رغم التعليمات والإمكانيات المسخّرة لهذا الغرض
بلديات العاصمة تغرق في النفايات

- 3895

تعرف عدة بلديات بالعاصمة انتشارا فظيعا للنفايات التي أصبحت ديكور يميز الأحياء وحتى الشوارع الرئيسة في عز فصل الحر حيث تكثر الحشرات الضارة، كالبعوض بمختلف أنواعه وما يشكله من أضرار على صحة المواطنين رغم الانتقادات والتعليمات الصارمة التي سبق لوالي الولاية عبد القادر زوخ، أن وجّهها للمنتخبين والمسؤولين المحليين، حيث دعاهم إلى الحفاظ على المحيط وتوفير إطار معيشي مناسب للمواطنين، من خلال الخروج إلى الميدان وتوفير كل الإمكانيات المادية والبشرية للتكفل بملف النفايات وإعطاء الوجه اللائق للعاصمة.
لم تعد أكوام النفايات المتراكمة تقتصر على بعض الأحياء والمسالك الفرعية بالبلديات، بل أصبحت ديكور يميز الأحياء الكبرى والشوارع الرئيسة التي يعبرها السكان والزوار من الوطن وخارجه، في صورة تعكس مدى تدني الوضع البيئي بالعاصمة، التي تسعى السلطات لجعلها في مصاف عواصم العالم، حيث يظهر جليا إهمال هذا الجانب من قبل السلطات المحلية ومنتخبي بعض البلديات الذين تنصلوا من مسؤوليتهم تجاه هذا الملف الحساس، متواطئين مع لا مبالاة المواطنين الذين لا يعيرون أدنى اهتمام لنظافة محيطهم رغم خطورة ذلك على صحتهم، إذ تركز العائلات الجزائرية ومنها أغلب سكان العاصمة، على النظافة داخل البيت وإهمال ما يوجد خارجه، من خلال التخلص من القمامة في أي وقت وأحيانا بأي طريقة، ما صعّب المهمة على أعوان النظافة.
تعليمات زوخ في مهب الريح
تعكس صورة النفايات المنتشرة بقوة في بعض البلديات، غياب الحس المدني عن المواطنين، وعدم أخذ تعليمات والي ولاية الجزائر بجدية من قبل المنتخبين وعلى رأسهم ”الأميار”، الذين تعاقبوا على تسيير الشؤون المحلية، منهم بعض رؤساء البلديات الذين لم يولوا أي أهمية لملف البيئة ونظافة المحيط، من خلال السعي لتوفير مزيد من الحاويات بالأحياء، والتنسيق مع مؤسسات النظافة الولائية، من أجل رفع النفايات وتنظيف بعض الأماكن التي تحولت إلى نقاط سوداء، ما نسف مجهودات الولاية وعلى رأسها الوالي زوخ، الذي أعطى خلال توليه تسيير شؤون العاصمة في 2013، أهمية قصوى للنظافة، ونظم خرجات ميدانية للاطلاع على الوضع والقضاء على النقاط السوداء في عدة بلديات، وتعهّد باسترجاع بريق العاصمة بيئيا وعمرانيا، خاصة أنها تُعتبر واجهة الجزائر بأكملها، وتضم مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية المركزية، وهو ما لم تلتزم به العديد من البلديات، التي تحولت أغلب أحيائها إلى شبه مفارغ عمومية، حيث يقف المتجول في العديد من أحياء العاصمة على وضعية كارثية للبيئة بفعل انتشار النفايات هنا وهناك، وهي الآن مصدر خطر حقيقي يهدد صحة المواطن.
«تدهور بيئي فظيع في حسين داي”
وحسب ما وقفنا عليه على مستوى بعض البلديات فإن الأمر يبعث على الاشمئزاز بسبب كمية النفايات المبعثرة بالأرصفة والطرقات الرئيسة التي يعبرها سكان العاصمة والزوار، الذين يزداد عددهم في موسم الاصطياف، الذي يتطلب توفير محيط مناسب وإعطاء صورة مشرفة لهؤلاء، والدليل بلدية حسين داي التي تدهورت بشكل ملفت للانتباه، حيث النفايات منتشرة بالأحياء الفرعية والرئيسة، على غرار بوجمعة مغني ومحمد بن سنوسي وشارع طرابلس الذي يعطي صورة سيئة جدا عن هذه المدينة التي يمر بها الكثير من المواطنين، خاصة أن القمامة مبعثرة بحواف طريق الترامواي وفوق أرصفة شارع بوجمعة موغني، ما أدى إلى انتشار الحشرات الضارة، منها الباعوض النمر الذي يشتكي منه بعض السكان، معبرين عن مخاوفهم من الأمراض التي قد تصيبهم، مطالبين بضرورة تنظيف المحيط للحد من مخاطر هذه الحشرات، وتوفير مزيد من الحاويات ببعض الأحياء، بينما أرجع رئيس البلدية بن عيدة عبد القادر في تصريح لـ ”المساء”، هذا الوضع إلى تهاون المواطنين واعتنائهم بالنظافة داخل منازلهم، وعدم احترامهم أوقات رمي نفاياتهم رغم المجهودات التي يقوم بها أعوان النظافة.
