فيضانات خاطفة، جفاف وغرق مدن
حروب المناخ... بداية بلا نهاية
- 4866
كانت الصور الصادمة التي صنعها شباب في إحدى شوارع الجزائر العاصمة، مطلع شهر أكتوبر المنصرم، وهم يقفزون من أعلى حافلة للنقل الجماعي، للسباحة في برك الماء التي خلفتها الأمطار الغزيرة، من أقوى وأكثر المشاهد التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أغربها آنذاك.
لقد عاش سكان العاصمة خلال تلك الليلة، أجواء مناخية مجنونة، كان واضحا لخبراء البيئة أن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في دقائق معدودات وتسببت في غرق أجزاء من المناطق السفلى للعاصمة، مظهر من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة التي أصبح يعيشها العالم.
لم يكن هذا السيناريو الوحيد الذي حدث هذا العام، بل سبقته الكثير من الفيضانات التي تجاوز عددها الخمسين، طالت الكثير من مناطق الوطن.
كانت الصور الصادمة التي صنعها شباب في إحدى شوارع الجزائر العاصمة، مطلع شهر أكتوبر المنصرم، وهم يقفزون من أعلى حافلة للنقل الجماعي، للسباحة في برك الماء التي خلفتها الأمطار الغزيرة، من أقوى وأكثر المشاهد التي تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أغربها آنذاك.
لقد عاش سكان العاصمة خلال تلك الليلة، أجواء مناخية مجنونة، كان واضحا لخبراء البيئة أن الأمطار الغزيرة التي تهاطلت في دقائق معدودات وتسببت في غرق أجزاء من المناطق السفلى للعاصمة، مظهر من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة التي أصبح يعيشها العالم.
لم يكن هذا السيناريو الوحيد الذي حدث هذا العام، بل سبقته الكثير من الفيضانات التي تجاوز عددها الخمسين، طالت الكثير من مناطق الوطن.
أما عن الحصيلة، فقد عرفت وفاة 20 شخصا، إلى جانب خسائر مادية قدرت بحوالي 300مليون دولار، فضلا عن الأضرار المعنوية التي لحقت بالمتضررين، وهي حصيلة تبدو ثقيلة جدا وتدعو إلى القلق، خاصة أن المشهد مرشح للتكرار كل سنة.
في الوقت الذي وجه المواطنون المتضررون سهام انتقاداتهم للحكومة، حمّل بعض الوزراء السكان مسؤولية ذلك. كما طالت الاتهامات مصالح الديوان الوطني للأرصاد الجوية، حيث حملها المندوب الوطني المكلف بإدارة الكوارث الطبيعية في وزارة الداخلية جزءا من المسؤولية، لأنها فشلت ـحسبه- في التنبؤ بما سيحدث، بالتالي تقديم نشرات جوية دقيقة.
ما عشناه لم يكن سوى مظهرا من مظاهر التغيرات المناخية المتطرفة، وعلينا من الآن فصاعدا، توقع مثل هذه الظواهر المتطرفة والعنيفة والتأقلم معها، يؤكد المدير العام للوكالة الوطنية للتغيّرات المناخية، نور الدين بوقادوم لـ«المساء”، الذي قال ”التغيرات المناخية في العالم تسببت خلال الـ30 سنة المنصرمة في تزايد عدد الكوارث الطبيعية بأربعة أضعاف تقريبا، مقارنة بذي قبل، وقد خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، وإذا لم نتحرك بسرعة، فإن الحصيلة في المستقبل ستكون أثقل، لأن السيناريو مرشح للتكرار، وربما بدرجات أشد، وأسوأ ما في الأمر أنه علميا لا يمكننا التنبؤ بهذه الظواهر بدقة”.
فيضانات تعقبها فترات جفاف طويلة، ماذا يحدث؟
لم تكن الجزائر البلد الوحيد الذي عاش سكانه مثل هذه الظواهر المتطرفة في الخريف، فهناك تونس، ثم الأردن الذي فقد في سيول عارمة 12 فردا من فلذات كبده، وبعدها الكويت التي أحصت قتيلا وخسائر مادية معتبرة، ومؤخرا العراق.
في شمال المتوسط، وفي نفس الفترة تقريبا، أحصت فرنسا وفاة 12 شخصا في فيضانات عارمة، ليأتي الدور على إيطاليا التي فقدت هي الأخرى 13 شخصا، فماذا حصل بالضبط؟ كيف تسببت أمطار تهاطلت لدقائق معدودات في حدوث فيضانات عارمة وفي دول تملك شبكات صرف مياه الأمطار عالية الدقة والجودة، مع وجود استراتيجية محكمة لمواجهة المخاطر والظواهر الطبيعية المتطرفة؟
أكد وزير الموارد المائية السيد حسين نسيب، في أولى تصريحاته، أن ما حدث فعلا في تلك الأيام هو تصادف هطول أمطار غزيرة مع عاصفة هوجاء، في ظاهرة طبيعية نادرا ما تحدث، أرجعها إلى التغيرات المناخية قبل أن يصرح بأن دراسة علمية أجرتها مصالحه، توصلت إلى أن 60 بالمائة من الفيضانات التي وقعت داخل المدن كان سببها تلوث الأودية التي لم تعد تؤدي دورها الطبيعي، المتمثل في امتصاص السيول العارمة.
أما خبراء المرصد الوطني للأحوال الجوية، فأكد أغلبهم أن بلادنا أصبحت منذ سنين عرضة لأحوال جوية ومناخية وظواهر طبيعية متطرفة غير مسبوقة، وأن أغلب الفيضانات التي عرفتها بلادنا كانت بسبب عواصف مطرية قوية تجاوزت فيها التراكمات المطرية في بعض المناطق، حاجز الـ100 مائة ملم خلال ثلاثة أيام.
قدم المعهد الوطني الفرنسي للأرصاد الجوية تحليلا أكثر عمقا ودقة لما حدث في فرنسا، حيث أصدر تقريرا يوم 15 أكتوبر المنصرم، أوضح فيه أن كمية الأمطار التي كانت تتهاطل على الأراضي الفرنسية خلال أشهر، تساقطت يومها في بضع سويعات، ولا أحد من الخبراء توقع حدوث الأمر، وهو نفس السيناريو الذي تكرر في الكثير من بلدان المتوسط، كإيطاليا.
