بيان الفاتح نوفمبر

وثيقة دستورية بامتياز

وثيقة دستورية بامتياز
  • 2235
 م. أجاوت م. أجاوت

أضحت ذكرى الفاتح نوفمبر 1954، محطة خالدة، ساهمت بشكل كبير في التمسّك بقيم وحدة الصف والكلمة بين أفراد الشعب في مجال الكفاح من أجل الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية، حيث كرّست الأهداف الداخلية لبيان هذه الذكرى في تطهير الوضع السياسي، والعودة إلى النهج الصحيح، لا سيما في ما يتعلق بالقضاء على كل مخلّفات الفساد، وهو ما صاحب بشكل بارز، مسيرات الحراك الشعبي منذ 22 فيفري الماضي، وتجسّد أكثر في مساعي السلطات من أجل التغيير والإصلاحات السياسية العميقة، كما ألهم هذه الهبّة الشعبية الرؤية السديدة والعزيمة القوية.

ويرى مجاهدون وأكاديميون وباحثون في تاريخ الثورة والحركة الوطنية، أن قيم ومبادئ وأهداف بيان أول نوفمبر، كان لها الأثر البارز في الدفاع عن مكتسبات الأمة والوحدة الوطنية والحث على التعبير السلمي؛ الأمر الذي انعكس في الحراك الشعبي منذ بدايته، وهذا من خلال المطالب والشعارات المرفوعة المطالبة بالوحدة الوطنية وعدم التفرقة والعنصرية، وضرورة التغيير السياسي السلمي، إضافة إلى محاربة الفساد والمفسدين وإحقاق العدالة وإرساء دولة القانون.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية (باحث في تاريخ الحركة الوطنية) عامر رخيلة، أن فحوى الوثيقة التاريخية التي وقّعت شهادة ميلاد اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، تجسَّد بقوة ميدانيا بعد أن  حددت الأهداف السياسية للثورة، ورسمت بوضوح معالم الاستراتيجية الثورية، مشيرا إلى أن هذا البيان لم يقص أي طرف أو شريحة أو فئة، بدليل أنه خاطب بشكل مباشر، كل الجزائريين على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم للانضمام للثورة، وهو ما يتشابه إلى حد كبير، مع واقع الحراك الشعبي اليوم، الذي لم يستثن ولم يقص أي طرف أو فئة رغم انتماءاتها وقناعاتها السياسية. كما أن مشاركة المواطنين كانت بشكل طوعي وعفوي بدون التهيكل في منظمات أو تشكيلات سياسية، وهو ما حرص عليه البيان، حيث كان الانضمام للثورة بشكل فردي، ولم ينضو تحت أي غطاء. وأضاف رخيلة في هذا الصدد، أن هذه "العقيدة الجامعة" تُعد نقطة جوهرية في تلك الفترة، لتفادي الصراعات والخلافات التي كانت السبب في حل حزب الشعب. كما كان حرص الحراك على هذا الموضوع كبيرا في سبيل تحقيق الأهداف المسطرة، مع الحرص على فكرة السلمية بعيدا عن العنف والتخريب، وعدم المساس بمؤسسات الدولة أو أي طرف كان.

وذكّر الأكاديمي في هذا السياق، بالهدف الأسمى لبيان أول نوفمبر 1954 المتعلق بالاستقلال، باعتبار ذلك ضرورة ملحّة لها ارتباط وثيق بإرادة مختلف شرائح الشعب في التطلع للحرية والتحرر من الاستعمار، وذلك عبر آليتين رئيستين، تتمثلان في إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية والاجتماعية ذات السيادة، ضمن المبادئ الإسلامية، إلى جانب احترام جميع الحريات الأساسية بدون تمييز عرقي أو ديني أو لغوي، موضحا أن هذا الهدف يتقارب مع الهدف الرئيس للحراك الشعبي، القائم على ضرورة التغيير الشامل، والوقوف بالمرصاد للفساد ومتابعة المفسدين، ناهيك عن التمسك بمطلب إرساء مبادئ الجمهورية الثانية، مع التأكيد على اللحمة الوطنية، وعدم التفريق بين أفراد الشعب الواحد.

ومن جهته، أكد عضو الحركة الوطنية وحزب الشعب المجاهد حسان بن بلقاسم، أن الأهداف الداخلية للبيان تتعلّق أساسا بالإصلاح السياسي والوحدة الوطنية القائم على التطهير السياسي؛ من خلال العمل على إعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي، والقضاء على جميع مخلفات الفساد التي كانت مطروحة قبل 1954، والتي عملت الإدارة الفرنسية على تكريسها لتحقيق انقسام أفراد الشعب، موضحا أنه تم تدارك هذا المشكل  خلال فترة اندلاع الثورة التحريرية. وأضاف السيد بن بلقاسم في هذا الصدد، أن بيان نوفمبر كان حريصا أشد الحرص على إتاحة الفرصة لجميع الجزائريين من مختلف الطبقات والأحزاب والحركات... للانضمام إلى الثورة والكفاح ضد المستعمر بدون أدنى اعتبار يُذكر، نافيا أي محاولة إقصاء لأي طرف أو هيئة أو منظمة على حساب أخرى، ومشيرا إلى أن الخطاب العام في هذا المجال، لم يكن عفويا أو صياغة لغوية أملتها المستلزمات البيانية لنص البيان، وإنما كان المنطلق من حقيقة أن هناك شعبا قائما بذاته وله كل المسؤولية في إبداء رأيه في القضايا المصيرية للأمة.

كما يرى المجاهد محمد أمقران الهاشمي (عضو مكتب قسمة المجاهدين ببئر مراد رايس بالعاصمة)، أن مضمون بيان الفاتح نوفمبر 1954، لا يمكن ربطه بحقبة تاريخية معينة، بل هو صالح حتى للفترة الراهنة التي تمر بها البلاد، بدليل أن الحراك الشعبي تضمنت مطالبه وشعاراته نفس المطالب والقيم والتعاليم التي نص عليها، على غرار الدفاع عن الوحدة الوطنية والصف، ونبذ العنصرية والتطرّف وتهميش الآخر، إلى جانب الدفاع عن المكتسبات الوطنية وتقاليد وثوابت الأمة.

وذكّر المتحدث بأن نص البيان يبقى مفتوحا وغير مقيّد بفترة زمنية محددة رغم الفترة العصيبة التي حرّر خلالها (تزامنا مع اندلاع الثورة)، وهو ما يدعو الشباب اليوم إلى التمعّن والتدبّر فيه أكثر، واستلهام مبادئه وقيمه لمواجهة مختلف الأزمات والتحديات السياسية.