ذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف

زيتوني يدعو للإستلهام من القيم التضامنية للشعبين

زيتوني يدعو للإستلهام من القيم التضامنية للشعبين
  • القراءات: 662
م. أجاوت م. أجاوت

دعا وزير المجاهدين وذوي الحقوق، الطيّب زيتوني، إلى ضرورة الاستلهام من القيم التضامنية والنضالية للشعبين الجزائري والتونسي، من خلال الملحمة التاريخية لأحداث ساقية سيدي يوسف (08 فيفري 1958)، الشاهدة على امتزاج دم الشعبين في مسيرة الكفاح ضد المستعمر الفرنسي، مشددا على ضرورة مواصلة الارتقاء بقوة وعمق هذا التلاحم بين شعبي الجزائر وتونس اليوم، بما يحافظ على الذاكرة التاريخية للبلدين، ويخدم المصالح المشتركة وبناء غد أفضل للأجيال القادمة، عبر تكثيف الجهود لتجاوز العثرات والأزمات ذات الاهتمام المشترك.

وأكد زيتوني أول أمس، الخميس، في كلمة قرأها نيابة عنه الأمين العام للوزارة، قبل إشرافه على الإعلان الرسمي عن افتتاح أشغال الندوة التاريخية المخلدة للذكرى الـ62 لمجزرة "ساقية سيدي يوسف" ـ 08 فيفري1958 ـ 2020، بمقر المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، على المكانة التاريخية والكفاحية لهذه الأحداث باعتبارها رابضة في وجداننا والمشبعة بمعاني التكافل والتضامن بين الشعبين الشقيقين، مشيرا إلى أن الأحداث البشعة والرهيبة التي شهدتها الساقية على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس، حوّلت هذه الأخيرة إلى منارة لدحض مخططات الاستعمار وتقوية وتمتين وحدة المصير المشترك بين الجزائريين والتونسيين. كما سمحت كذلك، بتجسيد قوي لإرادة الشعوب العربية والمغاربية خاصة في التحرر من نير الاستعمار الغاشم.

وأضاف ممثل الحكومة في هذا السياق، قائلا: «نقف اليوم وقفة إجلال وعرفان وشموخ أمام أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا في هذه المجازر الشنيعة التي ستبقى وصمة عار على بين فرنسا الاستعمارية، رغم محاولاتها لطمس هذه الحقائق التاريخية، وسعيها الدائم لتغليط الرأي العام العربي والدولي، وتقديمها لحجج واهية لتبرير هذه الأفعال التي تعكس بكل وضوح حقدها الدفين ونزعتها الاستعمارية للشعوب العربية والمغاربية والإفريقية.

وختم المتحدث كلمته، بوجوب استحضار هذه الأحداث التاريخية الجليلة، بما يضمن شحذ الهمم نحو تبني منهج تاريخي موحّد، ينير درب الأجيال القادمة ويذكرهم دائما بمنطق التضامن والتكاتف في مواجهة مختلف الأزمات والتحديات المهددة لسيادة وأمن شعوب المنطقة ككل.

وعرفت هذه الندوة التي حضرها نائب السفير التونسي بالجزائر، ومجاهدين عايشوا منظمات تاريخية، وأساتذة وطلبة في التاريخ من جامعات الجزائر والأغواط والبليدة وخميس مليانة وسوق أهراس.. وأشرف على تنشيطها عضو المنتدى العلمي للمركز، الدكتور يوسف تلمساني، تقديم مداخلة للدكتور عثمان منادي، تناول فيها أسباب وأهداف ونتائج هذه المجازر التي حدثت، والتي  شاركت فيها 25 طائرة حربية (11 طائرة من نوع ب26 و6 من نوع كورسيل و8 من نوع ميسترال)، قامت بقصف الشريط الحدودي للساقية بين تبسة وتونس، وأسفرت عن قتل 80 جزائريا وتونسيا. وهذا بحجة متابعة الثوار الجزائريين الذين كانوا يتخذون من المنطقة كقاعدة خلفية في مواجهة العدو.