أضاف التقرير أن هذه الظواهر المتطرفة تحدث غالبا في فصل الخريف بالنسبة لبلدان حوض المتوسط، وخبراء المناخ في فرنسا يعكفون منذ عام 2010 على دراستها باستخدام تقنيات عالية الجودة، لكن إلى حد الآن لا يمكن التنبؤ بها مستقبلا.
المقلق في الأمر أن سقوط الأمطار من حين لآخر بكميات معتبرة، لا يعني أن هذا البلد أو ذاك أصبح مؤمنا مائيا، لأن فترات الجفاف أصبحت أيضا طويلة جدا، وهو ما توضحه الصورة التي جاءت في التقرير الأخير الصادر عن برنامج الأم المتحدة للبيئة، حيث جاءت الجزائر وكامل المنطقة العربية ضمن البلدان التي تصل فيها فترات الجفاف خلال السنة الممتدة بين 10 و12شهرا.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال السيد محمد بوغداوي، الخبير في التغيرات المناخية ومستشار في وزارة البيئة والطاقات المتجددة في تصريح لـ«المساء”، أن الجزائر عرفت خلال السنوات العشر الأخيرة، تراجعا في كميات الأمطار السنوية في المناطق الساحلية والداخلية بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمائة مقارنة بذي قبل.
أضاف محدثنا يقول، إن المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل بحوالي 400 كلم أصبحت تواجه مخاطر التصحر بدرجة شديدة، حيث سُجّل ارتفاع قياسي في متوسط درجات الحرارة، يصل إلى ست درجات في المائة، وهذا نذير يدفعنا إلى التفكير والتخطيط بسرعة لاحتواء الوضع.
الفيضانات هو المظهر الأكثر تكرار في الجزائر وهي تخلف ضحايا وخسائر مادية معتبرة.
وقد جاء التقرير السادس لخبراء المجموعة الدولية حول التغيرات المناخية الصادر يوم 08 أكتوبر المنصرم ليزيد الصورة أكثر قتامة حول الحالة المزرية التي بلغها كوكبنا بسبب الاحتباس الحراري.
فقد أكد الخبراء أن الإبقاء على احترار عالمي في حدود 1.5 درجة مئوية بدلا من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سيتطلب تغييرات سريعة وبعيدة الأثر وغير مسبوقة في كافة مناحي الحياة.
قال السيد بان ماو زاي، رئيس الخبراء، حسبما ورد في البيان الصحفي الذي أصدرته المجموعة، عقب اجتماعها في إنشيون بجمهورية كوريا الجنوبية، إن إحدى الرسائل الأساسية التي يوجهها التقرير بقوة، أننا نشهد بالفعل عواقب وخمية للاحترار العالمي، منها ظواهر طبيعية أكثر تطرفا، وهي مرشحة للتكرار وبدرجات أكثر شدة.
من جهته، صرح نور الدين ياسا، نائب رئيس المجموعة الأولى التي أشرفت على إعداد هذه التقرير العالمي لـ«المساء”، حتى باحتساب احترار عالمي بدرجة 1.5 التي أوصى بها التقرير، فإن كوكب الٍأرض سيعرف إلى حدود عام 2030 ظواهر مناخية متطرفة، مثل الفيضانات العارمة، العواصف الهوجاء، ارتفاع مستوى مياه البحر، تصحر وتزايد عدد حرائق الغابات، وهي الظواهر التي سيكون لها تأثير كبير على سكان دول العالم الثالث ذات الدخل المنخفض التي لا يمكنها ماديا مواجهتها”.
صورة توضح قيمة الخسائر المادية حسب نوع الكارثة
أضاف ياسا الذي يشغل منصب مدير عام معهد الطاقات المتجددة في الجزائر، أن التقرير وجه رسالة إلى صناع القرار في دول العالم لبذل المزيد من الجهود، من أجل حماية كوكبنا وحماية الدول الضعيفة من خلال الزيادة في تمويل مشاريع التأقلم في هذه الدول، ونقل التكنولوجيا بالمجان والتوجّه نحو انتقال طاقوي صديق للبيئة.
سلط التقرير الضوء على عدد من مظاهر تغير المناخ التي يمكن تجنبها بالإبقاء على الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة مئوية، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر على نطاق العالم بحلول عام 2100، سيكون أقل بمقدار 10 سنتم إلى 70 سنتم.
الحد من الاحترار العالمي من شأنه أن يحد من الزيادة في درجات حرارة المحيطات وحموضتها ومن انخفاض مستويات الأكسجين فيها، ومن ثمة يقلل المخاطر التي تهدد التنوع الحيوي البحري ومصايد الأسماك والنظم الإيكولوجية.
لكن حتى في ظل اقتصار الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية، يُتوقّع أن تتراجع الشعاب المرجانية بما يتراوح بين 90-70 في المائة، بينما ستزيد هذه النسبة إلى أكثر من 99 في المائة، في ظل احترار عالمي بمقدار درجتين مئويتين.
فترات جفاف طويلة والتصحر يزحف ببطء.
خلص التقرير إلى أن دول العالم مطالبة اليوم بإدخال تحولات سريعة على أنماط معيشتها وبسرعة في قطاعات الأراضي، الطاقة، الصناعة، المباني، النقل والمدن، وسيتطلب ذلك تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45 بالمائة بحلول عام 2030، قياسا بمستويات سنة 2010، لنصل إلى صفر انبعاث بحلول عام 2050.
جاء بعدها تقرير سد فجوة الانبعاثات الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نهاية شهر نوفمبر الفارط، ليزيد الوضع تعقيدا، حيث أكد أنه لا توجد علامات على وقف انبعاث الغازات الدفيئة في العالم، بل بالعكس، فقد زادت في عام 2017 عقب ثلاث سنوات من استقرارها.
