوريا:
التعايش يعني الحرب على التطرف
أشار الدكتور المجيدل إلى أن فكرة التعايش بين الأديان السماوية والوضعية ضرورة، علما أن كل الأديان تدعو إلى المحبة والوئام ونبذ التطرف، وهي موجودة أساسا لتعزيز هذا التفاهم بين بني البشر. كما يعد الإسلام دين تسامح وتفاهم وإخاء منذ مجيئه، يحترم خصوصية وشعائر الآخر، لذلك امتنع سيدنا عمر بن الخطاب عن الصلاة في كنيسة القيامة بالقدس كي لا تتحول بعده إلى جامع، ويظهر التسامح أيضا مع سيدنا أبي بكر في وصاياه لجيشه خلال الفتوحات.
بالنسبة للتجربة السورية، يوجد فيها ـ كما يؤكد المتحدث- مجتمع متنوع إثنيا وعرقيا وثقافيا ودينيا، ولا توجد طائفة مسيحية إلا وعندها كنائس قديمة تعود إلى ما قبل 1500عام، ظلت قائمة ولم تتأثر إلا في هذه الأيام، علما أن المغول أنفسهم لم يضربوها، بل ضربها المتطرفون، خلافا لما يدعو إليه الإسلام دين المحبة والتسامح.
بالنسبة للجزائر، أشار المتحدث السوري إلى أنها تمثل القاسم المشترك بين كل العرب، نتيجة سياستها المعتدلة وانتهاجها الوسطية التي تمثل المنطق المنسجم مع روح العصر، تستوعب الجميع برؤيتها الواسعة والبعيدة.
يقول المجيدل: ”الحقيقة أن المسألة الملحة في وقتنا الراهن هي تعايش المسلمين أنفسهم داخل الدين الواحد، أكثر بكثير من البحث في مسألة تعايشهم مع الأديان الأخرى”.
الدكتور إلياس قوسيم من تونس :
ضرورة ربط الفكرة بالممارسة
يرى الدكتور إلياس قوسيم من المعهد العالي للحضارة الإسلامية بتونس، أن التعايش بين الأديان فكرة مرسخة في الأديان السماوية، والمشكل ـ حسبه- يكمن في الممارسات عند معتنقي هذه الأديان وما يشهده العالم يؤكد هذا التناقض بين الفكرة والممارسة، حيث تتفشى مظاهر التمييز العنصري بين العقائد، وتنامي الإرهاب واشتعال التصريحات الدينية بين الكنيسة والمسلمين وبين المسلمين أنفسهم وطغيان والفوز الدائم للفرقة الناجية، سيتلاشى ذلك إذا اعتمدت ثقافة التعدد التي تقبل الآخر.
استحضر المتحدث تجربة عملية أسسها النبي الكريم من خلال دستور المدينة، حيث أعطى الحقوق المدنية للمسلم ولأهل الكتاب والكافر والمنافق، كما يرى الدكتور إلياس أن هذا التعايش لا بد أن يراعى منذ الصغر عن طريق التنشئة الأسرية والمدرسية.
بالنسبة لتخصيص يوم عالمي للتسامح الديني، أكد المتحدث أنه يجب أن يتجاوز مساحة الاحتفال الشكلي، ومن ثمة لابد من تفعيله إعلاميا للتأكيد على أن التعايش مصير الكرة الأرضية كلها، وبدونه سيتفشى الصراع الفكري، ثم تشتعل الحروب لينفجر العالم، كما أنه على كل دولة أن تستغل علاقاتها الديبلوماسية والمنظمات الدولية للاشتغال على هذه المسألة.
الدكتور عمار طالبي :
من شروط التعايش الابتعاد عن الجدال الديني
يقول الدكتور عمار طالبي بأن من شروط التعايش الديني؛ الانطلاق والتحاور على الأرضية المشتركة من مبادئ التسامح والمحبة وعدم الظلم والحق.
الشيخ جلول حجيمي:
الإسلام يتعايش مع كل الأديان
أشار الشيخ حجيمي إلى أن الإسلام دين استطاع أن يتعايش مع كل الأديان، والتزم بالحق وعدم التعدي، بل عاش في كنف واحد مع الآخر وحرم نقض العهود والاعتداء، وكانت الأندلس إلى اليوم رمزا لهذا التعايش والترابط.
الدكتور نور الدين السافي من تونس
مبادرة دولية لتحقيق السلم
يرى نور الدين السافي أن الاحتفال بهذا اليوم مشروع دولي مهم لتحقيق السلم العالمي، بالتالي من واجب كل الدول الإسلامية المشاركة فيه لتقديم دور وقيم الإسلام. في المقابل، يوضح المتحدث أن التسامح يجب أن يحترم الحدود والفواصل بين الأديان والمعتقدات ولا يمس خصوصيتها، والشراكة تكون على أساس السلم الواحد للجميع، ثم قال بأنه لو استشير كمسلم لجعل يوم ميلاد النبي محمد هو يوم الاحتفال العالمي.
الدكتور خالد ياسين من كرواتيا :
الإسلام دعوة إلى التسامح
أشار الدكتور خالد ياسين إلى أنه تم بكرواتيا اختتام ملتقى السياسة والدين، ودعي إليها رجال الدين من كل الأديان، مع حضور الأكاديمية الأوروبية للعلوم والثقافة وأكاديميتي البوسنة وكرواتيا، لتقريب النظر والتأكيد بأن الدين كله لله.