وأوضح السيد منادي، أن الجيش الفرنسي أراد من وراء ذلك الانتقام من وحدة الشعبين، النيل من الدعم المطلق للشعب التونسي والوقوف مع إخوانهم الجزائريين، ضد الاستعمار الفرنسي، علما أن حوالي 13.000 إلى 15.000 مجاهد جزائري كانوا متواجدين بالأراضي التونسية، ناهيك عن تواجد 7 مدارس عسكرية متخصصة في تكوين أفراد جيش التحرير الوطني بتونس، أشرفت على تخرج 3000 عسكري جزائري.

ومن جهته، قدّم الوزير الأسبق للشباب والرياضة المجاهد الأمين بشيشي في تدخل له، شهادة حيّة لما عايشه عن تفاصيل هذه الأحداث المفزعة، بصفته كان ملحقا إعلاميا بالقاعدة الشرقية (سوق أهراس) آنذاك، التي جاءت ـ حسبه ـ كانتقام مباشر للجيش الفرنسي عن الانتصار الكبير الذي حقّقه جيش التحرير في معركة "جبل الواسطة"، في 11 جانفي 1958 بعد تمكنهم من قتل 15 إلى 17 جنديا فرنسيا وجرح اثنين بجروح، إلى جانب أسر 4 جنود فرنسيين، موضحا أن الرد الفرنسي كان يوم 8 فيفري 1958، على الساعة العاشرة صباحا، تم فيها قصف الساقية وتسبب ذلك في مقتل 80 ضحية، منها 20 طفلا يدوسون بمدرسة قريبة و11 امرأة.

وأحدث هذه الواقعة، صدى إعلاميا كبيرا على المستوى العربي والأوروبي، دفع بالرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، إلى الثوران ضد الهمجية الفرنسية، ورفض بشكل قطعي طرد المجاهدين من تونس، كما تسببت في طرد 5 قناصلة فرنسيين، ناهيك عن الدعم الكبير الذي كسبته القضية وتعاطف الرأي العام الدولي معها.

ومن جهة أخرى، قدّم الأستاذ محمد واصلي من دولة تونس الشقيقة، كتابه الذي وثّق أحداث ساقية سيدي يوسف 1958، تحت عنوان "غار الدماء: قاعدة خلفية للثورة الجزائرية بامتياز 1954 ـ 1962"، داعيا إلى وجوب التأريخ لمثل هذه المحطات التاريخية الهامة في مسار كفاح الشعوب المغاربية والعربية خاصا بهذه المناسبة الاستعمار. كما تم تكريم الأساتذة الحاضرين نظير مساهمتهم في تنوير الرأي العام بالحقائق التاريخية.


أحداث الساقية أكسبت الثورة الجزائرية دعم الرأي العام الدولي

أكسبت أحداث ساقية سيدي يوسف التونسية التي وقعت ذات الـ8 فبراير من عام 1958، والتي سيحتفل بذكراها الـ62 اليوم، بحضور وفود رسمية من الجزائر و تونس، الثورة التحريرية المظفرة دعما إضافيا ومساندة من طرف الرأي العام الدولي، الذي أدان بالإجماع أشكال الاستعمار الذي تمارسه فرنسا بشمال إفريقيا.

واستنادا للأستاذ عثمان منادي، من جامعة سوق أهراس، فإن "تلك الأحداث التي امتزجت فيها دماء الشعبين الجزائري والتونسي وأسفرت وقتها عن استشهاد 79 شخصا من بينهم 20 طفلا أغلبهم من تلاميذ مرحلة الابتدائي و11 امرأة و جرح 130 شخصا، أدت إلى اتساع نطاق طرح القضية الجزائرية دوليا ومتنت أواصر الأخوة بين الشعبين الجزائري والتونسي".

وأضاف الأستاذ منادي، بأن "فرنسا الاستعمارية حاولت تبرير عدوانها بحجة حق ملاحقة وحدات جيش التحرير الوطني، متحججة بأنها استهدفت مناطق عسكرية" لكن ـ كما أفاد ـ "سرعان ما انهارت تلك التبريرات الواهية بفعل كشف وسائل الإعلام حقيقة ما حدث وتنديدها بذلك العدوان الغاشم الذي لاقى استنكار المجتمع الدولي".