حسب التقرير، فإن دول العالم مطالبة بمضاعفة جهودها في التقليل من الغازات الدفيئة بمقدار الثلث، للحفاظ على زيادة درجة حرارة بمقدار 2 بالمائة، ولبلوغ هدف 1.5 درجة مئوية، يجب على الدول مضاعفة جهودها ومساهماتها بخمسة أضعاف، وهو مطلب يبدو صعب المنال في ظل تعنت بعض الدول الكبيرة ورفضها الانضمام إلى هذا المسعى العالمي، كأمريكا، وحتى بعض الدول الصغيرة، كبلغاريا التي أعلنت مؤخرا رفضها مراجعة مساهمتها في هذا المجال.
تقرير مجموعة الخبراء الدوليين يدعو إلى التحرك بسرعة.
لكن المفاوضات والمشاورات الماراطونية التي عرفتها قمة المناخ العالمية في طبعتها الـ24، والتي انتهت أشغالها يوم 14 ديسمبر الجاري، كانت نتيجتها حصول اتفاق، أكثر ما يمكن القول عنه أنه مقبول، لأنه أعطى روحا لاتفاق باريس، لكنه يبقى غير كاف، وهو ما أكده رئيس قمة باريس لوران فابيوس الذي أدلى في تصريحات صحفية ”قمة كاتوفيتش دعمت اتفاق باريس، لكنها لم تساهم في تسريع الخطى لمحاربة التغيرات المناخية”.
هذا التصريح يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن الدول المتضررة التي طوال الـ24 سنة الفارطة، تحارب خارج قواعدها من أجل الحفاظ على كوكبنا، مطالبة بالعمل داخل قواعدها، من خلال تعزيز قدراتها على التأقلم مع التغيرات المناخية والتقليل من مخاطرها.
الفيضانات من أكثر الكوارث تكرارا والأعاصير أخطرها
صورة توضح عدد الكوارث الطبيعية حسب النوع، المصدر: تقرير مكتب الأمم المتحدة للتقليل من خسائر الكوارث 2018.
تزامنا مع تقرير المجموعة الدولية للتغيرات المناخية، أصدر مكتب الأمم المتحدة، للتقليل من مخاطر الكوارث يوم 10 أكتوبر، تقريرا عاما حول طبيعة الكوارث الطبيعية التي وقعت في العالم والخسائر التي تكبدتها الدول خلال العشرين سنة المنصرمة.
يشير التقرير إلى أن الفيضانات تأتي في الدرجة الأولى من حيث عدد الكوارث التي تحدث في العالم، حيث بلغت 3148 فيضانا، بنسبة 43.5 بالمائة من مجموع الكوارث، متبوعة بالأعاصير وعددها 2049، بنسبة 28.2 بالمائة، وفي المرتبة الثالثة، الزلازل بحوالي 563 زلزالا بنسبة 7.6 بالمائة.
حجم الخسائر المادية الناجمة عن الفيضانات تساوي تلك التي تحدثها الزلازل بنسبة 23 بالمائة، لكن الخسائر البشرية هي الأعلى في الزلازل، حيث قدرها التقرير بنسبة 56 بالمائة، وتأتي في المرتبة الأولى متبوعة بالأعاصير بنسبة 17 بالمائة، ثم في المرتبة الثالثة ارتفاع درجات الحرارة بـنسبة 13 بالمائة، فالفيضانات بنسبة 11 بالمائة.
فوضى العمران وتلوث الأودية واستيطان ضفافها زاد الوضع سوءا.
يشرح التقرير بأن معدل عدد الفيضانات في العالم خلال التسعينيات كان يناهز الـ87 فيضانا في السنة، لكن منذ سنة 2000 ارتفع العدد إلى حوالي 165 فيضانا كل عام، أي بزيادة قدرها حوالي 200 بالمائة.
حسب التقرير، فإن الخسائر المادية المباشرة التي خلفتها الكوارث الطبيعية، انتقلت من 895 مليار دولار في الفترة الممتدة بين سنتي 1978 و1997 إلى 2300 مليار دولار خلال العشرين سنة الأخيرة، أي بنسبة ارتفاع قدرت بـ151 بالمائة، والملاحظ أن معدل فترات الجفاف ارتفع هو الآخر بنسبة 30 بالمائة.
وإن سجل التقرير تراجعا في عدد الوفيات الناجمة عن الفيضانات، حيث تقلصت منذ عام 2000 بنسبة 44 بالمائة مقارنة بذي قبل، إلا أن تأثيراتها السلبية أصبحت تمس حوالي 145 مليون شخص كل عام، وعادة ما تخلف أضرارا نفسية كبيرة، وفي بعض الأحيان تضطر الكثيرين إلى الهجرة. أما خسائرها المادية فهي معتبرة، حيث قدرت في عام 2016 بحوالي 56 مليار دولار.
في الجزائر، سجلت مصالح وزارة الداخلية خلال العشرين سنة المنصرمة ما يزيد عن مائة فيضان، وقع أكثرها في الخريف الماضي، حيث قدر عددها بـ25 فيضانا، لكن أشدها كانت فيضانات باب الوادي عام 2001 التي راح ضحيتها 2780 شخصا، وزلزال بومرداس سنة 2003 الذي خلف حوالي 3500 وفاة، وفيضانات مدينة غرداية عام 2008 التي راح ضحيتها 38 شخصا، بالإضافة إلى خسائر مادية معتبرة.
لكن الأسوأ من كل ذلك، أن أجزاء من دول العالم يمكنها أن تعرف خلال السنوات القادمة، اجتماع أكثر من ظاهرة طبيعية في وقت واحد، حسبما أكدته دراسة أمريكية حديثة من جامعة هاواي الأمريكية.
فوضى العمران
لم يتأخر المجلس العربي الأعلى للعمران وتطوير المدن كثيرا في إصدار تقريره حول الأسباب التي أدت إلى وقوع فيضانات في بعض الدول العربية، خاصة الجزائر وتونس على العموم، حيث أرجعها إلى فوضى العمران وانعدام توسع المدن لمخططات مدروسة، فضلا عن غياب دور الحكومة الرقابي لمحاربة البناءات الفوضوية والبناء على ضفاف الأنهار والأودية.
كما سجل التقرير الصادر يوم 24 أكتوبر المنصرم، وجود هشاشة في البنية التحتية لهذه الدول، حيث سجل نقصا في إنجاز قنوات الصرف الصحي وشبكة تصريف مياه الأمطار التي لا تتم وفق المعايير الفنية المطلوبة والدقيقة، حيث أكد بأن المدن في المغرب العربي تتذيل الترتيب العالمي من حيث التنظيم والتخطيط.