«مظاهر لا تعكس مجهودات عمال النظافة”
من جهتها تعرف بلديات أخرى نفس الديكور، على غرار بلدية برج الكيفان، خاصة على مستوى الواجهة البحرية بوسط المدينة، التي تنتشر بها القمامة بشكل ملفت للانتباه رغم استقبال المنطقة الساحلية زوارا من مختلف بلديات العاصمة وحتى من ولايات الوطن وخارجه، لقضاء العطلة الصيفية، واستهلاك المثلجات التي تعرضها العديد من المحلات، حيث يُفترض أن تتوفر كل شروط النظافة والراحة للضيوف، وإعطاؤهم نظرة جميلة عن هذه البلدية الساحلية، التي يعرف رئيس بلديتها قدور حداد خباياها، إذ كان رئيسا للجنة الشؤون الاجتماعية قبل أن يتولى تسيير شؤونها عهدتين متتاليتين.
ولا يقتصر الأمر على بلدية برج الكيفان، بل تشهد باب الزوار هي الأخرى نقصا في النظافة ببعض الأحياء، خاصة التي تضم أسواقا جوارية على غرار حي 5 جويلية والجرف وإسماعيل يفصح، والتي اشتكى بعض سكانها لـ ”المساء”، من تدهور الوضع البيئي خلال الفترة الأخيرة، نتيجة الرمي العشوائي الذي يُنسف يوميا، ما يقوم به عمال النظافة من مجهودات جبارة في هذا الموسم الحار، من خلال تنظيف أزقة الأحياء وشوارع المدينة كل يوم من النفايات المرمية عشوائيا على الأرصفة، مطالبين جميع سكان بلدية باب الزوار بمد يد العون لأعوان النظافة بعدم رمي النفايات إلا في الأماكن المخصصة لها، بينما قررت رئيسة البلدية القيام بحملة نظافة بكل الأحياء، لتوفير الإطار المعيشي المناسب للسكان.
الردع هو الحل..
كما تتكرر نفس المظاهر بباب الوادي، التي تنتشر بها النفايات بشكل ملفت للانتباه بسبب الباعة غير الرسميين الذين لا يتوانون في التخلص من نفاياتهم بشكل فوضوي في آخر النهار، والعديد من المواطنين الذين يتعمدون رمي نفاياتهم خارج التوقيت المحدد لذلك، أو رميها بدون تجميعها في أكياس بشكل محكم رغم أنهم المتضرر الأول من هذه التصرفات، التي أدت إلى انتشار البعوض والقوارض وغيرها من الحشرات التي تجد ضالتها في مثل هذا المحيط، الذي أصبح سمة أغلب البلديات، على غرار باش جراح وبوزريعة وحتى بعض الأماكن بالمدينة الجديدة سيدي عبد الله، التي أشار بعض الذين استفادوا من سكنات بها، أشاروا لـ ”المساء”، إلى التصرفات غير الحضارية التي يقوم بها بعض المواطنين، الذين يرمون القمامة بشكل فوضوي ويبعثرونها على الأرض. وفي الوقت الذي يتبرأ رؤساء البلديات من مسؤوليتهم ويحمّلون ما تعاني منه الأحياء من انتشار النفايات وغياب النظافة المواطنين، إلا أن الكثير من ”الأميار” السابقين والحاليين فشلوا في تسيير ملف النظافة رغم أن الجهات الوصية وفّرت جميع الإمكانيات التي تتيح لهم العناية بالجانب البيئي، وتوفير فضاء نظيف لمواطنيهم، حيث تنتشر النفايات بالأحياء القريبة من مقر البلديات بسبب التهاون من جهة، وغياب الردع الذي اعتبره الكثيرون الوسيلة الوحيدة التي تعيد للأحياء نظافتها، إذ سبق لبعض البلديات أن حذّرت من فرض مبالغ مالية على كل من يتجرأ على الرمي العشوائي غير أنه لم يطبَّق في الواقع. كما اعتبر رئيس بلدية الجزائر الوسطى عبد الحكيم بطاش، عودة شرطة العمران الحل للقضاء على المظاهر السلبية التي تسيء للعاصمة، كون العديد من البلديات لم تتمكن من التحكم في هذا المشكل الذي وصفه زوخ في خرجاته السابقة، بغير المقبول، وحمّل مسؤولية النظافة رؤساء البلديات، الذين يتعين عليهم متابعة ومراقبة عمليات جمع النفايات، خاصة أن إمكانيات ضخمة وُضعت في متناولهم.