بدأت بحراك سلمي وانتهت بانتخاب رئيس للجمهورية

2019 سنة الإطاحة برموز الفساد والتأسيس لعهد جديد

2019 سنة الإطاحة برموز الفساد والتأسيس لعهد جديد
  • 1260
زولا سومر زولا سومر

ودع الجزائريون سنة 2019 التي كانت غير عادية، سنة تاريخية مليئة بالأحداث ستؤسس لجزائر جديدة، لم ولن تمحى من ذاكرة الجزائريين، سنة قلبت موازين القوى وكشفت النقاب عن إمبراطورية الفساد التي تلاعبت بالبلاد والعباد واحتكرت السلطات، سنة شهدت ثورة سلمية أبهرت العالم وأسست لعهد جديد يحلم به الجزائريون الذين خرجوا بالملايين بصوت واحد، أسقطوا به العهدة الخامسة للرئيس السابق، والتي كانت ستوجه البلاد نحو المجهول، وزجت بالمتسببين في الأزمة والفساد بالسجون في سابقة هي الأولى من نوعها، لتنتهي السنة بتنظيم انتخابات رئاسية أعادت الشرعية للدولة، وانتخاب رئيس جديد تعلق عليه أمال الشعب لبناء دولة جديدة قوامها الحق والقانون.

ستبقى سنة 2019 راسخة في أذهان الجزائريين، كيف لا وهي سنة المعجزات التي لم يكن أحد ينتظرها، في ظل اليأس والتشاؤم الذي سكن في نفوس الجزائريين، خاصة الشباب الذين فقدوا الأمل وضاعت أحلامهم وخاب ظنهم، بسبب النكسات المتكررة التي أفقدته الأمل في حكّامه.

خامسة مرفوضة جملة وتفصيلا

تميزت بداية سنة 2019، بإحباط شديد بسبب إعلان محيط الرئيس السابق عن ترشيحه لعهدة رئاسية خامسة، رفضها الشعب جملة وتفصيلا، لأسباب تتعلق بعجزه عن تسيير أمور الدولة، نتيجة المرض وغيابه عن الساحة منذ سنة 2011، وظهور قوى غير دستورية كانت تتحكم في البلاد بأوامر من شقيق الرئيس السابق، وبروز الطبقة الأوليغارشية من رجال الأعمال المتورطين في قضايا الفساد، والذين كانوا يتحكمون في الشأن السياسي ويتلاعبون بأموال الخزينة العمومية.

غير أن هذا اليأس لم يدم طويلا بفضل وعي الشعب، حيث أدت هذه الأوضاع إلى انفجار الشباب في وجه رموز النظام السابق، وخرجوا بالملايين في حراك سلمي دعا إلى إسقاط العهدة الخامسة، ومطالبة الرئيس السابق بعدم الترشح، وهو حراك لم يكن منتظرا، أربك الطبقة الحاكمة التي لم تجد كيف تتعامل معه، واختارت أسلوب التعنت في البداية، وتجاهلت مطالب الشعب بإصرارها على تمرير العهدة الخامسة، وقامت بإيداع ملف ترشح بوتفليقة، رغم عجزه الصحي، ورغم الرفض الشعبي بعد الأسبوع الثاني من الحراك، الذي بدأ يتخذ شكل كرة الثلج ويكبر ليصل إلى كل ولايات الوطن، وحتى إلى بعض عواصم العالم التي تتواجد بها الجالية الجزائرية.

اتساع دائرة الحراك واحتقان شديد

توجهت السلطة الحاكمة أنذاك، بعد اشتداد حالة الاحتقان واتساع الحراك الذي انضمت إليه مختلف فئات المجتمع، إلى أسلوب المراوغة لربح الوقت ومواصلة مخططها في الاستحواذ على السلطة، وطالبت الشعب بتمديد عهدة الرئيس السابق لسنة، يتم بعدها تنظيم ندوة وطنية توافقية، غير أن الحراك تمسك بموقف الرحيل ورفض كل مراوغات التأجيل والتمديد، التي كانت ستمكن القوى غير الدستورية من استغلال الوقت لصالحها.