يبدو أن المدن الجزائرية ستواجه مستقبلا مخاطر كبيرة بسبب الفيضانات، حيث صنفت وزارة الموارد المائية حوالي 689 موقعا في 36 ولاية في الخانة الحمراء.
دراسات حديثة تؤكد أن شواطئ الجزائر تتآكل وأجزاء من مدننا قد تغرق.
كما يبدو حسب الكثير من الملاحظين، أن ارتفاع عدد الضحايا والخسائر المادية جراء الفيضانات كان وراءها العامل البشري، بمعنى أن البناء على ضفاف الأودية وفي المنحدرات وعدم احترام القوانين المعمول بها يثقل الحصيلة، وهو ما كشفته الدراسة التي أجراها خبراء وزارة الموارد المائية مؤخرا، حيث وجدت أن حوالي 60 بالمائة من الفيضانات التي عرفتها الجزائر في المناطق الحضرية، سببها تلوث الأودية بالنفايات الصلبة التي أدت إلى فيضانها.
قالت السيدة سهام مهناوي، مديرة التخطيط بالحوض الهيدروغرافي التابع لوزارة المياه لـ ”المساء”؛ ”أعتقد أن التخفيف أو الحد من هذه الخسائر التي تخلفها الفيضانات يتوقف أساسا على احترام حدود المجال العام للأودية والأنهار، وتفادي البناء في المنحدرات. الفيضانات أصبحت تحدث بكثرة، لكن سلوكاتنا هي التي تفاقم الأمر”. وأضافت محدثتنا تقول ”على المواطنين أن يتحلوا بروح المسؤولية ودرجة عالية من الوعي بمخاطر استيطان الأودية والأنهار، فغضب الطبيعة في الغالب لا يرحم”.
سواحلنا هشة وأجزاء من مدننا ستغرق
من أخطر صور التغيرات المناخية، ظاهرة ارتفاع مستوى مياه البحر، وخطرها يكمن ـ حسب آراء الخبراء ـ في عدم شعورنا بها، لأن سرعة الارتفاع بطيئة جدا تتراوح بين 1 ملم إلى 1 سنتم كل سنة، حسب اختلاف المناطق، وهذا ما يجعل صناع القرار في الدولة لا يعيرون لها اهتماما.
في الجزائر، نواجه حسب تصريحات المدير العام للوكالة الوطنية للتغيرات المناخية، عبد الرحمان بوقادوم، خطر غرق أجزاء من المدن الساحلية، حيث قال ”الصور التي التقطتها أقمارنا الصناعية، والتي يعكف خبراء وكالتنا على دراستها وتحليلها، تؤكد أن الساحل الجزائري أصبح يتآكل يوما بعد آخر، وقد لاحظنا هذه الظاهرة جليا في إحدى شواطئ مدينة بجاية الذي تآكلت منه ما يقارب الـ30 مترا، بمعنى آخر، عرض الشواطئ بدأ يتناقص ومياه البحر أصبحت قريبة من الطرق والمجمعات السكانية، مما يجعل المواطنين في خطر محدق”.
أضاف محدثنا يقول ”إن الدراسات العميقة التي أجريناها بالتعاون مع خبراء دوليين مختصين في معالجة صور الأقمار الصناعية، تؤكد أن ولاية عنابة هي المدينة الأكثر هشاشة في الشرق الجزائري، بسبب وقوعها تحت مستوى البحر، وهي بالتالي، مهددة بحدوث فيضانات قوية وغرق أجزاء منها على المدى البعيد”.
قال مولود بوحاديد، إطار في وكالة التغيرات المناخية، إن هذه الدراسة التي أشرفت عليها وزارة البيئة في إطار برنامج تعاون مع الاتحاد الأوروبي يسمى ـمناخ، جنوب- سمحت من خلال استغلال صور الأقمار الصناعية التي وفرتها الوكالة الوطنية للفضاء، باقتراح حزمة من الحلول المستعجلة التي يمكنها مواجهة مخاطر هذه الظاهرة، خاصة في ولاية عنابة التي تعتبر اليوم من المناطق الأكثر هشاشة في الجزائر.
أضاف المهندس يقول، إن من بين الحلول التي تم اقتراحها، تشييد كواسر للأمواج على طول شريط المدن الساحلية لحماية الشواطئ والطرق المحاذية، إجراء تغييرات على مطار عنابة من خلال إنشاء محطة جديدة للطائرات، مع إصلاح وتدعيم قنوات الصرف الصحي في هذه الولاية حتى لا يتكرر سيناريو فيضانات باب الوادي.
كما أجرت الوكالة الوطنية للتغيرات المناخية مؤخرا، دراسة علمية حول هشاشة الساحل في مناطق من الوسط الجزائري، حيث امتدت الدراسة على طول 120 كلم من مدينة بومرداس إلى مداخل تيبازة، وهي الدراسة التي أظهرت أن سواحل الوسط تواجه مخاطر ارتفاع نسبة مياه البحر وتأكل الساحل بدرجات متفاوتة.
المناخ يتغير، نحن أيضا يجب أن نتغير وبسرعة
لقد أصبح تأثير التغيرات المناخية على الحياة العادية للمجتمعات محسوسا وملموسا، ومخاطرها صارت متعددة وتمس أغلب القطاعات، ولمواجهتها يؤكد خبراء البيئة أنه يجب العمل على محورين لتحقيق ذلك؛ محور التأقلم ومحور التخفيف.
بما أن الدول النامية وذات الدخل الضعيف ليست مسؤولة عن الاحترار الحراري، فهي مطالبة باتخاذ إجراءات الوقاية المتمثلة في انتهاج استراتيجية واضحة للتأقلم والتكيف.
عرضت وزارة البيئة والطاقات المتجددة في الجزائر، يوم 22 أكتوبر المنصرم، المخطط الوطني للمناخ الذي يعتبر الأول من نوعه في الجزائر، وسيتم عرضه لاحقا على مجلس الوزراء من أجل المصادقة عليه.
