تأجيل تنصيب الهياكل إلى الدورة القادمة
خطوة أخرى في مسار تفعيل دور البرلمان وتكريس التغيير
- 777
تأجلت عملية تجديد هياكل المجلس الشعبي الوطني، إلى غاية افتتاح الدورة البرلمانية المبرمجة شهر سبتمبر الداخل، بالنظر للمشاكل التي عرفها المجلس في الفترة الأخيرة على خلفية حملة تنحية الرئيس السابق معاذ بوشارب وآثارها على نوعية النواب المؤهلين لترؤس الهياكل البرلمانية في المستقبل، لا سيما السيادية منها وكذا تلك التي ستلعب دورا هاما في المرحلة القادمة وينتظر منها أن تكون في مستوى الرهانات الكبيرة المطروحة أمام الهيئة، أبرزها تمرير مشاريع قوانين مفصلية، أهمها مشروع الهيئة الوطنية للإشراف على تنظيم الانتخابات ومراقبتها وتعديل قانون الانتخابات ومشروع قانون المالية لسنة 2020.
ألقت المشاكل الكثيرة التي عرفها المجلس الشعبي الوطني، منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فيفري الماضي، بظلالها على عملية تنصيب هياكل المجلس والتي أجلت إلى غاية استكمال ترتيب الغرفة السفلى للبرلمان وتحضيرها تدريجيا حتى تكون في مستوى تطلعات وأهداف الحراك الشعبي.
كما أجلت عملية تنصيب الهياكل هذه المرة، بسبب عملية استخلاف 13 نائب بين متوفي ومستقيل من المجلس منذ بداية الحراك الشعبي وحالة تخص تطبيق حالة التنافي، حيث صدر في العدد الاخير للجريدة الرسمية أسماء النواب الذين سيخلفون النواب المعنيين، إلا أن عملية التنصيب لم تتم.
وعلى هذا الأساس، برمجت عملية تجديد الهياكل، التي كان من المفترض أن تتم قبل نهاية الدورة الاخيرة في شهر جوان المنصرم، إلى غاية افتتاح الدورة القادمة المزمع مطلع شهر سبتمبر القادم، كخطوة ثانية في مرحلة إعادة بناء المؤسسة التشريعية، بعد الخطوة الأولى المتمثلة في عملية انتخاب الرئيس الجديد للبرلمان، سليمان شنين من قبل نواب المجلس من موالاة ومعارضة مع مقاطعة الأقلية منهم.
ويعلق نواب الشعب أمالهم مستقبلا على دور الهياكل البرلمانية الجديدة التي من المفترض أن تبرز في قياداتها كفاءات من ضمن النواب الحاملين لمشروع التغيير والمؤمنين بقضايا الشعب، خاصة وأن هذه اللجان ستكون في قادم الأيام، مهندسة جميع التعديلات ومشاريع النصوص الجديدة التي سيشتغل عليها البرلمان وفي مقدمتها مشروع الهيئة الوطنية للإشراف على تنظيم الانتخابات التي تعد مربط الفرس في العملية الانتخابية القادمة والعامل الضامن لشفافيتها، فضلا عن مشروع تعديل قانون الانتخابات ومعالجة مشروع ميزانية 2020 الذي يتزامن عرضه هو الأخر، مع ظرف اقتصادي وسياسي جد استثنائي تعيشه الجزائر.
وحتى وإن كان حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، في طليعة الأحزاب الممثلة في المؤسسة التشريعية بتمثيلهم للأغلبية البرلمانية، إلا أنه المرتقب أن يكون للمعارضة وللتشكيلات الأخرى نصيبا معتبرا في الهياكل يسمح لها في التموقع في مناصب اتخاذ القرار على مستوى اللجان البرلمانية، في مشهد قد يخالف العرف الذي درج عليه البرلمان المعروف بتولي نواب الأغلبية البرلمانية لرئاسة اهم اللجان السيادية، كلجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات كون هذه الاخيرة تعني بمناقشة وفحص مشروع تشكيل الهيئة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات، شأنها شأن لجنة المالية والميزانية التي سيوكل لها إعداد مشروع قانون المالية لـ2020، فضلا عن لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتخطيط ولجنة الشؤون الخارجية ولجنة الدفاع الوطني ولجنة التربية الوطنية، التي تعتبر في مجملها من اللجان الهامة داخل البرلمان.
وبإمكان السلطة مواصلة سياسة فسح المجال للمعارضة في اشراكها في القرار السياسي داخل المؤسسة التشريعية من خلال تمكين الكفاءات، بغض النظر عن لونها السياسي في تولي المناصب داخل الهياكل على غرار مع حدث مع رئاسة المجلس التي عادت لحركة البناء الوطني، التي تعد من الأقلية في البرلمان.
ولعل ما سيسهل تحقيق هذا المقصد هو كون عملية تجديد هياكل تخضع لنظام الانتخاب السري ما يمكن أن يكرر مشهد تزكية نواب من المعارضة مثلما تم مع تزكية سليمان شنين رئيسا للمجلس، فيما تبقى عملية تعيين رؤساء الكتل البرلمانية خاضعة لفرارات قيادات التشكيلات السياسية.
عمليا، يحوز الأفلان حاليا على أغلبية المناصب، بداية بمكتب المجلس الشعبي الوطني متبوعا بالأرندي، كما يحوز على غالبية المناصب في اللجان الدائمة البالغ عددها 12 لجنة، أبرزها لجنة الشؤون القانونية والادارية والحريات، لجنة المالية والميزانية، لجنة الفلاحة، لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية ولجنة الصحة والشؤون الاجتماعية، فيما يرأس الأرندي هو الأخر لجانا مهمة، منها مثلا لجنة الدفاع الوطني، ولجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية ولجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والتخطيط والصناعة، فيما تحوز تشكيلات أخرى على باقي اللجان، منها لجنة النقل والمواصلات السلكية ولجنة السياحة والسكن والتجهيز ولجنة الشباب والرياضة والثقافة، وذلك وفقا لتوزيع عدد النواب داخل المجلس وأهمية كل لجنة.
وجرت العادة أن يقوم بعض النواب من أصحاب النفوذ والمال بتسخير علاقاتهم ووزنهم وحتى أموالهم، من أجل التموقع في الهياكل البرلمانية، بما يخدم أجنداتهم، حيث كانت لجنتا المالية والميزانية والشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتخطيط، مثلا مسرحا لتعديلات في مشاريع نصوص قوانين تصب في خدمة مصالح رجال المال والأعمال في الفترة الأخيرة.
ومع بداية بروز أولى ثمار رياح التغيير على المؤسسة التشريعية بانتخاب رئيس جديد من المعارضة، ينتظر أن تتواصل مكاسب هذه الأخيرة، في الفترة القادمة من خلال تمكينها في مناصب هامة داخل الهياكل بما يتيح لهذه المعارضة ولمؤسسة البرلمان عامة، إمكانية لعب دور فعال في تحديد نوعية المشاريع القادمة وترك بصمات التغيير المنشود ومواكبة مطالب الشعب المعبر عنها في إطار الحراك، ومن ثمة مسح الصورة القاتمة التي لحقت بالبرلمان الذي ظل ينظر إليه في السابق على أنه مجرد مكتب لتسجيل مشاريع الحكومة.