الأمين الوطني لمنظمة المجاهدين، عبد الواحد بوجابر لـ "المساء":

محاربة ممجّدي الاستعمار تتم بكتابة التاريخ

محاربة ممجّدي الاستعمار تتم بكتابة التاريخ
الأمين الوطني لمنظمة المجاهدين، عبد الواحد بوجابر  ت: شريفة عابد
  • القراءات: 1258
 حاورته: شريفة عابد   حاورته: شريفة عابد

أكد الأمين الوطني المكلف بالولاية الأولى "الأوراس" بالمنظمة الوطنية للمجاهدين المجاهد عبد الواحد بوجابر، أن مؤتمر الصومام كان منعرجا حاسما للدفع بالثورة الجزائرية نحو الاستقلال. واعتبر، في المقابل، "كتابة التاريخ لاتزال غير متكفل بها بالشكل اللازم"، مشيرا إلى أن "رصيدا ثمينا من تاريخ الثورة يضيع في كل مرة يرحل فيها عنا أحد رموزها وصانعيها والشاهدين على أحداثها البارزة". ودعا، بالمناسبة، وزارة المجاهدين إلى القيام بجهود أكبر في هذا المجال، مجددا، من جانب آخر، التزام المنظمة بمحاربة "الدعوات التي يتم إطلاقها من حين إلى آخر لعودة الأقدام السوداء".

تحيي الجزائر اليوم الذكرى المزدوجة لـ 20 اوت، كيف ترى نتائج مؤتمر الصومام وماهو تقييمك لها ؟

وثيقة مؤتمر الصومام سطرت النهج والاستراتجية الخاصة بالاستقلال وكيفية تسريع تحقيقه، لاسيما من خلال تقسيم الولايات والمناطق وتحديد الرتب العسكرية والمسؤوليات والمهام.

وقد سهّل هذا التقسيم عملية التغطية والتأطير والتمويل، غير أن من النقائص التي سُجلت أنه لم يعط أهمية كبيرة للإسلام كدين الدولة الجزائرية، وتم تدارك هذا الأمر في القاهرة بإعادة تصحيحه على ضوء  بيان أول نوفمبر.

ما رأيك في من يدافع عن فكرة عودة الأقدام السوداء إلى الجزائر؟

نحن نرفض مثل هذه التصريحات ولا نسمح بتكرارها أبدا في المستقبل، بل سنقف بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه الترويج لمثل هكذا أفكار في صفوف جيل الاستقلال، الذي لا يعرف ما سببته فرنسا للجزائر من ويلات. ولهؤلاء أقول مادمنا أحياء سنكافح، ومن بعدنا الأجيال التي ستعقبنا. الأقدام السوداء كانت ضالعة في كثير من المجازر التي شهدتها الجزائر، إذ الكثير منهم كانوا أعضاء في المنظمة السرية الإرهابية "OAS" التي رفضت الالتزام باتفاقيات إيفيان وفكرة استقلال الجزائر، لهذا لن نسمح بعودتهم. وقد اقترن اسم الأقدام السوداء بالكثير من التفجيرات والعمليات الإرهابية التي قاموا بها في العاصمة، خاصة تفجير المكتبة الوطنية وتفجيرات مماثلة نفذوها بوهران وقسنطينة، وحرق المكتبة الجامعية.

ما هي المواقف التي استفزتك كمجاهد؟

ما يستفزني هو محاولات البعض تمجيد الاستعمار بشكل أو بآخر، ومن بينهم أحد المسؤولين الذي تبجح ذات يوم وقال "بوقاحة"، إن "جيش التحرير هو سليل الجيش الفرنسي"! وقد انتقدتُ تصريحاته ووبخته رغم المنصب الذي كان يشغله، فنحن المجاهدون واعون بمثل هذه التصريحات ومدلولاتها والغرض من ورائها، ولذلك لن نسمح بها مهما كلّفنا ذلك.

مسؤولون فرنسيون يطالبون بعودة الحركى والأقدام السوداء إلى الجزائر تحت غطاء المصالحة التاريخية، ما رأيك في ذلك؟

برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي في حكومة فرانسوا فيون، قال ذات مرة إن المشكل القائم بين فرنسا والجزائر يكمن في وجود جيل المجاهدين، وأنه برحيلهم ستكون العلاقات بين البلدين مستقرة وجيدة. وأنا أقول هنا إنه عندما دخلت فرنسا إلى الجزائر في سنة 1830 لم يتخلّ الجزائريون عن المقاومة عبر معارك عديدة، ورفضوا على مر السنين كل ما يرمز للاستعمار. وأجدد التأكيد أن الحركى غير مرحب بهم في الجزائر، وحتى بعد رحيل المجاهدين هناك جيل يتسلم المشعل ويواصل المسيرة.