بالرغم من أنه جاء متأخرا، حيث انطلقت عملية إعداده عام 2011، إلا أن وجوده اليوم هو في حد ذاته نجاح وخطوة عملاقة نحو التأقلم مع التغيرات المناخية في بلادنا، وتحقيق أهداف التنمية المستديمة بحلول عام 2030.
قالت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة، فاطمة الزهراء زرواطي، خلال عرضها للمخطط الذي يضم 64 عملية تأقلم، 75 عملية تخفيف و14 عملية لمرافقة هذه المشاريع، إن الهدف الأساسي هو تنفيذ اتفاقية باريس 2016، التي تعهّدت فيها الجزائر بالانضمام إلى الجهود العالمية الرامية إلى التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة، حيث التزمت الجزائر آنذاك بالعمل على التقليل منها بنسبة 7 بالمائة بحلول عام 2030، باستخدام مواردها المالية الخاصة ببلادنا، وبنسبة 22 بالمائة إذا توفرت موارد مالية أجنبية.
من جهته، قال أستاذ علوم البحار والخبير الدولي في التغيرات المناخية، سمير غريماس لـ«المساء”، إن المخطط الوطني للمناخ جيد من حيث المحتوى وما يتضمنه من عمليات، لكن تنقصه الركيزة المالية، وهو عامل مهم جدا في إعداد البرامج والمشاريع، حيث قال ”الملاحظ غياب الركيزة المالية، ففي غياب استراتيجية واضحة لتمويل هذه المشاريع وتحديد مصادر التمويل، لا يمكننا سوى وضع نقاط استفهام حول مدى إمكانية تنفيذ هذا البرنامج، بصراحة أخشى أن لا نتمكن من بلوغ الاهداف المسطرة في أوقاتها المحددة”.
أضاف قريماس يقول ”يجب أيضا أن نعمل على الاستفادة أكثر من مصادر التمويل التي توفرها صناديق البيئة الدولية، المغرب على سبيل المثال، تمكن خلال السنتين الفارطتين من جمع حوالي 500 مليون دولار من هذه الصناديق، وكذلك تونس التي تمكنت من جمع حوالي 300 مليون دولار، أما نحن فلم نستفد إلا من بضعة ملايين”.
تسبب قطاع الطاقة في الجزائر، في انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 75 بالمائة، ورغم ذلك، فإن الانتقال الطاقوي وتنفيذ برنامج الطاقات المتجددة عندنا لازال يعرف تأخرا كبيرا في تنفيذه، وهو على ما يبدو غير متحكم فيه جيدا، حيث كان مبرمجا عام 2011 بلوغ ما قيمته 22 ألف ميغاواط من هذه الطاقات بحلول عام 2030، لكن إلى حد اليوم، لم نصل سوى إلى 400 ميغاواط، أي بنسبة إنجاز لا تتجاوز 2 بالمائة.
صرح وزير الطاقة مصطفى قيطوني مؤخرا، خلال إشرافه على منتدى الطاقة بوهران، أنه من المنتظر أن تصل الجزائر بحلول عام 2020 إلى إنتاج 2000 ميغاواط من الطاقات المتجددة، معترفا في نفس الوقت بأن برنامج الطاقة كما تم تسطيره عام 2011، يبدو من الصعب جدا تنفيذه.
ويبدو جليا أن السبب الرئيسي في تأخر تحقيق هذه الأهداف هو نقص التمويل، حسبما أكده المدير العام الأسبق لشركة ”سوناطراك”، عبد المجيد عطار، الذي أكد في تصريح لـ«المساء”، أن برنامج الطاقات المتجددة في الجزائر يتطلب حوالي 80 مليار دولار لإنجازه، وهو الرقم الذي عجزت الحكومة عن توفيره، في ظل تراجع أسعار البترول على مستوى السوق العالمية، وعليه فإن الحل يكمن في إشراك القطاع الخاص وفتح السوق أمام رؤوس الأموال الأجنبية للمساهمة في تنفيذ هذا البرنامج.
كما أن الحكومة لا تريد الاستثمار كليا في الطاقات المتجددة، حيث فضلت ضخ رؤوس أموال جديدة في استغلال الغاز الصخري والتنقيب عن البترول في أعماق البحار، إذ من المنتظر أن يتم إطلاق ثلاث عمليات تنقيب في كل من بجاية وسكيكدة، حسبما أكده المدير العام لشركة ”سوناطراك”.
المخطط الوطني للمناخ يرى النور أخيرا وتغيب عنه الركيزة المالية.
رغم كل ذلك، هناك خطوات إيجابية في مجال استغلال الطاقة الشمسية داخل المدن، حيث كشف وزير الداخلية نور الدين بدوي، مؤخرا، عن مشروع إنجاز 100 ألف عامود للإنارة العمومية باستخدام الطاقة الشمسية، سيتم إنجازها خلال العامين القادمين وتوفير الطاقة لـ148 مسجدا و1540 مدرسة باستخدام الطاقة الشمسية بحلول عام 2020، سيتم تسليم 80 منها مع نهاية العام الجاري، وغيرها من المشاريع التي تهدف إلى إدراج الطاقة الشمسية داخل المدن وتنمية ثقافة الطاقة الصديقة مع البيئة لدى الأطفال والمجتمع بصفة عامة.
صراع دولي حول من يتحمل تكاليف التأقلم
من بين إشكاليات التغيرات المناخية، أنه لا يمكن لأي بلد أن يجني ثمار تنميته المستديمة وجاره لم يقم بأي شيء، لأن جهوده ستذهب سدى، ويستوجب الأمر على جاره أن يقتدي ويلتزم بالعهود الدولية لجني الثمار معا.
تحمّل كل التقارير الدولية الدول المتقدمة مسؤولية تغير المناخ، وعلى رأسهم الصين، أمريكا واليابان، لكن بعض هذه الدول لا تزال ترفض ضمنيا أو صراحة تحمّل مسؤوليتها، فاعترافها سيجعلها تتحمل تكاليف التأقلم وتخفيف أثار التغيرات المناخية، وهو السبب الذي جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينسحب من اتفاقية باريس لعام 2015، ولا يزال إلى حد الساعة مصرا على موقفه، بل وأكثر من ذلك، لا يعترف أصلا بمسؤولية الإنسان في تغيير المناخ.
