انتخابات الرئاسة التونسية

قيس سعيد يحقق نصرا خرافيا

قيس سعيد يحقق نصرا خرافيا
  • 966
م. مرشدي م. مرشدي

تعهد قيس سعيد، المرشح الفائز بانتخابات الرئاسة التونسية أمس، بأن يكون رئيسا لكل التونسيين والعمل خلال عهدته على تطبيق القانون على الجميع ودون استثناء بما فيه هو نفسه.

وأكد أن إرادة الشعب سترتقي إلى مستوى القرارات التي سيتخذها لاحقا بقناعة أن تونس دخلت مرحلة تاريخية جديدة تستدعي من الجميع رفع كل التحديات وخاصة  الاقتصادية والاجتماعية، على اعتبار أن الشعب التونسي ينتظر حلولا فورية في هذا المجال.

وقال إن علاقة التونسيين، رؤساء ومرؤوسين ستبنى من الآن فصاعدا على الثقة والحرص على تجديد الثقة  بين الحكام والمحكومين، في إطار قوانين الجمهورية التونسية لبناء تونس جديدة تعكس إرادة الشعب  ومتطلباته التي رفعها خلال ثورته الأخيرة.

وجاءت الكلمة الجامعة التي وجهها أستاذ القانون الدستوري والمرشح حديث العهد بالسياسية المستقل والأستاذ الجامعي قيس سعيد، بعد فوزه التاريخي على منافسه ورجل الأعمال المعروف نبيل القروي، في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المسبقة.

وأكدت النتائج النهائية الرسمية التي أعلنت عنها  اللجنة العليا للانتخابات التونسية عن فوز قيس سعيد بـ72,71 بالمائة بعد حصوله على 2,77 مليون صوت مقابل مليون صوت لمنافسه رجل الأعمال نبيل القروي، بينما بلغت نسبة المشاركة 55 بالمائة من  إجمالي عدد ناخبين فاق 7 ملايين مسجل.

ولم تنتظر مراكز إجراء عمليات سبر الآراء إعلان اللجنة العليا المستقلة عن النتائج الرسمية، وأكدت فوز قيس سعيد "61 عاما" بهذا الاستحقاق ليكون ثاني رئيس يتم اختياره عبر انتخابات مباشرة بعد الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.

وتمكن قيس سعيد، من تحقيق هذه النتيجة رغم حداثة عهده بالسياسة مقارنة بوجوه سياسية  خاضت معه منافسة الدور الأول منتصف الشهر الماضي، وحتى برجل الأعمال نبيل القروي، الذي صنع لنفسه صورة إعلامية عبر وسائل الإعلام التي يمتلكها وأيضا بمشاريعه الاستثمارية الضخمة، وكذا اهتمامه في السنوات الأخيرة بساكنة القرى النائية عبر مشاريع محلية وعائلية.

ومكنته هذه الطريقة في الاستقطاب وكسب ود الناخبين من الفوز بالمرتبة الثانية في انتخابات الدور الأول حتى وهو داخل السجن، ولكنها وسيلة لم تكن كافية لتغليب كفة المنافسة لصالحه خلال أمام منافسه قيس سعيد، خلال الدور الثاني أول أمس. ورغم أن قيس سعيد، لم يخض حملة انتخابية تضامنا مع منافسه المسجون ضمن مبدأ تكافؤ الفرص الانتخابية، إلا انه تمكن من تحقيق فوزه الساحق الذي أخلط بفضله كل النظريات السياسية وحتى أوراق مختلف الأحزاب التونسية التقليدية التي انهارت أمام شعبية أستاذ جامعي اكتسبها في زمن قياسي، وهو الذي لم يكن معروفا قبل شهرين من موعد الانتخابات الرئاسية.

ولكن خطابه السلس وأفكاره الواقعية ومشاريعه ووعوده جعلت شرائح واسعة في المجتمع  التونسي تحتضنه بعد أن آمنت بأفكاره ورأت فيه الرجل القادر على إعادة بعث تونس على طريق ثالوث، "الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحرية".

وهو ما يفسر تلقف الشباب التونسي لأفكاره التي كان يسوقها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو الاتصال المباشر ضمن طريقة ابتعدت عن الأساليب القديمة في إيصال الأفكار الانتخابية داخل القاعات المغلقة أو التجمعات الجماهيرية المفتوحة.

وكان واضحا منذ نتيجة الدور الأول أن رجل القانون الدستوري المتحكم في عباراته اللغوية عرف كيف يوصل فكرته، وهو الذي لم يكن ربما يؤمن أنه سيكون الرئيس التونسي القادم أمام وجوه مارست السياسة وخباياها وحتى مكائدها.

ورغم أن خصومه ألصقوا به صفة الإسلامي المحافظ والتقليدي إلا أن ذلك لم يكن ليؤثر على درجة شعبيته، بل إنها نعوت زادت إلى النقيض من ذلك في اهتمام الناخبين بأفكاره التي تبنّوها وجعلتهم يصوتون لصالحه وبالنسبة التي لم تكن منتظرة.

وعكس خروج آلاف التونسيين إلى شارع بورقيبة أهم شوارع العاصمة التونسية للتعبير عن فرحتهم بانتصار مرشحهم، درجة الشعبية التي أصبح يحظى بها هذا الرجل الذي تمكن من كسب قلوبهم عبر تواضعه وزهده، وأفكاره المستمدة من عمق المجتمع التونسي عكست تطلعات جل شرائحه. 

ويمكن القول إن قيس سعيد، كان ذكيا في تسويق أفكاره الانتخابية عندما ركز على حاجة الشعب التونسي إلى العدالة وتكافؤ فرص والحرية، مما مكّنه من تحقيق رهانه "الخرافي" في الوصول إلى كرسي قصر قرطاج الرئاسي، لأنه كان متيقنا أن عامة التونسيين إنما افتقدوا في حياتهم  نعمة الحرية والعدالة منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، مما جعلهم يخرجون في مظاهرات صاخبة نهاية سنة 2010 ضد نظام خلفته زين العابدين بن علي، الذي كرس الحيف والفوارق الاجتماعية.

ولذلك فإنه لم يكن من الصدفة أن يصوت له 90 بالمائة من الشباب التونسي،  لأنهم رأوا فيه المنقذ الذي بإمكانه إخراج تونس من حالة تيهان استمرت على مدى عقود من الزمن.

ولكن قيس سعيد، وبعد انتهاء نشوة الفرحة بهذا الإنجاز التاريخي سيدخل معترك المواجهة المفتوحة أمام سيل المشاكل التي تتخبط فيها تونس، مجتمعا وهيئات وإدارة واقتصاد وهي معركة حقيقية قد يتمكن في كسب رهان إصلاحها، كما يمكن أن الفشل في تحقيقها في ظل حالة ركود وكساد اقتصادي كانت نتيجة حتمية لثورة شعبية، بما يستدعي إعادة بعث الروح إلى دواليب آلة إنتاج معطلة  كضرورة حتمية لإحداث إقلاع اقتصادي، من شأنه تحقيق الرفاه الذي يأمل كل تونسي أن يعيش في كنفه.