إقبال واسع على الخلطات الخاصة
التوابل العطرية لتنكيه أطباق العيد
- 4732
تبدع النساء خلال المناسبات الدينية في تحضير الأطباق التقليدية التي تتفنّن فيها بكل حبّ وعناية لإسعاد أفراد أسرهن، حيث تجدهن يخترن أجود المواد الغذائية لتحضير أشهى الأطباق وما يزيد من لذتها لمسة التوابل التي تضفيها على الوصفات التي تختلف باختلاف نوع الطبق، وهو التقليد الذي ينعش سوق التوابل في كل مرة يحل فيها عيد الأضحى المبارك أو رمضان.
تستمتع عاشقات الطبخ بسوق التوابل كاستمتاع الطفل بلعبته الصغيرة، إذ يعتبرن كل تابل بمثابة اللمسة السحرية التي تغير من مذاق الوصفة، ”فقرصة” واحدة من تابل معين قد تشكل الفرق وتعطي نكهة خاصة للطبق، تنتقل من خلاله ”الشيف” بين ربوع الوطن، وحتى العالم بفضل تلك التوابل ”الغريبة” التي تعطر مطبخنا منها الشهيرة التي تستعملها مختلف البلدان والتي وصلتنا بفضل التفتح على السوق العالمية.
في جولة قادت ”المساء” إلى سوق ”علي ملاح” بالعاصمة، أحد أشهر أسواق الخضر والفواكه، وأقدمها، اقتربنا من محل محمد المختص في بيع التوابل بأنواعها، رحبت بنا النكهات والروائح الزكية المختلفة التي تفوح من مئات أصناف التوابل.
فبمجرد الوقوف عند مدخل محل البهارات تتسارع إلى أنفك تشكيلة زكية من الروائح على غرار الزعفران، الفلفل الأسود، الهيل والكروية وغيرها من التوابل التي تشكل تمازجا يتيح لك فرصة التنقل بين حضارات الدول التي قدمت منها، لتجسد في ذهنك التراث المشبع بالأصالة والذوق من الهند إلى المغرب ثم تركيا وصولا إلى دول أمريكا اللاتينية.
لم يكن محمد مجرد بائع لتلك التوابل وإنما من حديثه تبين لنا اختصاصه في المجال، واطلاعه الواسع على هذا العالم المرتبط مباشرة بالمطبخ، الذي لم يعد حكرا على النساء كما كان الاعتقاد سائدا سابقا.
حدثنا محمد قائلا أن سوق التوابل ينتعش مع كل مناسبة دينية، ولاسيما شهر رمضان الكريم وعيد الأضحى المبارك، وهما العيدان اللذان تنتظرهما النساء بفارغ الصبر وتستعدن لاقتناء مستلزمات المطبخ وكذا مختلف المنتجات الغذائية، إذ تعتبرن هاتين المناسبتين فرصة للإبداع في المطبخ وتحضير أشهى الوصفات.
ويضيف البائع قائلا أنّ عيد الأضحى المبارك يبقى من المناسبات التي يتم تحضير فيها أشهى الوصفات التقليدية، لاسيما بوزلوف، الدوارة، الشخشوخة، الكسكسي، وغيرها من الأطباق الغنية، التي لا تكتمل لذتها إلا بإضافة التوابل الخاصة بها عند تحضيرها.
يقول محمد ”الجديد في عالم التوابل والنكهات، هي الخلطات المحضرة والخاصة بكل طبق” وهي الوصفات التي يقوم بخلطها وفق الأصول والعادات، بكميات مدروسة ومعينة، على غرار خلطة خاصة بالدجاج، المعكرونة، البيتزا، السلطة، السمك، والبطاطس المقلية.. فضلا عن خلطات أخرى خاصة بوصفات تقليدية جزائرية، كخلطة بوزلوف، الدوارة، المرق الأبيض، المرق الأحمر، الدولمة، الكسكسي، الحريرة، الشوربة... وغيرها من الأطباق التي ما إن تطلب تابلا خاصا بها إلا وأجابك صاحب المحل بنعم، أو سرعان ما يقترح عليك تحضيرها في الحين.
يضيف المختص في تحضير التوابل ”الجدير بالذكر أن أكثر المقبلين على هذا النوع من الخلطات، هن النساء العاملات، أو حديثات الزواج، واللواتي يجهلن أحيانا أنواع التوابل التي تنكه طبقا معينا، كما أن أخريات يجدن تلك الخلطات عملية باستعمالها مباشرة لخلطة محددة يأخذ منها ملعقة واحدة أو الكمية المطلوبة دون عناء تكرار العملية مع العديد من التوابل، كما أن في تخزينها تحتاج إلى علبة واحدة وليس مجموعة من العلب”.
ومن الخلطات التي يكثر عليها الطلب خلال عيد الأضحى المبارك الكمون، الكروية، الفلفل الأسود، العكري، والزنجبيل، فضلا على الخلطات المحضرة مسبقا مثل خلطة بوزلوف، الدوارة، الكبدة المشرملة وهي الأطباق التي تحضر خلال اليومين الأول والثاني من عيد الأضحى.
وعن طريقة تحضيرها، يقول محمد، ”اختار أجود الأنواع من التوابل الطازجة والمتوفرة في السوق والتي تكون على شكل حب أي بذور وجذور، ثم أغسلها وأجففها جيدا ثم أحمصها، وفي هذه المرحلة أقوم بعملية الخلط، التي تكون وفق معايير محددة، أي حتى لا يطغي تابل على آخر، وحتى تكون النكهة متوازنة لطبق معين، لأن لكل تابل ميزته الخاصة سواء نكهة مرة، حلوة، حارة، ذات حموضة وهنا أستعين في ذلك بخبرة كبيرات السن، وكذا بالبحث والمطالعة واستعمل بعناية كل التوابل اللازمة في تحضيرها واللمسة الأخيرة التي تبقى لكل خلطة هي إضافة الفلفل الحار، وهذا يكون حسب تفضيل الزبون وتتم هذه العملية في الدقيقة التي يقتني فيها الزبون الخلطة، إذ في الغالب تلك الخلطات لا تكون حارة لأن البعض لا يحبون النكهات الحارة”.
وعن طريقة حفظ التوابل، ينصح محمد بحفظها داخل الثلاجة، إذ أن الحرارة والرطوبة داخل المطبخ تجعل التابل يفقد نكهته وهذا ما نطلق عليه وصفة ”تابل بارد” أي فقد رائحته وكذا طعمه، ويشير إلى أنه من المهم معرفة فترة صلاحية التابل، إذ أنه بعد فترة يصبح غير صالح للاستهلاك، ولابد من رميه، لأن استعماله بعد تلفه يحول طعم الوصفة ويعطي مذاقا مرا، وبعض التوابل تصبح بمثابة ”السم” التي لا يصلح بتاتا استعمالها لأنها تكون مضرة للصحة، ومن أكثر التوابل حساسية والتي سرعان ما تفقد نكهتها عند تعرضها لعوامل خارجية، هي الفلفل الأبيض، الكروية وجوزة الطيب، ومن المستحب يقول محمد، اقتناء التوابل على شكلها ”حبات” لتقوم ربة البيت بعملية طحنها بعد غسلها جيدا وتجفيفها.
❊ نور الهدى بوطيبة