في رسالة وجهها للشعب الجزائري
بوتفليقة يطلب المعذرة والصفح عن كل تقصير
- 561
وجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المنتهية عهدته رسالة إلى الشعب الجزائري ذكر فيها بما قام به خلال الفترة التي قضاها على رئاسة الدولة، طالبا من الجزائريين والجزائريات ”الـمسامحة والـمعذرة والصفح عن كل تقصير” ارتكبه في حقهم. وفيما يلي النص الكامل للرسالة:
«بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الـمرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أخواتي وإخواني الأعزّاء،
وأنا أغادر سدة الـمسؤولية وجب عليّ ألا أنهي مساري الرئاسي من دون أن أوافيكم بكتابي الأخير هذا وغايتي منه ألا أبرح الـمشهد السياسي الوطني على تناء بيننا يحرمني من التماس الصفح ممن قَصَّرت في حقهم من أبناء وطني وبناته، من حيث لا أدري رغم بالغ حرصي على أن أكون خادما لكل الجزائريين والجزائريات بلا تمييز أو استثناء.
الآن وقد أنهيت عهدتي الرابعة، أغادر سدة الـمسؤولية وأنا أستحضر ما تعاونا عليه بإخلاص وتفان، فأضفنا لبنات إلى صرح وطننا وحققنا ما جعلنا نبلغ بعض ما كنّا نتوق إليه من عزّة وكرامة بفضل كل من ساعدني من بناته وأبنائه البررة.
عما قريب، سيكون للجزائر رئيس جديد أرجو أن يعينه الله على مواصلة تحقيق آمال وطموحات بناتها وأبنائها الأباة، اعتمادا على صدق إخلاصهم وأكيد عزمهم على الـمشاركة الجادة الحسية الـملـموسة، من الآن فصاعدا، في مواصلة بناء بلادهم بالتشمير على سواعدهم وبسداد أفكارهم ويقظتهم الـمواطنية.
أجل، رغم الظروف الـمحتقنة منذ 22 فبراير الـماضي، أحمد الله على أنّي ما زلت كلي أمل أن الـمسيرة الوطنية لن تتوقف وسيأتي من سيواصل قيادتها نحو آفاق التقدم والازدهار مـولِيّا، وهذا رجائي، رعاية خاصة لتمكين فئتي الشباب والنّساء من الوصول إلى الوظائف السياسية والبرلمانية والإدارية، ذلك أن ثقتي كبيرة في قدرتهما على الـمساهمة في مغالبة ما يواجه الوطن من تحديات وفي بناء مستقبله.
أخواتي، إخواني،
إن كوني أصبحت اليوم واحدا من عامة الـمواطنين لا يمنعني من حق الافتخار بإسهامي في دخول الجزائر في القرن الحادي والعشرين، وهي في حال أفضل من الذي كانت عليه من ذي قبل، ومن حقي التنويه بما تحقق للشعب الجزائري الذي شرّفني برئاسته مدة عشرين سنة، من تقدم مشهود في جميع المجالات.
لما كان لكل أجل كتاب، أخاطبكم مودعا وليس من السهل عليّ التعبير عن حقيقة مشاعري نحوكم و صدق إحساسي تجاهكم ذلك أن في جوانحي مشاعر وأحاسيس لا أستطيع الإفصاح عنها و كلماتي قاصرة عن مكافأة ما لقيته من الغالبية العظمى منكم من أياد بيضاء ومن دلائل الـمحبّة والتكريم.
لقد تطوعت لرئاسة بلادنا استكمالا لتلك المهام التي أعانني الله على الاضطلاع بها منذ أن انخرطت جنديا في جيش التحرير الوطني الـجيد إلى الـمرحلة الأولى ما بعد الاستقلال وفاء لعهد شهدائنا الأبرار، وسلخت مما كتب لي الله أن أعيشه إلى حد الآن عشرين سنة في خدمتكم، والله يعلم أنّني كنت صادقا و مخلصا، مرت أيام وسنوات كانت تارة عجافا وتارة سنوات رغد، سنوات مضت وخلّفت ما خلّفت مما أرضاكم ومما لم يرضكم من أعمالي غير الـمعصومة من الخطأ والزلل.
ولـما كان دوام الحال من الـمحال وهذه هي سنّة الحياة، ولن تجد لسنّة الله تبديلا ولا لقضائه مردا وتحويلا، أغادر الساحة السياسية وأنا غير حزين و لا خائف على مستقبل بلادنا، بل أنا على ثقة بأنكم ستواصلون مع قيادتكم الجديدة مسيرة الإصلاح والبذل والعطاء على الوجه الذي يجلب لبلادنا الـمزيد من
الرفاه والأمن بفضل ما لـمسته لدى شبابنا، قلب أمّتنا النّابض من توثب وإقدام وطموح وتفاؤل.
أخواتي، إخواني،
كنتم خير الإخوة و الأخوات وخير الأعوان و خير الرفاق، وقضيت معكم، وبين ظهرانيكم، أخصب سنوات عطائي لبلادنا، ولن يعني لزوم بيتي بعد اليوم قطع وشائج الـمحبّة والوصال بيننا، و لن يعني رمي ذكرياتي معكم في مهب النّسيان و قد كنتم وستبقون، تسكنون أبدا في سويداء قلبي.
أشكركم جميعا على أغلى ما غنمت من رئاستي لبلادنا من مشاعر الفخر والاعتزاز التي أنعمتم بها عليّ، وكانت حافزي على خدمتكم في حال عافيتي وحتى في حال اعتلالي.
أطلب منكم وأنا بشر غير منزّه عن الخطأ، الـمسامحة والـمعذرة والصفح عن كل تقصير ارتكبته في حقكم بكلمة أو بفعل، وأطلب منكم أن تظلوا مُـوَفِّيـنَ الاحتفاء والتبجيل لـمن قضوا نحبهم، ولـمن ينتظرون من صنّاع معجزة تحريرنا الوطني، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تكونوا في مستوى مسؤولية صون أمانة شهدائنا الأبرار.
«من الـمؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا”. صدق الله العظيم.
aps