في ظل تضاؤل حظوظ نجاح ندوة برلين حول ليبيا
اليونان تطالب بالمشاركة في تسوية أزمة لا تعنيها
- 724
أي حظ لنجاح ندوة العاصمة الألمانية حول الأزمة الليبية التي استعصى على الأمم المتحدة وألمانيا تحديد تاريخ انعقادها في ظل التطورات التي خلفها قرار السلطات التركية إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لنجدة حكومة الوفاق الوطني لصد هجمات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر؟
هذا التساؤل فرض نفسه بسبب ردود الأفعال القوية التي أبدتها مختلف العواصم المعنية بهذه القضية وراح كل منها يدعي أحقيته بدعم هذا الطرف أو ذاك في لعبة توازنات إستراتيجية إقليمية ودولية، هدفها النهائي حرص المتصارعين على الحفاظ على مصالحهم الاقتصادية في دولة نفطية على مشارف القارة الأوروبية.
وإذا كان مثل هذا الطرح قائما، فإن تحرك قوى إقليمية لم تكن إلى وقت قريب معنية بهذا القرار، جاء ليؤكد المواقف الرافضة لدولتين مثل اليونان وقبرص اللتين تحركتا على خليفة العداء التاريخي مع تركيا ضمن صراع متواصل بين أنقرة وأثينا لبسط سيطرتهما على جزيرة قبرص منذ سنة 1974 على خلفية مناطق توزع السكان اليونانيين والأتراك.
وتبقى الخلفية الحقيقية لعودة القبضة التركية ـ اليونانية، اقتصادية في المقام الأول ورائحته نفطية ـ غازية بعد أن ثبت وجود احتياطات ضخمة في عرض سواحل دول شرق المتوسط من مصر إلى لبنان مرورا بفلسطين المحتلة وصولا إلى عرض السواحل اليونانية والتركية وجزيرة قبرص.
واستغلت السلطات اليونانية تطورات الأزمة الليبية لتجعل منها منفذا لإقحام نفسها في معادلة إعادة ترتيب أوراق المشهد الليبي وفق خطة لإحياء صراعها الإستراتيجي مع غريمتها، ليس بسبب ما يجري من صراع في محيط العاصمة طرابلس ولكن بسبب مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الليبي فايز السراج بخصوص تحديد نطاق المياه الإقليمية والحقوق البحرية الفاصلة بين تركيا وليبيا التي تمكن البحرية التركية من التحرك في نطاقها.
وهو ما جعل الوزير الأول اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس يصر على مشاركة بلاده في ندوة برلين بحجة أن أثينا لا تريد وقوع اضطرابات في محيطها القريب وبالتالي يحق لها قول كلمتها بخصوص التطورات التي تعرفها ليبيا والمساهمة في إيجاد حل لأزمتها. كما كشف أنه سبق لبلاده أن طالبت الأمم المتحدة بحقها في المشاركة في هذه الندوة، وأنها ستجدد هذا الطلب وستواصل ذلك إلى حين قبول مشاركتها في مسار برلين.
ولأن الصراع في ليبيا أصبح صراع تموقع، فقد اختارت السلطات اليونانية الوقوف إلى صف المشير خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق التي حصلت على دعم تركيا، معتبرة الاتفاق الموقع بين طرابلس وأنقرة في السابع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي غير قانوني لعدم وجود حدود بحرية بين تركيا وليبيا، وأن هذه الأخيرة تبقى جارتنا البحرية ولم تكن يوما جارة لتركيا.
والمفارقة أنه في الوقت الذي تريد فيه اليونان المشاركة في مسار العاصمة الألمانية لم تجد الأمم المتحدة، التي ترعى الاتصالات مع مختلف الأطراف، حرجا في إقصاء دول جارة لليبيا مثل الجزائر وتونس رغم أن تسوية الأزمة الليبية، وبتأكيد كل المتتبعين، تمر حتما عبر هذين البلدين.
ودفع مثل هذا الموقف الشاذ وغير المتوقع إلى التساؤل حول خلفيات إبعاد هاتين الدولتين وهما اللتين تحملتا عبء وتبعات الراهن الليبي منذ سنة 2011 من حيث الجهد العسكري والإمكانيات الضخمة التي سخرتها لمنع الانفجار الكبير وانفراط العقد الليبي بشكل نهائي مع كل تبعاته الكارثية التي ستمتد إلى كل منطقة الساحل وصولا إلى منطقتي شرق وغرب إفريقيا المهددتين بانتشار غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي فرضت نفسها على دول تبقى من أفقر دول العالم.