صرح الخبير الجزائري في التغيرات المناخية، كمال جموعي، الذي سبق له أن قاد مجموعة إفريقيا للتفاوض في قمة باريس حول المناخ 2015، أن الدول المتقدمة لا زالت تتهرب ولا تعترف بمسؤولياتها في الموضوع، وكشف أن المفاوضات التي جرت مطلع شهر أكتوبر، للمصادقة على التقرير السادس لمجموعة الخبراء الدوليين حول التغيرات المناخية، كانت عسيرة وشاقة، وأن هذه الدول عملت كل ما في وسعها حتى يخرج التقرير، وهو لا يحمل أية إشارة عن مسؤولية الدول الكبرى في ذلك.
أكد جموعي أن الجانب المالي كان دائما يشكل صعوبات في التفاوض بين الدول النامية والمتطورة، بدليل أن أغلب هذه الدول المسؤولة تاريخيا عن الاحتباس الحراري، لا زالت تتملص في تنفيذ التزاماتها المالية المتمثلة في تخصيص حوالي 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على تنفيذ برامجها المناخية، في إطار صندوق البيئة الأخضر الذي أطلق عام 2009 خلال قمة كوبنهاغن.
أوضح محدثنا أن المفاوضات مع الدول المسؤولة عن الاحتباس الحراري خلال القمم العالمية للمناخ، كانت دائما تصطدم برفض هذه الدول الاعتراف بمسؤولياتها وعدم تنفيذ التزاماتها، حيث قال ”فضاء التنمية العالمي بدأ يتقلص بسبب الاحتباس الحراري، والدول المتقدمة ترفض دوما التقليل من سرعة نموها، لكنه في المقابل، هناك من الدول من ترفض الاعتراف بمسؤوليتها في ذلك، لأنها لا تريد دفع فاتورة تخريبها للبيئة، وعليه فإن الدول النامية والضعيفة مطالبة بالضغط على هذه القوى لكبح جموحها وإرغامها على استخدام الطاقات النظيفة، ومساعدة الدول الضعيفة ماليا على التأقلم مع التغيرات المناخية”.
برنامج الطاقات المتجددة غير متحكم فيه ويحتاج إلى 80 مليار دولار.
أضاف جموعي يقول، إن صناديق البيئة العالمية الخمسة التي أنشئت خصيصا لتمويل مشاريع التأقلم مع التغيرات المناخية، لازالت تعاني شحا في الموارد المالية، فضلا عن ذهاب الأموال إلى وجهات غير معروفة، كما حدث مع صندوق البيئة الأخضر الذي خصص في الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و2013، ما يقارب 30 مليار دولار، ذهب جزء من هذه القيمة إلى غير وجهته الأولى.
المال الوفير هو اليوم عصب التنمية المستديمة، فقد جاء التقرير الذي أصدره منتدى البيئة العربي يوم 8 نوفمبر المنصرم تحت عنوان ”تمويل التنمية المستديمة في البلدان العربية” ليؤكد على الأمر.
جاء في التقرير أن متطلبات الالتزام باتفاقية باريس وتحقيق أهداف التنمية المستديمة، يستدعي استثمارات ضخمة في الدول العربية بقيمة 230 مليار دولار سنويا، وهو رقم خارج استطاعة حكومات دول المنطقة في الوقت الراهن، وعليه فهي مطالبة بضرورة البحث عن مصادر تمويل خارجية وإشراك القطاع الخاص في عمليات التنمية.
المناطق الرطبة تختفي بسرعة
حذر التقرير الدولي الصادر عن أمانة اتفاقية ”رمسار”، مطلع العام الجاري، والمعنون بـ«أفاق المناطق الرطبة في العالم”، من سرعة اختفاء المناطق الرطبة، حيث فقد العالم منذ عام 1970 حوالي 35 بالمائة من هذه المناطق الحيوية، أي بمعدل يفوق مرتين فقدان العالم للغابات، إلا أن الوضع في منطقة المتوسط يعد الأسوأ، حيث بلغت النسبة فيها 48 بالمائة.
تلعب المناطق الرطبة دورا كبيرا في استدامة الحياة على كوكبنا، خاصة في المدن، فهي تشكل عامل حماية ضد مخاطر الفيضانات في حالة هطول أمطار طوفانية، كما تعمل على تلطيف الأجواء في فصل الصيف، وتعتبر أيضا مصافا طبيعية، حيث تساهم في امتصاص الغازات الدفيئة واصطياد الملوثات من المياه التي تعبرها، لتعطينا مياها باستطاعتنا استغلالها في شتى مناحي الحياة اليومية.
علاوة على ذلك، فإن المناطق الرطبة تساهم كثيرا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، من خلال الصيد ومختلف الأنشطة المرتبطة بها، وهي تشكل مصدر رزق لحوالي مليار من البشر حول العالم، وعوائد قدرت خلال العام المنصرم بحوالي 51 ألف مليار دولار.
فقدان المناطق الرطبة يعني أيضا فقدان التنوع البيولوجي، فحسب التقرير الذي أصدره الصندوق العالمي للبيئة عام 2016 تحت عنوان ”الكوكب الحي”، فإن التنوع البيولوجي في المياه العذبة انخفض بنسبة 80 بالمائة خلال الـ40 سنة المنصرمة.
كانت ”أهمية المناطق الرطبة في المناطق الحضرية” موضوع الاجتماع الـ13 الذي جمع الدول الأطراف المشكلة لاتفاقية ”رمسار”، والذي عقد مؤخرا بمدينة دبي في الفترة الممتدة من 21 إلى 29 أكتوبر المنصرم.
حذر المشاركون فيه من سرعة تدمير هذه المناطق وتغيير طبيعتها بسبب استغلالها في الأنشطة الصناعية، السياحة والعمران، خاصة في منطقة المتوسط التي عرفت تزايدا في عدد السكان بمقدار الثلث منذ عام 1990، وبنسبة 42 بالمائة في المناطق الساحلية، وفي دول المغرب العربي بنسبة 48 بالمائة، وتقريبا فإن ربع المناطق الرطبة في بلدان المتوسط اصطناعية من قبيل السدود، وهو معدل عال مقارنة بالمعدل العالمي الذي بلغ 12 بالمائة فقط.