أمام هذا الوضع، وبعد الدعوات التي وجهها الحراك للمؤسسة العسكرية، باعتبارها حامي الدستور، للتدخل، وقف الجيش الوطني الشعبي بقيادة نائب وزير الدفاع الوطني، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الراحل الفريق أحمد قايد صالح، إلى جانب الشعب، وطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور، ومطالبة الرئيس السابق بتقديم استقالته نزولا عند رغبة الشعب، وتم تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة، كما تنص عليه هذه المادة من الدستور، من أجل تنظيم انتخابات رئاسية تفرز رئيسا جديدا في مدة 90 يوما.

شبكة عنكبوتية فاسدة

لكن ورغم الاستقالة، فإن محيط الرئيس السابق لم يهضم الأمر، ولم يرد التخلي عن سلطة احتكرها لعقدين من الزمن، نسج فيها شبكة عنكبوتية صلبة، فراح يخطط بكل الطرق للبقاء حفاظا على مصالحه الشخصية الضيقة، غير مبال بالمصلحة العليا للبلاد، خاصة بعد تعهد قيادة الأركان بتحرير العدالة وحمايتها، لتمكينها من فتح ملفات الفساد وبداية توقيف بعض رجال الأعمال المقربين من محيط الرئيس السابق وإيداعهم السجن. الأمر الذي زاد من خوف هذا المحيط الذي خطط للتآمر على المؤسسة العسكرية، بعد وقوفها إلى جانب الشعب ومرافقتها للحراك وتعهدها بعدم إراقة دماء الجزائريين.

حنكة المؤسسة العسكرية أسقطت هذا المخطط، وفككت خيوط المؤامرة التي كان يقودها السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، بالتعاون مع رئيسي المخابرات السابقين الجنرالين المتقاعدين بشير طرطاق ومحمد مدين المدعو توفيق، وكذا الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، الذين تم إيداعهم سجن البليدة بتهمة التآمر ضد سلطة الدولة وسلطة الجيش، وصدرت في حقهم أحكام بـ 15 سنة سجنا نافذا.

محاكمة تاريخية لبعض رموز الفساد

تواصلت حملة توقيف بعض رجال الأعمال والمسؤولين السابقين، منهم وزيرين أولين، لتورطهم في قضايا فساد ومنح مزايا غير مستحقة واستغلال النفوذ، وغيرها من تهم الرشوة وتبييض رؤوس الأموال. فمنهم من تم تقديمه في محاكمة تاريخية شاهدها الجزائريون عبر شاشة التلفزيون، وحكم فيها بالسجن بـ 15 و12 سنة لوزيرين سابقين، وأحكام مختلفة على البعض الآخر. وهي محاكمة سجلت ارتياحا لدى الجزائريين، بعد سنوات طويلة من سياسة اللاعقاب، أسّست لإمبراطورية الفساد، وشجعت على اختلاس الأموال العمومية.

بعد استقالة الرئيس السابق، ظهرت بعض مبادرات الحوار للخروج بخريطة طريق توافقية، تتوج بتنظيم انتخابات رئاسية، حيث تم تنظيم ندوة عين بنيان للحوار، قادها الوزير والدبلوماسي الأسبق عبد العزيز رحابي. غير أن هذه المبادرة فشلت برفض من عدة جهات سياسية، ومن الحراك، بسبب عدم رحيل كل رموز النظام آنداك، أو ما كان يعرف بـ«الباءات الثلاث.

ضمان استمرارية مؤسسات الدولة

في هذا السياق، دعا رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية في 4 جولية 2019، غير أن هذه الانتخابات فشلت ولم يتم تنظيمها، وقام المجلس الدستوري بإلغائها بعد عدم تلقي أي ملف ترشح، بسبب غياب الشروط الملائمة التي طالب بها الحراك والطبقة السياسية، والمتمثلة أساسا في تشكيل سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات. ليقوم المجلس الدستوري بعدها بإصدار فتوى سياسية، بعد انقضاء هذه الآجال ومرور 90 يوما على تعيين بن صالح رئيسا للدولة، بتمديد عهدته لـ90 يوما إضافيا، والتمكن من تنظيم انتخابات وضمان استمرارية مؤسسات الدولة.

الانتخابات حل دستوري

قامت بعد ذلك شخصيات من المجتمع المدني، باقتراح مبادرة لتنظيم حوار بإشراك كل الفعاليات، لإيجاد مخرج للأزمة، باقتراح أسماء من شخصيات سياسية  مختصين في القانون، وممثلي جمعيات حملت تسمية هيئة الحوار والوساطة برئاسة الوزير ورئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق كريم يونس، وهي الهيئة التي التقت عدة شخصيات سياسية ووطنية، ورفعت اقتراحاتها إلى رئيس الدولة. والمتمثلة أساسا في مراجعة قانون الانتخابات، وإنشاء لجنة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات بعيدا عن الإدارة.