هل كتابة تاريخ الجزائر متكفل بها اليوم كما يجب ؟

لا، التاريخ غير متكفل به بالشكل المطلوب، والكثير من المجاهدين يرحلون الواحد تلو الآخر، ويأخذون معهم جزءا هاما من تاريخ الثورة، وهذا رصيد ثمين يضيع من تاريخنا. فمن المفروض أن تقوم وزارة المجاهدين بتجنيد بعثات إلى المداشر والقرى والمناطق التي يوجد بها مجاهدون ومن عايشوا الثورة التحريرية من أجل الأخذ بشهاداتهم وكتابتها، خاصة أن تقدم المجاهدين في السن يضيع معه شهادات حية قيّمة. وضمن هذا المسعى أنا أقوم شخصيا بطبع الكتب على حسابي، وتوزيعها مجانا على القراء؛ لمحاولة نقل ما عايشتُه خلال الثورة.

المساء: منذ أيام غادرنا أحد رفقائك في السلاح، عضو مجلس الثورة محمد الصالح يحياوي، ماهي أهم المحطات التي ميزت علاقتك به؟

لقد كان أول لقاء بيني وبين محمد الصالح يحياوي بولاية خنشلة سنة 1962، عندما دخلت مع جيش الحدود من شرق البلاد، وكان حينها جريحا وجسده مدجج بحوالي 30 رصاصة، وانتقلنا مع بقية  المجاهدين إلى الولاية الأولى (باتنة)، التي كان يشرف عليها الطاهر زبيري آنذاك، حيث حضّرنا اجتماعا ضم كلا من الرئيس هواري بومدين، صالح السوفي وثلة من خيرة الرجال. وواصلنا الاحتفال بالاستقلال بولاية سطيف، ثم حططنا الرحال بساحة الشهداء بالعاصمة، من أجل الاحتفال بالاستقلال، وقد عُين محمد الصالح يحياوي قائدا للناحية العسكرية الثالثة ببشار، وهناك اشتغلت معه حوالي ثلاث سنوات كاملة، ورأيت فيه الوطنية والإخلاص وحب الوطن والتضحية، وهو أحد مؤسسي الدولة الجزائرية. كان يتعامل مع الفريق الذي يشرف عليه بحكمة وسلاسة وبدون تعصب، مثلما كان يعامل رفاقه في السلاح.

يقال إن محمد الصالح يحياوي ساهم في تكوين إطارات الجيش بعد الاستقلال، هل لك أن تشرح لنا ذلك؟   

نعم بالفعل، فقد ترك محمد الصالح يحياوي بصماته بالكلية الحربية لشرشال أكثر من أي قائد عسكري آخر، ودشن ذلك عندما عيّنه الرئيس هواري بومدين قائدا للأكاديمية العسكرية سنة واحدة بعد وفاة العقيد عباس، وقد ترك بصماته في إدارة شؤون الكلية الحربية وتطويرها. كما يعود الفضل لمحمد الصالح يحياوي في تشكيل الكتيبة رقم 47، التي كونت ما يُعرف بالحرس الجمهوري، والتي كان لي الشرف أن أكون ضمن فريقها. ومما أذكره أن الرئيس هواري بومدين كان لا يُشعرنا بأي فرق اجتماعي بيننا وبينه، والدليل أننا كنا نأكل معه من نفس القدر وجبات بسيطة.

ماهو دور محمد الصالح يحياوي في اختيار خليفة الرئيس الراحل هواري بومدين؟

حسب الرواية التي سمعتها شخصيا من محمد الصالح يحياوي، فان  مدير المخابرات الجزائرية في عهد الرئيس هواري بومدين، المرحوم قاصدي مرباح، كان يفضل وضع عضو مجلس الثورة الشاذلي بن جديد في منصب الرئاسة من بين الأسماء المطروحة أو رابح بيطاط، حدث ذلك في الوقت الذي كانت فيه الأنظار متجهة نحو  محمد الصالح يحياوي وعبد العزيز بوتفليقة، لتولي المنصب.

ويروي يحياوي أنه طرح على الشاذلي بن جديد ترشيح رابح بيطاط لأنه عضو في مجموعة الـ22 وشخصية تاريخية معروفة، فأشار له الشاذلي إلى عدم إمكانية حدوث ذلك لأن القانون لا يسمح، فرد يحياوي أن القانون ليس قرآنا ويمكن تغييره لتمكين بيطاط من الحكم، فاتفق الرجلان على ذلك.

كما كان قاصدي مرباح آنذاك يفضل الشاذلي بن جديد، وفي النهاية  تم الاتفاق على ترشيح الشاذلي رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس الراحل هواري بومدين، وبعدها أبلغ الشاذلي يحياوي بالقرار الذي التزم به هو الآخر.

الرئيس هواري بومدين كان يعتمد على محمد الصالح يحياوي في تنظيم أمور حزب جبهة التحرير الوطني، كيف ذلك؟

نعم، الفضل في تنظيم الحزب يرجع إلى الجهود التي قام بها محمد الصالح يحياوي، حيث أوكلت له مهمة التنظيم الحزبي على المستوى الوطني وتنظيم المؤتمر الرابع للحزب، وتم تعيينه سنة 1977 مسؤولا عن الجهاز التنفيذي لحزب جبهة التحرير الوطني؛ استعدادا للمؤتمر الرابع، فيما أصبح بعد المؤتمر عضوا في المكتب السياسي، ما جعل كبار المسؤولين في الدولة يلمسون مهاراته وقدراته في التسيير، وجعله يبرز أكثر بعد وفاة الرئيس هواري بومدين.