بسبب استمرار تدفق السلاح والصراع الأمريكي ـ الروسي
مخاوف أممية من انهيار مسار التسوية في ليبيا
- 538
استبعد الدبلوماسي اللبناني، غسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا أمس، التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة المستعصية في هذا البلد، بسبب استمرار تدفق السلاح من مختلف الدول على فرقاء الحرب، وزاده بُعدا التطاحن الأمريكي ـ الروسي المستجد بسبب موقف واشنطن من خليفة حفتر الذي حملته مسؤولية تردي الأوضاع العسكرية في العاصمة طرابلس.
وشكل الموقف الروسي المؤيد للمشير المتقاعد، خليفة حفتر والموقف الأخير الذي أبدته تجاهه الإدارة الأمريكية، نقطة خلاف جوهرية في المدة الأخيرة بين موسكو وواشنطن بسبب التباين الواضح في موقفيهما إزاء ما يجري في محيط العاصمة طرابلس منذ الرابع أفريل، تاريخ اندلاع الهجوم العسكري لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني بقيادة الوزير الأول فايز السراج.
ولم تتمكن القوى الإقليمية والقوى الكبرى، تسع سنوات منذ اندلاع الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، من تبني موقف واحد يرغم فرقاء الحرب على وضع حد للاقتتال الدائر بينهم في بلد مهدد بتقسيم قبلي وعشائري.
وهو واقع الصراع الذي لم يخفه المبعوث الأممي، الذي أكد على اهتمام أمريكي أكبر بليبيا وعكس مخاوف واشنطن من خطر تواجد عسكري روسي إلى جانب قوات خليفة حفتر.
وكان مسؤولون أمريكيون حذروا الأسبوع الماضي خليفة حفتر من كل محاولة لتمكين روسيا، استغلال الأوضاع في ليبيا من خلال الدعم اللوجيستي والبشري الذي تقدمه له وسط أحاديث عن وجود مرتزقة روس في الساحة الليبية، ضمن اتهام سارعت موسكو إلى نفيه.
وازدادت الأزمة الليبية تعقيدا رغم المؤتمرات الدولية التي احتضنتها العاصمة الفرنسية في مناسبتين، ثم في روما الإيطالية والصخيرات المغربية، وفي مقر الأمم المتحدة مؤخرا ولكنها فشلت جميعها في التوصل إلى أرضية توافقية لوضع الخلافات الليبية على سكة التسوية النهائية، في انتظار ندوة برلين الألمانية التي تؤكد كل مؤشراتها أنها منتهية إلى نتيجة صفرية بسبب تباين مواقف الدول الكبرى في التفاهم حول آلية تحقيق السلام المفقود في هذا البلد.
والمفارقة أن هذه اللقاءات، وبدلا أن تكون مناسبة لممارسة ضغط أكبر على فرقاء الحرب الليبيين، إلا أنها تحولت بدلا من ذلك إلى حلبة لصراع مصالح هذه القوى التي كانت وما زالت سببا مباشرا في تأخر إيجاد تسوية للشرخ الذي خلفه تدخل حلف "الناتو" في الشأن الليبي بداية سنة 2011.
ولم تكن كميات الأسلحة المتدفقة على هذا البلد لصالح هذا الطرف أو ذاك إلا بنية تأجيج الموقف العسكري في وقت بقيت فيه الأمم المتحدة في موقع المتفرج على وضع كارثي رغم قرار مجلس الأمن المانع لتوريد السلاح إلى أطراف الحرب الليبية. وأصبحت ليبيا نتيجة لذلك مسرحا لحرب بالوكالة تديرها قوى إقليمية ودولية خدمة لمصالحها الإستراتيجية في دولة تبقى ذات أهمية كبرى في الحسابات الدولية ليس فقط بسبب موقعها الجيو ـ استراتيجي ولكن أيضا بسبب ثرواتها النفطية والغازية على مقربة من البوابة الجنوبية للقارة الأوروبية.
وكرس الموقف الأمريكي الأخير الرافض لكل دور روسي في دعم المشير خليفة حفتر هذا الواقع الكارثي وجعل إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي مستبعدة على الأقل في الوقت الراهن والذي من شأنه أن يجعل مؤتمر برلين الذي دعت إليه الأمم المتحدة وزكته السلطات الألمانية، مجرد لقاء سينتهي بتدابير عملية ما تلبث أن تنهار أمام واقع الحال الليبي، بل أن عقده أصبح محل شكوك بعد أن أعلن غسان سلامه منذ شهر جويلية الماضي عن بدء التحضيرات له مباشرة بعد قرار مجلس الأمن إعادة طرح فكرة إنهاء هذه الأزمة.
والمؤكد في ظل آخر التطورات أن هذا اللقاء الذي كان من المفترض أن يخصص لإيجاد كيفية عملية إنهاء الحرب في العاصمة طرابلس وإرغام أطرافها على الجلوس إلى طاولة التفاوض ومنع القوى الإقليمية والدولية من مد هذا الطرف وذاك بالأسلحة الحربية، فإن الخلافات الأمريكية ـ الروسية ستغطي على جدول الأعمال وتجعل من القضايا الجوهرية في الأزمة الليبية تتدحرج إلى الدرجة الثانية من حيث الاهتمام الدولي.
ورغم عقد عدة لقاءات تحضيرية بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وقوى إقليمية متهمة بالتورط في إغراق ليبيا بالأسلحة في انتظار اجتماع آخر في العاشر من الشهر الجاري، إلا أن الأمم المتحدة لم تتمكن من تحديد تاريخ لعقد ندوة برلين بسبب ما وصفها المبعوث الأممي الخاص بالعقبات الكثير والتعقيدات المختلفة التي حالت دون ذلك ضمن مؤشرات قوية لتأخر عقد اللقاء إلى غاية شهر جانفي القادم إن لم نقل استحالة عقده أصلا بسبب الصراع الأمريكي ـ الروسي الطارئ على مشهد ليبي لم يعد يحتمل أي تسويف؟