يبدو أن رهان المحافظة على المناطق الرطبة في الجزائر كبير جدا كبر مساحاتها، فحسب التقرير الذي أصدره مرصد المناطق الرطبة في المتوسط تحت عنوان ”الحلول المستديمة للمناطق الرطبة في المتوسط”، فإن ثلثي المناطق الرطبة من حيث المساحة في هذه المنطقة نجدها في كل من تركيا، فرنسا، مصر والجزائر، وعليه فإن دور حكومات هذه الدول يبدو طلائعيا للمساهمة في الحفاظ على المناطق.
رغم كل هذه الرهانات، إلا أن التقرير خلص إلى أن حكومات دول البحر الأبيض المتوسط لم تلتزم في مجملها بالالتزامات الإقليمية في الحفاظ والاستغلال العقلاني لهذه المناطق، باستثناء الجزائر ومصر اللتان بلغتا نسبة 75 بالمائة.
في هذا الصدد، قالت السيدة إلهام كابوبة لـ«المساء”، إن الجزائر تضم أكبر عدد من المناطق الرطبة المصنفة ”رمسار” في شمال إفريقيا، وهي 50 موقعا، وهي تأتي في المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد مصر والعمل جار لتصنيف مناطق أخرى في المستقبل القريب.
أوضحت السيدة كابوبة التي انتخبت مؤخرا في مؤتمر دبي، عضوا في اللجنة الدائمة لاتفاقية ”رمسار”، أن المناطق الرطبة الحضرية في الجزائر تتمثل في الأودية والأنهار، وإشكالية هذه المناطق أنها أصبحت ملوثة كثيرا بالنفايات الصلبة وانتشار البنايات الفوضوية على ضفافها، وهو ما تسبب في تحويلها عن طبيعتها في تقديم خدمات إيكولوجية ومناخية، كالتخفيف من الفيضانات، حيث أصبحت اليوم السبب الرئيسي في وقوعها.
كما ثمنت محدثتنا الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الموارد المائية لإعادة تهيئة الأودية الكبيرة في العاصمة وغيرها من المدن، كما هو الشأن بالنسبة لوادي الحراش، وادي أوشايح، ومستقبلا وادي الحميز، حيث يتوقع أن تلعب دورا كبيرا في التقليل من مخاطر الفيضانات.
رهان الحفاظ على الأمن الغذائي والأمن المائي
يشكل الماء اليوم تحديا كبيرا لدول العالم، وهو وثيق الصلة بالكثير من أهداف التنمية المستديمة، كالأمن الغذائي والأمن الطاقوي، التي لا يمكن بلوغها بدون تحسين إدارة الموارد المائية وضمان الحصول على خدمات منتظمة للماء والصرف الصحي.
الحفاظ على الأمنين المائي والغذائي في الجزائر في إطار تنمية مستديمة، يعتبر تحديا كبيرا للحكومة بسبب ارتباط الأول بالثاني، وتوجه وزارة الفلاحة نحو رفع عدد المساحات المسقية من 1.3 مليون هكتار حاليا إلى 2.2 مليون مع نهاية عام 2019، وفق برنامج يضم أيضا محور تطوير الزراعة الصحراوية التي تستهلك الكثير من الماء.
تعتقد السيدة فطوم لخضاري، مديرة المعهد الوطني للبحوث في المناطق الجافة، أن أثار التغيرات المناخية في الجزائر ملموسة في قطاع الفلاحة، من قبيل تكرار فترات الجفاف الطويلة أو تهاطل الأمطار الغزيرة في غير موسمها، وغيرها من المظاهر التي تستدعي اليوم إجراء بحوث ودراسات عميقة للتعامل مع هذه المتغيرات الجديدة.
أضافت السيدة لخضاري التي تشغل أيضا عضو المجلس العلمي للوكالة الوطنية للتغيرات المناخية ”نحن مطالبون اليوم في قطاع الفلاحة بالتعامل بجدية وسرعة مع التغيرات المناخية، الآثار تبدو سلبية، لكنني متفائلة جدا، لأن صحراءنا والأراضي القاحلة تزخر بإمكانيات كبيرة لمواجهة هذه المتغيرات، فالواحة مثلا، تعتبر نموذجا عالميا وإرثا ثقافيا في التأقلم مع الظروف المناخية القاسية، لدينا أيضا أنظمة السقي الصحراوية التي توفر طاقة الماء بنجاعة كبيرة. أعتقد أنه يجب علينا العمل على إيجاد الحلول للتأقلم مع التغيرات المناخية، ولا أستبعد أن نقوم بتغيير رزنامة الموسم الفلاحي”.
استثمرت الجزائر منذ عام 2000 في قطاع المياه حوالي 45 مليار دولار، ضمن استراتيجية تمتد إلى عام 2030، وتعتمد على محورين أساسيين هما؛ تحلية مياه البحر التي أصبحت توفر اليوم تقريبا نسبة 23 بالمائة من مياه الشرب، وبناء السدود التي بلغ عددها 80 سدا؛ 36 منها أنجزت خلال العشرين سنة المنصرمة، توفر مياها بنسبة تفوق الـ60 بالمائة، فضلا عن خمسة سدود هي في طور الإنجاز، سيتم استلامها عام 2021.
على العموم، فإن استراتيجية الحكومة تهدف إلى بلوغ رقم 139 سدا بحلول عام 2030، وبقدرة تخزين تقارب 12 مليار متر مكعب، وهذا سيضمن بنسبة كبيرة تحقيق الأمنين المائي والغذائي.
كما تتجه الجزائر إلى استغلال المياه العادمة في الفلاحة، من خلال ما تنتجه في بعض المحطات التي تم إنجازها، والتي بلغ عددها 180 محطة، ستضاف إليها 20 محطة، مطلع العام القادم.
مدن مرنة لمواجهة تغير المناخ
يؤكد خبراء المجموعة الدولية للتغيرات المناخية، أن آثار التوسع الحضري تتماشى في خط متواز مع تغيّر المناخ، فمن جهة تعتبر المدن من المساهمين الرئيسيين في تغير المناخ، رغم أنها تغطي ما يقل عن 2 بالمائة من سطح الأرض، إلا أنها تستهلك حوالي 78 بالمائة من طاقة العالم، وتُنتِج ما يقارب 70 بالمائة من الغازات الدفيئة.
