دون منازع
فقيد الأمة أحمد قايد صالح.. أبرز شخصية وطنية
- 2951
تمكن المجاهد الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بفضل مواقفه وقراراته ”التاريخية” طيلة الأشهر الماضية، من أن يكون الشخصية الوطنية الأبرز التي صنعت الحدث في الجزائر سنة 2019، والتي سيتذكرها الجزائريون لأجيال متعاقبة، وسيرتبط اسم نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الذي وافته المنية، فجر يوم الإثنين 23 ديسمبر، بكلمات ومبادئ ظل يرددها ويدافع عنها منذ بداية الأزمة السياسية، مطلع العام الجاري، على غرار ”الوحدة الوطنية، الوفاء للوطن ولرسالة الشهداء، اللحمة بين الشعب وجيشه، قداسة المهام الدستورية للمؤسسة العسكرية، وضرورة جعل مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار”.
لأن العبرة بكمال النهايات، فقد توجت جهود الفقيد بإسدائه وساما برتبة ”صدر”، من مصف الاستحقاق الوطني من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. كما توجت مسيرته بموكب جنائزي رسمي وشعبي مهيب، خرج فيه الجزائريون عن بكرة أبيهم، يبكون ”الفارس” الذي ترجل، و«الأسد” الذي حمى عرين الوطن، ورفعوا الشعار الخالد ”جيش، شعب.. خاوة خاوة”.
صدق نية ووفاء للتعهدات
ولأن الكلمات تبقى، فإن آخر تصريحات الراحل، كانت بمناسبة تهنئته لرئيس الجمهورية عقب انتخابه، أكد فيها على أن ”جهود الجيش الوطني الشعبي التي بذلها ويبذلها وفقا لخطة استراتيجية مدروسة، وحرصه على أن لا تراق قطرة دم واحدة، أكدت للمواطنين صدق نية القيادة العليا للجيش ووفائها لتعهداتها أمام الله والوطن والشعب، بالحفاظ على سلامة الوطن وسيادته والتمسك بالحلول الدستورية، للوصول بالبلاد إلى بر الأمان”.
قبيل انطلاق الحراك الشعبي يوم 22 فبراير الماضي، استبق الفريق قايد صالح الأحداث، انطلاقا من قراءات دقيقة للواقع، ولتطور المشهد السياسي الذي تميز من جهة، بدعوات ترشح الرئيس السابق لعهدة رئاسية خامسة، ومن جهة أخرى، ببروز أصوات تطالب بتدخل المؤسسة العسكرية لـ«تعطيل” المسار الانتخابي للرئاسيات التي كانت مقررة شهر أبريل الماضي، ومنع الرئيس السابق من الترشح.
سد منيع أمام النوايا الخبيثة
في هذا الصدد، أكد الفريق قايد صالح في كلمة له يوم 22 يناير، التزامه بـ«المهام النبيلة والمقدسة للجيش الوطني الشعبي، الذي سيظل ملتزما كل الالتزام بأدائها على الوجه الأكمل والأمثل، تماشيا مع الدستور”، ونبه إلى مسألة هامة تتعلق بلجوء بعض الأطراف من أصحاب ”النوايا السيئة” إلى إصدار ”أحكام مسبقة، ليست لها أية مصداقية إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية”، مشددا على أن الجيش ”سيعرف دوما الطريق السليم المتماشي مع مهامه الدستورية العظيمة الموكلة إليه، ويعرف دوما كيف يتلمس مسالك العمل الرصين والعقلاني الذي به يستكمل مشوار شق طريقه نحو تحقيق المزيد من الإنجازات، خدمة للجزائر ولمستقبلها”.
بالفعل، وفور انطلاق المسيرات الشعبية الرافضة للنظام السابق، أعلن الفريق قايد صالح عن تخندق المؤسسة العسكرية مع الشعب الجزائري، وهو ما أكده في آخر تدخل له بمناسبة انعقاد آخر مجلس للوزراء عشية الانتخابات الرئاسية، حيث ذكر بـ«خلفيات المناورات الخطيرة التي عملت العصابة على تنفيذها، من خلال محاولة فرض الحالة الاستثنائية، من أجل التمسك بالسلطة ولو على حساب أمن واستقرار البلاد، وإدخالها في دوامة العنف والفوضى، وهو الأمر الذي استجابت له قيادة الجيش الوطني الشعبي، من خلال اتخاذ القرار التاريخي الذي جاء في إطار الاحترام التام للدستور وقوانين الجمهورية، حيث تحملت المؤسسة العسكرية مسؤوليتها، وطالبت بالتطبيق الفوري للمواد 102 و7 و8 من الدستور”، والتي تتعلق تباعا بتثبيت حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، وتكريس السيادة الشعبية.
رابطة قوية تشد الشعب لجيشه
أكد الراحل الفريق قايد صالح، أياما بعد انطلاق الحراك الشعبي، على أن ”للجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري، كل مقومات النظرة المستقبلية الواحدة لجزائر الغد”.
في معرض إبرازه للرابطة ”القوية” التي تشد الشعب الجزائري لجيشه، ذكر أن هذه العلاقة يشهد على قوتها ومتانتها، ذلك ”التفاعل العاطفي الذي ما فتئ يعبر على نفسه بكل عفوية، من خلال صور التضامن والتلاحم بين الشعب وجيشه في كل الظروف والأحوال”.