«ولم تؤثر فرنسا الاستعمارية بغارتها تلك على أواصر الأخوة والمصير المشترك بين الشعبين، بل جسدت التضامن أكثر فأكثر بعد إعداد جبهة الدفاع المشترك للائحة تاريخية، صادقت عليها في ذلك الوقت تشكيلات سياسية ممثلة في جبهة التحرير الوطني وحزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي خلال أشغال ندوة تم عقدها بمدينة طنجة المغربية من 27 إلى 29 أبريل 1958، والتي توجت ببيان مشترك يؤكد دعم تونس والمغرب للثورة الجزائرية".

من جهته أفاد أستاذ التاريخ بجامعة سوق أهراس، جمال ورتي، بأن "الاعتداء على ساقية سيدي يوسف كان يعبر عن الوضعية المتدهورة التي آلت إليها الجمهورية الفرنسية الرابعة وسيطرة فكرة الجزائر فرنسية، فازداد الوضع تفاقما إثر القرار الذي أصدرته فرنسا في الفاتح سبتمبر 1956، والذي ينص على حق ملاحقة وحدات جيش التحرير الوطني بعد انسحابها إلى داخل الأراضي التونسية"، مضيفا بأنه "بين يوليو 1957 إلى يناير 1958، نفذ جيش التحرير الوطني 84 عملية على الحدود الجزائرية التونسية".

وأضاف بأن الساقية "سبق وأن تعرضت قبل ذلك التاريخ لعدد من الاعتداءات مثل اعتداء 1 و2 أكتوبر سنة 1957، وفي مقابل ذلك نصب جنود جيش التحرير الوطني في منتصف يناير 1958، كمينا لدورية فرنسية أسفر عن مقتل 15 جنديا فرنسيا وأسر 4 آخرين"، مردفا بأنه "في 30 يناير 1958 تعرضت طائرة فرنسية لنيران المدفعية المضادة للطيران لجيش التحرير الوطني وفي 7 فبراير 1958، تصدت وحدات جيش التحرير الوطني لطائرة فرنسية أخرى".

مواقف دولية ترجع سبب الغارة إلى يأس فرنسا من كبح جماح شعب ثائر

وقد أدت الغارة التي شنتها القوات الفرنسية على ساقية سيدي يوسف ـ حسب الأستاذ ورتي ـ إلى "اتساع نطاق طرح القضية الجزائرية، إذ أن قيادة الثورة أعربت عن تضامنها المطلق مع الشعب التونسي ووضعها لوحدات جيش التحرير الوطني تحت تصرف الحكومة التونسية للوقوف في وجه العدو المشترك، فيما أعربت مصر وقتها عن تضامنها مع الشعب التونسي لتجاوز محنته على غرار سوريا التي قامت بنفس الشيء، فيما بعث ملك المغرب محمد الخامس، حينها ببرقية تعزية إلى نظيره التونسي وأرسل إلى ولي عهده ووزير خارجيته اللذين كانا في زيارة لفرنسا يأمرهما بالعودة".

من جهتها وصفت الولايات المتحدة الأمريكية الغارة على ساقية سيدي يوسف ـ حسب ذات الأكاديمي ـ بـ«العمل الجنوني"، الذي عوض أن يلحق الضرر بمعنويات الثوار الجزائريين "زاد وقوى من عزيمتهم"، مضيفا بأن الاتحاد السوفياتي وقتها أرجع سبب الغارة إلى "يأس فرنسا من كبح جماح شعب ثائر".

ومهما يكن فإن الوفاء لمثل هذه المحطات التاريخية الهامة يبقى يشكل دوما مصدرا لتعزيز التضامن والتعاون بين البلدين الشقيقين لضمان إقلاع تنموي في عديد القطاعات لاسيما بالنسبة لمواطني الشريط الحدودي للجزائر وتونس.