الذكرى التاسعة والعشرون لوفاة العلامة أبي حفص الزموري

الإمام القدوة في خدمة البلاد والعباد

الإمام القدوة في خدمة البلاد والعباد
الذكرى التاسعة والعشرون لوفاة العلامة أبي حفص الزموري
  • 1904
س. ع س. ع

احتضنت دار الإمام بالمحمدية بالجزائر العاصمة، صباح الخميس المنصرم، ذكرى وفاة العلامة الشيخ عمر أبي حفص الزموري، رحمه الله في طبعتها التاسعة والعشرين بحضور مجموعة من الأساتذة المحاضرين وعلى رأسهم الأستاذين بلقاسم آيت حمو وعبد الرحمان أبو حفص (نجل الشيخ). كما تابع الندوة مجموعة من الأئمة الشباب الذين صادفت الندوة موعد إجرائهم امتحانا نظم بدار الإمام، حيث أبرز المحاضرون في تدخلاتهم جوانب مضيئة من حياه العلامة وغزارة علمه وإحاطته بعلوم عصره، وكيف كانت حياته مثالا يقتدى به في طلب العلم رغم الفقر واليتم.

وفي عرضه لحياته أوضح بلقاسم آيت حمو أن الشيخ عمر ابو حفص الزموري ولد في سنة 1334 هـ (1913 م) وتوفي أبوه أبو حفص فتركه يتيما في نحو السابع من السنين، فكفله أخوه الفاضل الحامل للقرآن الكريم محمد وأيضا السيد علي وهو ابن عم الأب وكان معلما للقرآن الكريم، فتناوبا في الكفالة والتعليم إلا أن غالب الكفالة للأخ، وغالب التعليم لابن العم.

ولما حفظ القرآن الكريم تعلق قلبه بالبحث عن العلم، وفي هذا يقول عن نفسه: فكنت أسمع من العامة تعظيم شيخنا الكبير العلامة الشهير الحفاظة الفهامة ذي التدقيقات العجيبة، والنقول الصحيحة السيد أحمد بن السيد الحسين بن قدور، المتوفّى في أوائل رجب من العام الخامس والخمسين من القرن الرابع عشر من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، من عائلة مشهورة بوراثة العلم، يحفظ مجموع المتون حفظا صحيحا، وكتب عليه تقريرات كشرح، وكتب أيضا على التسهيل، وكان دائما يطالع كتاب الإمام سيبويه، وبالجملة فهو في النحو والتصريف لا يجارى بل في جميع العلوم.

ويستمر الزموري في إضفاء إرشادات وأوصاف علمية وتبجيلية على أستاذه أحمد بن الحسين بن قدور، لأنه كان سبباً في سعادته، وجعل يلازمه حتى إنه لكان يحفظ متوناً كثيرة وفي شتى العلوم العقلية والنقلية مما كان الشيخ يحرّر بخط يده، ولما وثق بسعة علمه وضلاعة تحصيله أجازه بخطه. ويقول الشيخ أبو حفص أن أستاذه أحمد بن الحسين بن قدور ودعا لي وقال لي: إن البعض قالوا لي كيف يعلم فلان بحضرتك؟! فقلت لهم: لو كان لي وقت لذهبت لأتعلم عليه.. وقال له أيضا ألا ترى السموم في عيون حاسدك؟ فأجابه الشيخ: ألا ترى أن الله جعل كيدهم في نحورهم؟

ويضيف الاستاذ آيت حمو في عرض سيرة أبي حفص الزموري أنه زاول التدريس في عدة مدارس ومساجد وزوايا منها: زاوية الجعافرة (برج بوعريريج)، مسجد توررين ببني عيذل (سطيف)، زاوية الحاج أحسن الطرابلسي (عنابة)، زاوية شلاطة وزاوية سيدي موسى نتنبدار (بجاية)، وادي زناتي (قالمة) وبعين فكرون (أم البواقي)، وزاويته بقرية أجداده زمورة المحروسة، ثم بمسجد سيدي رمضان بحي القصبة بالعاصمة.

ومن مؤلفاته المطبوعة نذكر فتح اللطيف في التصريف على البسط والتعريف”567’ (3 طبعات)، ثم المجموعات الأولى والثانية والثالثة من رسائله المخصصة لفضل الدعاء ومطلوبيته، ثم أبواب الجنان وفيض الرحمن في الصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد ولد عدنان صلى الله عليه وآله وسلم و«ما يفعل الحاج على مذهب الإمام مالك.

وعلى إثر الإمام مالك رضي الله عنه يقول عبد الرحمان أبو حفص (نجل العلامة) إن والده كان ملتزما المذهب المالكي ولم يفت خارجه إلا مرتين أو ثلاث للضرورة وأنه أوصى بأن لا يؤخذ عنه بهذا الاستثناء حتى لا يفتح المجال للخروج عن مذهب الإمام مالك. وكان للعلامة إسهام مشهود به في ثورة نوفمبر الخالدة، إذ كان مكلفا من طرف المجاهدين باصدار فتاوى وإصلاح ذات البين، ولطالما تغيّب عن أهله في مثل هذه المهام النبيلة.

كما كان له الفضل في تكوين رجالات الثورة، أمثال العقيد صالح بوبندير المعروف بصوت العرب، قائد الولاية الثانية التاريخية، والأستاذ عبد الحميد مهري، والشهيد حسن شطايبي رحمة الله عليهم، وآخرين من الذين كوّنهم في مدرسة التهذيب بوادي الزناتي ولاية قالمة. وواصل الشيخ جهاده الأكبر في التكوين وتربية المريدين بعد استعادة السيادة الوطنية، حيث تخرّج على يديه العديد من إطارات الدولة، إلى غاية انتقاله إلى جوار ربه في عام 1990.