في نفس الوقت، تعتبر المدن الأكثر تأثرا بتغير المناخ، وعليه فإن الحرب التي سيخوضها العالم ضد التغيرات المناخية ستدور رحاها في المدن.
إلا أن الاستعداد لها داخل مدننا الجزائرية، خاصة التي عرفت في السابق نموا عمرانيا سريعا وفوضويا وانفجارا في عدد السكان، لازال على العموم في بدايته أو على الأقل لا يعرف تقدما بالسرعة المطلوبة، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال التوصيات التي خرج بها المشاركون في اليوم الدراسي حول مواجهة الفيضانات الذي نظمته وزارة الداخلية يوم 17 نوفمبر المنصرم، والمتمثلة أولا في ضرورة تحيين الدراسات الخاصة بالموارد المائية في جميع أنحاء الوطن، حيث يعتبر ذلك دليلا على أنه لم يكن هناك في السابق عمل ميداني مستمر يضمن مواجهة هذه المخاطر.
كما دعا المشاركون إلى ضرورة تطبيق ودعم القوانين الخاصة بالمجال العمومي للموارد المائية، لمنع البناء على ضفاف الأودية والمجاري المائية أو ردمها، وهي من بين العوامل التي كانت سببا في حدوث الكثير من الفيضانات، وتعمل الحكومة منذ سنوات على معالجتها من خلال إعادة ترحيل سكان البناءات قرب الأودية.
الجدير بالذكر أن الاستراتيجية الوطنية لمواجهة مخاطر الفيضانات التي تم عرضها خلال هذا اليوم الدراسي، تم إنجازها بالشراكة مع مراكز البحث العلمي التابعة للاتحاد الأوروبي، وهي ترتكز على خمسة محاور أساسية، منها التقليل من هشاشة المنشآت والبنى التحتية، رفع درجة الوعي بمخاطر الفيضانات وتنمية العمل المشترك مع كل القطاعات المعنية.
كما تضمنت الاستراتيجية، إقامة أنظمة إنذار مبكر في المناطق المهددة بمثل هذه المخاطر، وإنشاء لجنة خبراء أوكلت لها مهمة متابعة ما تم إنجازه على هذا المستوى.
من جهته، أكد وزير الداخلية نور الدين بدوي أن هذه الاستراتيجية تعتمد على إعداد وتنفيذ خطط محلية، لتعزيز دور البلديات وقدراتها على مواجهة مخاطر الفيضانات بالاعتماد على صور الفضاء.
جاءت هذه الخطط استجابة للنقص المسجل في هذا الجانب، فأغلب المدن الجزائرية تفتقر لمخططات ميدانية مدمجة لمواجهة التغيرات المناخية. كما أن الجزائر من بين الدول التي تكاد مدنها غير ممثلة وغير منخرطة في الجهود العالمية التي تقوم بها المجموعة الدولية ضمن تجمعات وهيئات منضوية تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة لمواجهة التغيرات المناخية، إذ لا نجدها سوى في مجموعة الجماعات المحلية من أجل التنمية الممثلة بمدينة وهران Local .Governments for Sustainability
والجزائر غائبة عن ”غلوبال كونفنان مايور” التي تضم من منطقة ”مينا”، 53 مدينة تمثل كل من الأردن، لبنان، الرمارات العربية المتحدة وفلسطين. كما أنها غائبة عن منظمة ”C40” التي تضم حوالي 100 مدينة حول العالم، منها 10 مدن إفريقية ومدينة عربية واحدة هي دبي.
و«C40” منظمة تشجع على استخدام الطاقات النظيفة في المدن، وقد تعهد الأطراف المشاركون فيها خلال اجتماع باريس المنعقد في العام المنصرم، على سحب كل المركبات المخصصة للنقل العمومي الملوثة للبيئة واستبدالها بمركبات صديقة للبيئة بصفر انبعاث بحلول عام 2025.
يعتقد الخبراء أنه إذا لم تتمكن المدن من بناء قدراتها على تحمل الكوارث والصدمات والضغوط المستمرة، ستكلفها آثار تغيّر المناخ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء العالم ما يناهز الـ314 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.
من بين الأسباب الرئيسية التي تعرقل تنفيذ مشاريع التأقلم مع المناخ في الدول النامية، حسب البنك الدولي، عدم قدرة الحكومات بسبب الضبابية السياسية والنظم التنظيمية التي تعوق الاستثمار الخاص وصعوبات تخطيط المشاريع وتمويلها وتنفيذها. أشاد التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2016، المعنون ”مرونة المدن العربية”، بالتقدم الذي أحرزته الجزائر في إعداد القوانين الكفيلة بمواجهة مخاطر الكوارث، حيث اعتبرتها الأفضل في المنطقة، لكنها تبقى غير فعالة، مسجلا في نفس الوقت غياب الجزائر عن برنامج الأمم المتحدة للتقليل من مخاطر الكوارث. تم بموجب هذه الاستراتيجية، إنشاء المرصد الوطني للمدينة وتنصيب لجنة المخاطر الكبرى على مستوى وزارة الداخلية، وغيرها من الإجراءات التي لازالت تفتقد للفعالية في الميدان، واتضح ذلك من خلال ما تم عرضه من نقاشات خلال الندوة الوطنية لتسيير مخاطر الكوارث التي عقدت يومي 22 و23 أكتوبر المنصرم، حيث دق العديد من خبراء تسيير الكوارث ناقوس الخطر المحدق بمدننا، جراء التوسع العمراني الكبير الذي لم يراع أسس السلامة التي تفرضها هذه القوانين، فضلا عن إهمالها للجانب المتعلق بتأثير التغيرات المناخية.
رغم الجهود التي بذلتها الجزائر في سبيل بلوغ مدننا درجات مرونة مهمة، إلا أن الكثير من العمل لازال ينتظرها، حفاظا على الأرواح والبيئة الخضراء وبلوغ أهداف التنمية المستديمة.