"الصدريات الصفر" بفرنسا

جعل 2019 عام الاحتجاجات الشعبية

جعل 2019 عام الاحتجاجات الشعبية
  • 732
م.م م.م

يتأكد من أسبوع إلى آخر أن "الصدريات الصفر" الذين اقترن اسمهم بحراك الرفض الاجتماعي في فرنسا، أن المبادرين بأعنف موجة احتجاجات يشهدها هذا البلد لا يريدون التخلي عن مطالبهم رغم تراجع الزخم الشعبي الذي كانوا يحظون به منذ بداية الاحتجاجات منتصف شهر نوفمبر الماضي.

فبعد مرور ثمانية أسابيع منذ تنظيم أول مظاهرات احتجاجية ورغم حلول عام جديد وحتى بعد تلبية معظم مطالبهم وتراجع الرئيس ماكرون عن كثير من قراراته التي فجرت الوضع الاجتماعي في فرنسا إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإقناعهم بالعودة إلى منازلهم.

وعاشت العاصمة باريس وكبريات شوارعها نفس المشهد الذي يتكرر كل يوم سبت من كل أسبوع بمشاهد اعتاد عليها الباريسيون بنصب المتاريس للحد من الحركة والسير في شوارع باريس وتعزيزات قوات الشرطة المدججة بالأسلحة والقنابل المسيلة للدموع والمسنودة بشاحنات المياه الساخنة وفي الجهة المقابلة آلاف المتظاهرين بزيهم الأصفر وشعارات الرفض التي يحملونها، يتحين كل طرف وانتظار مجرد حادثة صغيرة تكون كافية لإشعال موجة المواجهات العنيفة بينهما في حلقة من مسلسل لم تعرف فرنسا مثيلا له منذ ثورة الطلبة سنة 1968.   

وكان إقدام قوات الشرطة على اعتقال أحد الوجوه البارزة في الحراك بمثابة إشارة قوية باتجاه الصدريات الصفر الذين قرروا تنظيم احتجاجات في العاصمة باريس وفي مختلف كبريات المدن الفرنسية للأسبوع الثامن على التوالي في محاولة لتشديد الخناق المطلبي على حكومة تهاوت شعبيتها وأصبحت تبحث عن مخرج من مأزق قرار رفع نسبة الضريبة على الوقود ليكون بداية لموجة رفض لحزمة قرارات حكومية رأى فيها المحتجون أنها جاءت لضرب القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي البسيط.

ورغم أن الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون حاول نزع فتيل هذه القنبلة الاجتماعية برفع الحد الأدنى للأجر القاعدي بـ100 اورو ورفع الضريبة على رواتب المتقاعدين إلا أن ذلك لم يزد موجة الاحتجاجات إلا تشددا وأصبح قرار رفع الحد الأدنى للأجر مجرد قرار حولته الشرائح الهشة في المجتمع الفرنسي إلى موضوع للنكتة والتهكم.

وحاول وزراء حكومة ادوارد فليب، في كل مرة التشكيك في نوايا وخلفيات الحراك الشعبي والذهاب إلى حد اتهام متزعمي الصدريات الصفر بتنفيذ مخططات أحزاب معارضة لأغراض سياسية إلا أن ذلك لم يغير في المشهد شيئا بل زاد الصدريات الصفر تمسكا بمطالبهم متهمين الرئيس الفرنسي بإتباع سياسة ذر الرماد في الأعين في مقابل خدمة أرباب العمل والصناعيين الكبار.

وهو الإصرار الذي حتم على السلطات الفرنسية طرح فكرة نقاش وطني بداية من منتصف الشهر الجاري لبحث كل قضايا الراهن الاجتماعي والاقتصادي في البلاد ومحاولة معرفة وتحسس موقف عامة الفرنسيين بهدف إيجاد حلول توفيقية لمشاكل مستعصية في اقتصاد فرنسي أصبح يعاني تبعات أزمة انكماش محتدمة وأثرت بشكل مباشر على سياسة التشغيل واستحداث مناصب الشغل ومنه التخفيف من نسبة التضخم التي ضربت القدرة الشرائية لعامة الفرنسيين في الصميم.

وفي شبه ندوة صحفية عقدوها أمس في شارع الشانزليزي أكد أحد نشطاء الحراك الباريسي بأن "الصدريات الصفر" سيواصلون مظاهراتهم الاحتجاجية كل سبت  طيلة العام 2019 في وقت كان عشرات المتظاهرين يرددون شعار: "ماكرون  ارحل" مانعين كل حركة سير في قلب العاصمة باريس.

وكانت السلطات الفرنسية اعتقلت مساء الاربعاء الماضي اريك درويي الذي تحول مع مرور الأسابيع الى متزعم "الصدريات الصفر" واحتجزته لعدة ساعات قبل إطلاق سراحه وسط تنديد من المحتجين وأحزاب المعارضة الفرنسية التي رأت في ذلك تكميم للأفواه وانتهاك لأدنى الحريات الجماعية والفردية.