أشرف عليه وكتب مقدمته ياسين سليماني

صدور كتاب ”تلغيم الفن”

صدور كتاب ”تلغيم الفن”
كتاب ”تلغيم الفن”
  • 1601
❊ لطيفة داريب ❊ لطيفة داريب

كشف الكاتب ياسين سليماني لـ«المساء، عن صدور كتاب تلغيم الفن الذي أشرف عليه وكتب مقدمته، مضيفا أنه عبارة عن عمل جماعي من إنجاز مجموعة باحثين من الجزائر ومصر، صدر في طبعة أنيقة عن دار نور حوران في دمشق هذا الشهر، وسيكون حاضرا في معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، قبل أن يشارك في معارض الكتاب الأخرى في الوطن العربي، بما فيها الجزائر.

أشار الكاتب ياسين سليماني إلى تناول الكتاب مصطلح التحيز الذي انشر في الدراسات الفلسفية، غير أنه لأول مرة يتم جذبه إلى ساحة الاشتغال النقدي في المسرح، خاصة أن مفهوم التحيز ارتبط بالبحث العلمي، فظهر على النحو الذي بدا فيه معارضا للموضوعية، غير أن المفهوم أصبح له دلالة إيجابية في الفلسفة المعاصرة، خاصة لدى هيدجر وجادامر.

أضاف أن هيدجر استطاع أن يكشف عن الارتباط الماهوي بين الذات والظروف المحددة لها عن طريق ما أسماه البنية المسبقة. وهي البنية الناجمة عن مقولة الوجود ـ في ـ العالم، فالإنسان لا يمكن أن يحيا متحررا من ظروف الزمان والمكان، ومن ثمة، لا معنى للحديث عن ذات محايدة تنشد المعرفة الموضوعية. مشيرا إلى أنه على نفس الطريق سار جادامر، الذي طور فكرة البنية المسبقة لتكون الوعي المنفعل تاريخيا، وقام بتوظيفها في سياق مشروعه التأويلي الفلسفي، لتكون واحدة من أهم المنطلقات الفكرية الضرورية لعملية الفهم. وهي العملية التي لا يمكن أن تحدث ـ وفقا لجادامر ـ بمعزل عن الظروف التاريخية المحيطة بالنص من ناحية، وبالقارئ القائم بعملية التأويل من ناحية أخرى.

كما أكد الكاتب أن الفضل في استخدام مصطلح التحيّز على مستوى العالم العربي، يعود إلى المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، الذي حاول من خلال منجزه المعرفي أن يقدم رؤية خاصة للثقافة والمعرفة والعالم. وهو يعني اختصارا بتعريف الرجل نفسه وجود تصورات مسبقة عن موضوع البحث نابعة من بيئة وثقافة الباحث، وهو أمر متأصل وكامن في كل مناهج البحث وتصورات الفلسفة والتحليل ومعطيات الثقافة والفكر، وأنه لا مفر منه.

كتب  ياسين سليماني أن التحيز هو الميل إلى تأييد نظرية أو فرضية أو رفضها، بناء على حكم مسبق صادر من الإنسان على قضية ما قبل الولوج في هذه القضية أو دراستها. والتحيز كما يرى المسيري، يظل في صميم المعطى الإنساني ومرتبط بإنسانية الإنسان، أي بوجوده ككائن غير طبيعي، فكل ما هو إنساني يحوي قدرا من التفرد والذاتية، ومن ثمة التحيّز. وإذا عرّفنا الحضارة بأنها كل ما صنعته يد الإنسان في مقابل ما يوجد جاهزا في الطبيعة، فإن الثقافي بالضرورة متحيّز،

وأضاف أن الفنون واحدة من أكثر المجالات التي يمكن أن يكون للتحيز فيها تمظهر واضح بدلالات شديدة التعقيد والأهمية على حد سواء، بوصفها نتاجا لتفكير الإنسان ورؤيته للوجود والحياة والعالم، وفي المسرح ـ كواحد من هذه الفنون- الذي يحوز على قيمة كبرى منذ بداياته الأولى في التربة اليونانية إلى أفق هذا القرن، بما يشتمل عليه من زخم واختلاف على كل الأصعدة، وما يحويه من فنون تجتمع فيه دون سواه يكون التحيز متضمنا في لحظة التمسرح ”la théatralisation” انطلاقا من النص إلى العرض والمتلقي (الجمهور).

لهذا -يضيف الباحث- طرح الكتاب مجموعة إشكاليات من قبيل: دلالات هذا المفهوم وتمظهراته في الفنون الكتابية، السمعية والبصرية، وكيف يظهر التحيز في المسرح؟ وإذا كانت هذه الأسئلة مشروع انطلاق كمقدمة عامة لبحث طويل، فإن أبوابا عديدة يمكنها أن تنفتح على هذا المفهوم وتعرجاته ونتوءاته، هذا المفهوم بدلالاته وتمظهراته وتعقيداته في المسرح في العالم، يقدمها باحثون عرب برؤى وزوايا مختلفة.

كما حاولت المقاربات التي تضمنها هذا الكتاب، أن تسائل النصوص المسرحية على اختلاف بيئاتها ابتداء من اختيارها لنموذج من الأعمال التأسيسية التي يعود لها الفضل في انفتاح الإنسان على المسرح، وصولا إلى نماذج المسرح المعاصر الذي أبدع في تجريب آفاق كتابة لها مساراتها شديدة التعقيد وأشكالها كثيرة التنوع، لذلك فإننا نجد تعقّل الظاهرة المسرحية على اختلاف هذه النماذج ضرورة أساسية في أية انتباهة للمسرح، لمعرفة المنطلقات ـ كما ذكرنا ـ ولفهم الدلالات التي يجري استثمارها في معظم التحيزات. المقاربات التالية ستتساءل إن كان المسرح يقف كما يجب أن يكون عليه الفن باقيا على عقيدته النقدية، في توجيه الأنظار إلى الممارسات الإنسانية على اختلافها وتشعبها وتوسيع قواعد الجمال، والتنبيه إلى فضائع القبح وخطابه المنغلق، والدعوة إلى الانفتاح والتشاركية بعيدا عن هشاشة الوضع العام الذي يساهم في إذكاء روح التفكك، وتقليص الدور الهام للإنسان الهيوماني، كما يعبّر المسيري في بعض تآليفه، أم أن هذا الفن النبيل قد انزلق ضمن ما ينزلق إليه نوع من التفكير في هوس الشعبوية واللاانتماء، وكسر المنجز الإنساني التقدمي بالدعوة إلى أفكار رجعية حاولت المدنية المعاصرة أن تتخطاها.

اختتم كلامه بأن هذه الكتابات البحثية نفسها محاولة طرح أسئلة لم تكن في صلب الممارسة النقدية العربية دون أن تدّعي لنفسها الكمال، ولا الإجابة النهائية، ولا الاستحواذ على الحقيقة التي ستظل غائبة حتى وإن آمنا أننا اقتربنا منها ووقفنا بجوارها، وهذا ما يجعل من محرر الكتاب والباحثين من قبله وبعده، يصرون على توطيد الجهود وتكاتفها في بناء هذا الكتاب، بحيث تكون للآراء فسحة في الاختلاف والتنوع ضمن مظلة البحث الواسعة، لتقليب الظاهرة أو الظواهر المسرحية من وجهاتها المختلفة.