”المساء” تتسلل إلى مذبح الحراش وتنقل وضعيته الكارثية
فوضى، انعدام النظافة، أميونت وخسائر بالملايين
- 1091
يعيش تجار مذبح الحراش وزملاؤهم، الذين التحقوا بهم مؤخرا من مذبح رويسو على الأعصاب، نتيجة الظروف السيئة والمتدهورة التي يمارسون فيها نشاطهم، والخسائر التي تكبّدوها في فترة وجيزة جدا، حيث لم يعد بإمكان الكثير منهم مواصلة نشاط تجارة اللحوم الحمراء التي ورثوها عن أجدادهم، كما وجد آخرون من العمال البسطاء أنفسهم في بطالة إجبارية، بعد أن فقدوا مهنة ”التشواط” وتنظيف البوزلوف التي كانوا يقومون بها في قاعة خاصة بمذبح رويسو، الذي كان يعدّ أكبر وأوّل سوق جملة للحوم على المستوى الوطني، فضلا عن مشكل انعدام النظافة الذي يؤثّر مباشرة على الصحة العمومية، كون قاعة الذبح متّصلة مباشرة بقاعة تنظيف الأحشاء، وهو ما يتعارض مع قواعد ممارسة هذا النشاط الهام.
الزائر لمذبح الحراش هذه الأيام، يلاحظ الفوضى العارمة التي يعرفها هذا المرفق، منذ غلق مذبح رويسو وتحويل عماله إلى هذا المكان الضيق جدا، الذي لا يستوعب نصف العمال المحوّلين إليه، غير أنّ أوّل ما يلفت الانتباه هو الحركة الكثيفة، ومشكل ركن المركبات وشاحنات التبريد ونقل الماشية واللحوم، حيث لا يجد التجار والزبائن مكانا يركنون فيه مركباتهم، بل يجدون صعوبة أيضا في الدخول إلى المذبح نظرا لضيق الطريق المؤدي إليه، وعادة ما يفاجأون بوضع كماشات في سياراتهم، مثلما لاحظناه في عين المكان، خاصة وأنّ المذبح يقع بجوار مقر الدرك الوطني بالحراش، حيث لا يكاد يصل الزبائن إلى المدخل الرئيسي للمذبح، حتى تتعالى الأصوات بأن أعوان الأمن يضعون الكماشات، ليجد هؤلاء أنفسهم في حيرة من أمرهم، إما إتمام المهمة ودفع المبلغ المطلوب لتحرير السيارة، أو العودة من حيث أتوا..
شباب في بطالة ومهن مرافقة تختفي
وبالرغم من ضرورة المهن المرافقة والإجبارية التي عادة ما تتم على مستوى المذابح، على غرار الذبح والسلخ والحدادة وتنظيف الأحشاء وتقطيع اللحوم، فإنّ هذه الأخيرة لم تجد لها مكانا بمذبح الحراش، بسبب ضيق المساحة وغياب قاعات خاصة بهذا النشاط، مثلما كان عليه الأمر بمذبح رويسو، حيث غابت رائحة ”البوزلوف” بعد أن فقد مئات الشباب هذا النشاط، حيث لجأ بعضهم لتدوين رقم هاتفه على جدران مجاورة للمذبح، لعلّ أحدهم يطلب خدماته، كما أصبح المكلّفون بتقطيع اللحم يعدون على الأصابع، بينما اقتصرت الحدادة على شخصين، أحدهما مواطن سوري أخذ مكانا له بجوار الإسطبل بمدخل المذبح، وجدناه منهمكا في عمله، غير أنّه توقّف بمجرد أن سألناه عن نشاطه، مشيرا إلى أنّه لم يعد يجني إلاّ القليل من المال، بعد أن فقد زبائنه منذ قدومه إلى الحراش، وشاطره الرأي زميله في المهنة الذي أكّد أنّ مهنة الحدادة وشحذ السكاكين لم تعد تجلب المال منذ التحاقهم بمذبح الحراش، وهو ما صرح به أيضا شاب لـ«المساء”، مشيرا إلى أنّه يقوم وبعض زملائه بالذبح في ظروف جد صعبة، خاصة عندما تتهاطل الأمطار، حيث تتسرب المياه إلى الداخل من السقف، ليختلط الحابل بالنابل، مثلما وصفه الشاب رياش جلال (يقوم بنفس المهمة منذ 15 سنة)، مؤكّدا أنّهم يعملون في ظروف سيئة جدا ويعانون كثيرا، كون الأمطار تتساقط فوق رؤوسهم وهم منهمكون في الذبح، عكس مذبح رويسو الذي كان يحوز كل تاجر على مربع خاص به ولديهم غرفة خاصة بتنظيف الأحشاء، وأخرى لتنظيف باقي أجزاء الخروف، وهي الامتيازات التي فقدوها، منهم عميد تجار الجملة للحوم عمي بوعلام الخير الذي يمارس هذا النشاط منذ سنة 1965، حيث أبدى غضبه الشديد لما آلت إليه الأوضاع، مؤكّدا أنّه متوقّف عن الذبح منذ قدومه للحراش، لعدم حيازته على مكان يسمح له بذلك هو وأمثاله من قدماء المهنة، مشيرا إلى أنّه كان يقدّم للبلدية أرباحا بحوالي 15 مليون سنتيم في الأسبوع، بينما لم يتمكّن من العمل حاليا لعدم وجود مساحة كافية والمخاطر الكبيرة التي تحيط بهم إضافة إلى غياب النظافة، داعيا الجهات الوصية للاطلاع عن كثب على المعاناة والخسائر الكبيرة المسجلة.
