قلاع الوسطية والاعتدال الديني بأدرار
مساهمة زوايا توات في إشاعة قيم العيش المشترك
- 1327
يشتهر إقليم توات بولاية أدرار بانتشار الزوايا والمدارس القرآنية التي تتبنى منهج الوسطية والاعتدال المستوحى من المرجعية الدينية الوطنية، ولا زالت تضطلع إلى غاية الآن بأداء رسالتها الدينية، من بينها تلقين علوم القرآن الكريم والشريعة الإسلامية، مما جعلها منابر لنشر الدين الإسلامي وإشاعة قيم العيش المشترك والسلم الاجتماعي.
وهو ما أوضحه عضو المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ عبد الكريم الدباغي في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية (واج)، حيث قال إن الخصوصية التي تتميز بها تلك الزوايا كان لها أثر كبير في إرساء منظومة اجتماعية متماسكة ومنسجمة والتي بنيت أسسها على قيم السلف الصالح في التسامح والتآلف والاستقرار الاجتماعي والعيش المشترك وذلك ما يتجلى في عديد المميزات الاجتماعية السائدة في المنطقة.
وأبرز في هذا الشأن دور بعض مشايخ وعلماء المنطقة وفي مقدمتهم الشيخ العلامة الراحل سيدي محمد بلكبير الذي تتلمذ على يده والذين ساهموا بشكل كبير في تكريس النهج الوسطي المعتدل في ظل الهدي القرآني والنبوي وتلقين معانيه ومفاهيمه الصحيحة التي تنظم حياة الفرد والمتجمع وفق نظام متناسق بعيدا عن التطرف والغلو والعنف.
وتمكنت منطقة توات بفضل هذه الخصائص الدينية والمؤسسات الاجتماعية والروحية من النأي بمجتمعها عن كل أشكال العنف والاختلافات الذي كانت قد سادت بعض المناطق الأخرى من الوطن في بعض الحقب التاريخية المظلمة، يضيف المتحدث الذي أبرز أهمية إعادة بعث دور الزوايا للقيام بمهامها الاجتماعية كمراكز روحية محورية في المجتمع.
وأشار الشيخ الدباغي وهو أيضا إمام مسجد علي بن أبي طالب برقان بجنوب أدرار أن الزوايا بمنطقة توات لا تعد استثناء بين نسيج الزوايا والمدارس القرآنية عبر ربوع الجزائر والتي كان لها دورا جبّارا في الحفاظ على الوطن ومرجعيته الروحية أمام أعتى قوة استعمارية جثمت على ترابه لفترة تجاوزت قرنا من الزمن.
وأشاد بالمناسبة بمبادرة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة المتمثلة في قانون السلم المدني والمصالحة الوطنية التي تعتمد على قيم العيش المشترك بسلام وتعد كما أضاف تثمينا لدور الجزائر ورموزها ورسالتها المشرفة إلى العالم أجمع في تحقيق السلام ورفض كل أشكال العنف والتطرف وإقصاء الآخر.
من جانبهم، أوضح القائمون على شؤون زاوية الشيخ الراحل مولاي التهامي غيتاوي بأدرار أن هذه الأخيرة سجلت بدورها بصمات "لامعة" من خلال جهودها الدؤوبة في تكريس قيم العيش في سلام بين أفراد المجتمع محليا ووطنيا وحتى إقليميا.
ودأبت المدرسة القرآنية التابعة للزاوية على استقبال صغار طلبة العلم من المنطقة ومن بلدان الساحل الإفريقي لتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف المبني على نهج الوسطية والاعتدال وتنشئتهم على نبذ التطرف والغلو والعنف، إلى جانب التأسيس لملتقى وطني سنوي حول السيرة النبوية تزامنا مع الاحتفالات السنوية بالمولد النبوي الشريف والذي كانت قد خصصت طبعته الأولى لموضوع "ثقافة التسامح في الإسلام".
أما فيما يتعلق بالجهود الإصلاحية لهذه الزاوية، فقد ترأس الشيخ الراحل مولاي التهامي غيتاوي حملة الاستفتاء الذي كان قد أطلقه الرئيس بوتفليقة لإحلال المصالحة الوطنية والوئام المدني، حيث تم تكليفه بجهة الجنوب الغربي للوطن.
ولم تشكل الزاوية البكرية بتمنطيط والتي تعد واحدة من أقدم زاويا إقليم توات لمؤسسها الشيخ سيدي أحمد ديدي، استثناء للنهج الذي سلكته مختلف الزوايا بالمنطقة مما جعلها تحظى بمكانة روحية وقدسية في أوساط المجتمع المحلي، بل وحتى في أوساط القبائل والقوافل التي كانت تعبر إلى الصحراء الإفريقية.
وذاع صيت الزاوية في أصقاع الساحل الإفريقي وبلدان المغرب العربي منذ تأسيسها في القرن الخامس عشر ميلادي وكانت منبعا لنشر قيم التعايش بين مختلف الثقافات وأيضا مقصدا في التقاضي لحل النزاعات ومعرفة أحكام الشريعة الإسلامية في مختلف المعاملات، مما ساهم تعزيز الاستقرار بالمنطقة وتكريس التعايش بين أفراد المجتمع.
ولا تزال الزاوية البكرية تواصل جهودها الإصلاحية بالمنطقة من خلال تعليم مبادئ الدين الإسلامي السمح وترسيخ نهج الوسطية والاعتدال وتكريس ثقافة المحبة والتآخي وحب الوطن وتثمين الأمن الذي تنعم به البلاد، كما أشار إليه أحد أبناء الزاوية البكرية الأستاذ البكري بكري.