بعد استقالة الرئيس السابق وتنصيب رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، أكد الفريق أحمد قايد صالح على ”الالتزام اللامحدود” للجيش الوطني الشعبي في مرافقة المرحلة الانتقالية، مشددا على أن قيادة الجيش ”لن تتخذ أية قرارات لا تخدم الشعب والوطن”.
في هذا الإطار، دعمت المؤسسة العسكرية صدور القرار الرئاسي المتعلق بتنظيم حوار وطني شامل، وإنشاء الهيئة الوطنية المستقلة للحوار، التي عملت بتشجيع ورعاية من الرئاسة، ومرافقة الجيش الوطني الشعبي، مما مكنها من الوصول إلى ضبط الترتيبات التنظيمية لإجراء الانتخابات الرئاسية في آجالها المحددة، وأهم هذه الترتيبات إحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
تحرير العدالة من كل القيود والإملاءات
بالموازاة مع تخندقه مع الشعب في مطالبه المشروعة، التزم الفقيد نائب وزير الدفاع الوطني، بتحرير العدالة من كافة أشكال القيود والإملاءات والضغوطات، وتمكينها من ممارسة مهامها بكل حرية، بما يكفل تطهير البلاد من ”الفساد والمفسدين”، مقابل محاولة ”أبواق العصابة وأتباعها تمييع هذا المسعى النبيل، من خلال تغليط الرأي العام الوطني، بالادعاء أن محاسبة المفسدين ليست أولوية ولم يحن وقتها بعد”.
قال في هذا الصدد، إن العدالة ”بعد استرجاعها لكافة صلاحياتها، ينتظر منها الشروع في إجراءات المتابعات القضائية ضد العصابة التي تورطت في قضايا فساد ونهب المال العام”، والتي ”تسبب أصحابها في تكبيد الخزينة العمومية خسائر فادحة”، مضيفا أنه ينتظر من الجهات القضائية المعنية، أن ”تسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب”.
كما تصدى الفقيد الفريق قايد صالح لأصحاب ”الاجتماعات المشبوهة”، التي عقدت في الخفاء، من أجل التآمر على مطالب الشعب وعرقلة مساعي الجيش الوطني الشعبي ومقترحاته لحل الأزمة، وعملوا أيضا على تأجيج الوضع والاتصال بجهات مشبوهة.
التزم في هذا الإطار، بالعمل ”بهدوء وصبر” على ”تفكيك الألغام” التي زرعها ”الفاسدون المفسدون” في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة، ضمن ”تخطيط خبيث للوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد، تعود بوادره إلى سنة 2015”.
كما نبه الفريق لخطورة محاولات بعض الأطراف الأجنبية ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، حيث أشار إلى أنه ”مع انطلاق هذه المرحلة الجديدة، واستمرار المسيرات، سجلنا ـ للأسف ـ ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقا من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، لدفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي، وفرضهم كممثلين عن الشعب، تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد، وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة”.
الرئاسيات.. الطريق نحو وجهة الجزائر الصحيحة
رغم حملات التشويه التي طالت قيادة الجيش الوطني الشعبي، والمخاض العسير لتبلور الحل الدستوري كمخرج للأزمة السياسية التي عانت منها البلاد، طيلة الأشهر العشرة الماضية، إلا أن ”قطار الجزائر” وصل إلى محطة الانتخابات الرئاسية لـ12 ديسمبر بأمان، لتتمكن الجزائر من ”شق طريقها بخطى ثابتة نحو وجهتها الصحيحة والسليمة، بفضل وعي الشعب الجزائري وتكاتفه مع جيشه، الذي يعرف في الأوقات الحاسمة كيف يحافظ على أمن واستقرار الوطن”، حسبما أوضحه الفريق قايد صالح في آخر زيارة ميدانية له.
وصف الراحل قايد صالح هذه الاستحقاقات بـ«المحطة بالغة الأهمية في مسار بناء دولة الحق والقانون”، مسديا لهذا الغرض تعليمات ”صارمة” لكافة مكونات الجيش الوطني الشعبي، ومصالح الأمن بضرورة التحلي بأعلى درجات اليقظة والجاهزية، والسهر على التأمين الشامل والكامل لهذه الانتخابات، لتمكين المواطنين في كل ربوع الوطن، من أداء حقهم وواجبهم الانتخابي والتصدي بقوة القانون، لكل من يحاول التشويش على هذا الاستحقاق المصيري.
عكف نائب وزير الدفاع الوطني منذ بداية الأزمة، على التأكيد أن قيادة الجيش ليس لديها ”أية طموحات سياسية” في موقفها الداعم للحراك الشعبي، وقد تجلى ذلك من خلال تأكيده أن الجيش ”لا يزكي أحدا” في رئاسيات 12 ديسمبر، وأن الشعب هو من ”يزكي الرئيس القادم من خلال الصندوق”.
كان آخر ظهور للفقيد، بمناسبة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستورية، وهو الرئيس الذي اعتبره الفريق قايد صالح ”الرجل المناسب والمحنك، والقادر على قيادة بلادنا الجزائر نحو مستقبل أفضل”، وأكد بهذه السانحة أيضا، أن الجيش الوطني الشعبي ”سيبقى مجندا وداعما للرئيس الذي اختاره الشعب، ولن يتخلى أبدا عن التزاماته الدستورية وسيظل بالمرصاد لأعداء الوطن، صونا لوديعة الشهداء الأبرار”.
لحظة مرور جثمان الفقيد أحمد قايد صالح بساحة أول ماي APS