بالنسبة لبلاده كرواتيا، أكد المتحدث أنها تعترف بدين الإسلام منذ 2016، وقد أقيمت احتفالية بزغرب وحضرتها الجزائر وتركيا.
يعتبر المتحدث أن الإسلام دين التسامح والموعظة الحسنة، والاحتفال بهذا اليوم العالمي له أثره الإيجابي على المجتمع الدولي، وما فيه من نزاعات مفتعلة تستهدف الاستقرار والتضييق على الشعوب، بينما عاش المتحدث مثلا في مدرسته (بيوغوسلافيا سابقا) وهو يجلس في مدرسته، إلى جنب زميله المسيحي، بالتالي يتوضح أن الدين خربته السياسة، وهنا أثنى على دور الجزائر النشط من أجل التقارب بين الشعوب والطوائف والأديان.
الدكتور مصطفى تولوس من أندونيسيا:
لا بد من الاهتمام بالإنسان قبل دينه
أشار الدكتور تولوس إلى أن إندونيسيا مهتمة بمسألة التعايش، علما أن مجتمعها متعدد يتميز بالتعايش السلمي رغم أن به 100 لغة وعادات وتقاليد مختلفة، وأضاف أننا في أشد ما نكون لمثل هذا المشروع في عالم يسوده الصراع والمصالح ويزداد فيه الفقراء واللاجئون، بالتالي لابد من الاهتمام بالإنسان قبل دينه، وكل الأديان توصي بالإنسان خيرا، بالتالي لابد من صد الانغلاق على الدين، على الرغم من أن المصالح تفرض وجهات نظر مجحفة، فتنعت الدول الكبرى الإسلام بالإرهاب.
يقول ”إذا لم يتفق رجال السياسة والدين لن نذهب بعيدا، وعلى العالم أن يرى النموذج الإندونيسي. كما أن الإسلام لم يفرض وجوده على الآخر، بل اتبع الالتزام بالحوار دون التنازل عن الهوية الدينية والوطنية”.
بالنسبة للجزائر، يرى المتحدث شعبها ذو طبيعة قابلة للتعايش، لكنه شعب يرفض الذل والاستعمار.
موسى صار مدير إذاعة القرآن الكريم ـ موريتانيا :
التسامح مطلب شرعي
أشار الأستاذ صار إلى أن الإسلام اعتنى بحق الجوار منذ قرون، وتعايش الرسول الكريم ومن بعده الخلفاء مع غيرهم ،علما أن الإسلام لم ينبذ الديانات واعتمد ”لا إكراه في الدين” ، ومع المصالح وتشابك الحياة بين الشعوب طرحت فكرة التسامح والتكامل، بشرط أن تحترم الخصوصية، وأن لا يظل المسلم محل سخرية في حملات متتالية.
الدكتور يوسف بلمهدي الأمين العام لرابطة أئمة وعلماء دول جنوب الساحل:
الجزائر نموذج لتسويق السلم والتسامح
يرى الدكتور بلمهدي أن اقتراح الجزائر بتخصيص يوم عالمي للتسامح بين الأديان والاحتفاء به ”يوم السلام والعيش معا”، مبني على الجانب التاريخي (حيث عاشت الجزائر تنوع الديانات، خاصة مع نزوح أهل الأندلس من مسلمين ومسيحيين ويهود)، فتشكلت عواصم حضرية بتلمسان وبجاية وقسنطينة وغيرها لتظهر فسيفساء متناسقة، بالتالي انعكس هذا النموذج الأندلسي على ثقافة الجزائريين، فلا عنف ولا إقصاء ولا هدم للمؤسسات الدينية، ولم يظهر هذا العنف والتطرف إلا في التسعينات، وعالجته الجزائر بمحاولة البحث عن آليات، منها مشروع الوئام الوطني والمصالحة الذي احتضنه الشعب، بالتالي فإن هذا المشروع يصلح للتقريب والمصالحة بين الشعوب لتوحيد الكلمة وجمع الصف، وأكسب ذلك الجزائر خبرة في حل الأزمات وتوطين السلم وتوطيد علاقات الجوار، ولدعم الفكرة أكثر تم اقتراح مشروع الاحتفال بهذا اليوم على منظمة الأمم المتحدة ”يوم السلام والعيش معا” واعتمد في 2017، وتمت الموافقة عليه والإعلان عنه في مطلع 2018، وهذا دليل ـ كما يضيف المتحدث - على أن العالم بحاجة إلى السلام الذي أفسده تلوث البيئة الفكرية (فكر أحادي وإقصاء)، بالتالي نحن أمة وسط وهي أقرب الناس لاحتضان هذا الفكر.
يرى المتحدث أن في تاريخ الجزائر نماذج لتسويق هذه الفكرة ونشر هذا المبدأ الديني ”التسامح”، من خلال نموذجين (يوم العلم وشهر التراث)، ويمثلهما نموذج الأمير عبد القادر الذي فهم الدين فحارب الاستعمار، لكنه في المقابل، أسس قانونا إنسانيا يتغنى به العالم اليوم بشهادة خبراء العالم، خاصة مع حادثة إنقاذ مسيحي دمشق. والنموذج الثاني هو ابن باديس الذي مارس بهذا الفقه الوسطي حماية الأقليات ومنع الاعتداء على المخالفين في الدين.