روائح كريهة وجرذان تصول وتجول بمكان الذبح
تركنا الغليان في الخارج وتسللنا إلى داخل المذبح، الذي وجدناه فعلا في وضعية كارثية، حيث حاول أعوان الأمن منعنا بالقوة من أخذ صور والحديث إلى العمال والتجار الذين أبدوا تضامنهم مع ”المساء”، وأصروا على نقل معاناتهم منذ تحويلهم إلى هذا المذبح الذي يشهد فوضى عارمة، فالروائح الكريهة تصل إلى مسافات بعيدة، بينما سيتأزم الوضع أكثر خلال شهر رمضان المعظم، مثلما أكدّه جميع من تحدثنا إليهم، غير أنّ القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة لهم، هو توقّف نشاط أغلبهم، بسبب ضيق المساحة التي تسمح بذبح 700 خروف يوميا، بينما تصل قدرة مذبح رويسو الذي تم غلقه إلى 3 آلاف رأس يوميا، ما يجعل الجمع بين عمال المذبحين في مكان واحد مستحيلا، حسبما صرح به لنا تاجر الجملة للحوم الحمراء صالح كحول، وهو ما ترجمته الفوضى التي لاحظناها والروائح الكريهة المنبعثة من داخله، بسبب ضيق غرفة تنظيف الأحشاء المتصلة مباشرة بقاعة الذبح، ما يشكّل خطرا حقيقيا على الصحة العمومية، وينعكس على سعر اللحوم، كما ذكره محدثنا، مؤكّدا أنّ هذا الوضع يؤدي إلى انتشار الميكروبات المتنقلة عند تنظيف الأحشاء والتصاقها باللحم الموجّه للاستهلاك، مشيرا في نفس الوقت إلى أنّ الوضع سيسوء أكثر في رمضان الذي يتم فيه ذبح 2500 خروف يوميا، فضلا عن مشاكل أخرى لا تقل خطورة كانتشار الجرذان الذي تحوّل إلى هاجس حقيقي بالنسبة للتجار، الذين عبّروا لـ«المساء” عن استيائهم وقلقهم، بعد أن اكتشفوا أنّ غرفة التبريد لا تصلح لحفظ اللحوم وعادة ما تتعطّل.
لحوم متعفّنة وظروف عمل سيئة
وانعكس على هذا الوضع على التجار الذين تكبّد بعضهم خسائر كبيرة في ظرف أسبوع فقط، مثلما أكده لـ«المساء”، تاجر الجملة سمير فتاش، الذي استغل فرصة تواجدنا لصب جم غضبه على المسؤولين لتحويلهم العمال إلى مذبح الحراش، مشيرا إلى أنّه خسر أكثر من 300 مليون سنتيم في أسبوع، بسبب انعدام وسائل التبريد وحفظ اللحوم التي تعفنّت، حيث أصبحت تحفظ لمدة نصف يوم عوضا من 21 يوما مثلما كان الأمر بمذبح رويسو، وتبقى مرمية خارج غرفة التبريد إلى غاية فسادها، حيث اتّهم المتحدث وزملاؤه، أطرافا بالتلاعب في منح مساحات للتجار الذين يواجهون لوحدهم الفوضى ومخاطر مادة الأميونت التي يتواجد منها 693 مترا مكعبا وانعدام النظافة والوسائل، حيث يتم ربط العجل بعد سلخه بالخيط لنقله إلى غرفة التبريد، وهذا يتسبّب في فساد اللحم، يحدث هذا في الوقت الذي تطالبهم فيه الجهات الوصية بالرسوم، المتمثّلة في 10 دج للكلغ الواحد من اللحم يدفعها التجار، و3 دج تستلمها مؤسسة تسيير المذابح مقابل استعمال الوسائل من غرف التبريد ومكان الذبح و12 دج لاستعمال الإسطبل، و2 بالمائة كضريبة على النشاط تمنح للبلدية، و9 بالمائة من الربح يدفعها أيضا التجار، وهي خدمات جد سيئة يعتزم المتضرّرون من العمال والتجار توجيه شكوى رسمية لمصالح ولاية الجزائر، للنظر فيها وتسهيل مهمتهم، من خلال تحسين ظروف الذبح والسلخ والحفظ، خاصة وأنّ مذبح الحراش لا يتوفّر على المقاييس الصحية لممارسة هذا النشاط، بالإضافة إلى افتقاره إلى مكان لتسويق اللحوم، ما انعكس على سعر اللحوم الذي شهد ارتفاعا حسب صالح كحول، وانتقل من 1250 دج للكلغ بالرويسو إلى 1280 للكلغ حاليا، بسبب المضاربة في السوق، بالإضافة إلى كوارث بيئية أخرى ومخالفة القواعد الصحية في الذبح.