بعد إتمام اللجنة لعملها، اقترح قائد أركان الجيش في إحدى خطاباته، أن يتم استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر الماضي، لإجراء الرئاسيات بعد 3 أشهر، حيث قال إنه من الأجدر تنظيم الانتخابات في هذا التاريخ حماية للدولة، وهو ما تم من خلال دعوة الهيئة الناخبة من طرف رئيس الدولة، والإسراع في تنصيب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتزكية محمد شرفي رئيسا لها من طرف أعضائها، ومراجعة قانون الانتخابات.

تلقت هذه اللجنة بعد فتح باب الترشيحات، عدة ملفات لشخصيات راغبة في الترشح، قبلت منها خمسة، لاستيفائهم الشروط القانونية وهم؛ عبد المجيد تبون، علي بن فليس، عز الدين ميهوبي، عبد العزيز بلعيد، وعبد القادر بن قرينة. غير أن الحراك الشعبي بقي متواصلا، ورفع من سقف مطالبه، حيث رفضت عدة شخصيات منه المشاركة في هذه الانتخابات، بسبب عدم رحيل كل رموز النظام السابق، وعدم إطلاق سراح مساجين الرأي من الشباب والسياسيين الذين اعتقلوا في المسيرات، أو بسبب آرائهم السياسية المعارضة.

أمام مؤيد ومعارض لهذه الانتخابات، انطلقت الحملة الانتخابية في 17 نوفمبر الماضي، عرض خلالها المترشحون على مدار 25 يوما، برامجهم في ظروف صعبة اختلفت عن باقي الحملات السابقة. لينتهي الأمر بتنظيم هذا الاستحقاق في 12 ديسمبر الماضي، بفوز عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية بنسبة تجاوزت 58 بالمائة، حيث قاربت نسبة المشاركة في الانتخابات 40 بالمائة. 

تبون رئيسا للجمهورية بشرعية كاملة

في اليوم الموالي من انتخابه رئيسا للجمهورية، أكد السيد تبون سعيه لمواصلة حملة محاربة الفساد، ومد يده للحوار مع كل الفعاليات في الحراك الشعبي، مع فتح حوار شامل لمراجعة الدستور بما يخدم تطلعات الشعب وفئة الشباب، لبناء جزائر جديدة، وهو ما جدد التذكير به في حفل أداء اليمين الدستورية.

وهي المناسبة التي أشاد من خلالها الرئيس، بدور الجيش الوطني الشعبي الذي رافق الحراك الشعبي، وسهر على إعادة الشرعية لمؤسسات الدولة، بالإصرار على حل الأزمة في إطار الدستور عن طريق الانتخابات، تفاديا لانفلات الوضع أو تسجيل أية انزلاقات. عرفانا لهذا الجهد، كرم رئيس الجمهورية المرحوم نائب وزير الدفاع الوطني، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، بمنحه أعلى وسام في الدولة، وهو وسام برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني.

لسوء الصدف، أن تنتهي سنة 2019 بنهاية رجل لعب دورا مهما طيلة العشرة أشهر الأخيرة من السنة، رجل كانت كل الأنظار متجهة إليه، بالنظر إلى القرارات التي اتخذها، وثقل المسؤولية التي تحملها خلال الأزمة السياسية، وكذا تعهده بمرافقة الحراك الشعبي، وهو قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق قايد صالح الذي وافته المنية إثر أزمة قلبية خلال الأسبوع الماضي، والذي شاءت الصدفة والقدر أن يرحل عن هذا العالم مباشرة بعد انتخاب رئيس جديد، توكل له مهمة حماية الوطن، بعد الفراغ الذي عاشه منذ استقالة الرئيس السابق. وتم تشييع الفقيد إلى مثواه الأخير، في جنازة تاريخية مليونية، جاءوا لتوديعه عرفانا للدور الذي قام به، حماية للوطن وتعهده بمحاربة الفساد وتوقيف المتسببين فيه، في سابقة لم تشهدها الجزائر من قبل.