”المساء” تنشر مشروع القانون الجديد

تجريم التمييز والكراهية لأخلقة الحياة ونشر قيم التسامح

تجريم التمييز والكراهية لأخلقة الحياة ونشر قيم التسامح
  • 767
شريفة عابد شريفة عابد

أعدت وزارة العدل مشروع قانون جديد يتعلق بـ«الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما”، تحوز ”المساء” على نسخة منه، يرمي إلى أخلقة الحياة العامة ونشر ثقافة التسامح والحوار مع نبذ العنف في المجتمع، على خلفية التراكمات التي سجلت من خلال الاستغلال السيئ لمختلف وسائل الاتصال التكنولوجي بشكل ضرب الوحدة الوطنية وجعلها عرضة للتهديد، وجاء النص بإجراءات وتدابير لتجسيد هذا التوجه الجديد من خلال وضع مرصد وطني يعنى بمكافحة التمييز والكراهية يعينه رئيس الجمهورية، توكل إليه وضع استراتيجية وطنية بإشراك 11 دائرة وزارية والمجتمع المدني والقطاع الخاص في تجسيدها ميدانيا، كما يفتح المشروع مجالات التعاون الدولي للحد من مظاهر التمييز والكراهية مع الاستفادة من الخبرة، لكن في إطار الحفاظ على السيادة الوطنية والنظام العام، غير أن المشرع اعتمد جزاءات شديدة جدا في حق مرتكبي هذه الجرائم تقديرا لأثارها الكبيرة والعميقة على المجتمع، تبدأ من ثلاثة أشهر سجنا وتصل إلى 10 سنوات مع غرامات مالية تبدأ بـ60 ألف دج لترتفع إلى حد 10.000.000 دج، حسب كل جريمة، وتضاعف هذه العقوبات في حالة عودة مرتكبيها إلى ممارستها مجددا.

عرف مشروع القانون الجديد ”خطاب الكراهية” بـ«جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تشجع أو تبرر التمييز وكذا تلك التي تتضمن أسلوب الازدراء أو الاهانة أو العداء أو البغض الموجهة إلى شخص أو مجموعة أشخاص على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الاصل القومي أو الاثني أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الاعاقة أو الحالة الصحية”.

أما التمييز فعرفه المشرع بـ«كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو النسب أو الاصل القومي أو الانثى أو اللغة أو الانتماء الجغرافي أو الاعاقة أو الحالة الصحية، يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الاساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة ”.

وبالنسبة لأشكال التعبير عن أفعال الكراهية والتمييز، فحددها المشرع بـ«القول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة أو التصوير أو الغناء أو التمثيل أو أي شكل من أشكال التعبير مهما كانت الوسيلة المستعملة”، أما بالنسبة للانتماء الجغرافي بـ«الانتماء إلى منطقة أو جهة محددة من الاقليم الوطني”. ولا يطبق القانون إلا إذا بني التمييز على أساس، الحالة الصحية من خلال عمليات هدفها الوقاية من مخاطر الوفاة أو مخاطر المساس بالسلامة البدنية للشخص أو العجز عن العمل أومن الاعاقة وتامين هذه المخاطر.

كما تمتد أيضا ”للحالة الصحية ومنها الإعاقة عندما يتمثل في رفض التشغيل المبني على عدم القدرة على العمل الثابتة طبيا وفقا لأحكام تشريع العمل أو القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، كما يشمل التمييز أيضا ”الجنس، فيما يخص التوظيف عندما يكون الانتماء إلى جنس أو إلى آخر حسب التشريع الساري المفعول، شرطا اساسيا لممارسة عمل أو نشاط مهني ”وأخيرا   «الجنسية عندما تكون شرطا للتوظيف طبقا للتشريع الساري المفعول”.

إدانة حرية التعبير المبنية على خطاب التمييز والكراهية

تطرق مشروع القانون الجديد لاهم عامل تم على أساسه بناء النص وهو استغلال والتحجج بحرية التعبير والراي لتبرير التمييز وخطاب الكراهية في نص المادة 4، غير أن المشرع أوضح أن هذا لا يعني الحد من حرية التعبير أو الراي التي تشكل إحدى المكونات الاساسية للمجتمع الجزائري أو حاضره، وانما يهدف إلى منع هذه الممارسات من بلوغ حدود خطيرة تتجسد لاسيما في التحريض على التمييز والعداء والعنف.

ويحفز القانون على نشر قيم التسامح واحترام كرامة الانسان من خلال إدانة الافعال التمييزية وتحريضية على الكراهية لأنها تشكل تهديدا حقيقيا لقيم الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي والسلم، مبرزا الحاجة للنص بالعجز الذي اظهرته المنظومة القانونية الجزائية في التصدي لجميع اشكال الجرائم سالفة الذكر والاثار الخطيرة المترتبة عنها .

استراتيجية وطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية

تهدف الاستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية إلى أخلقة الحياة العامة في إطار نشر ثقافة التسامح والحوار مع نبذ العنف من المجتمع باشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في اعداد الاستراتيجية وتنفيذها.

وتنص المادة الـ6 على ”أن الدولة والإدارات والمؤسسات العمومية والاجراءات اللازمة للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ”ويتم هذا حسب ذات المادة عبر ”وضع برامج تعليمية وتكوينية للتحسيس والتوعية، نشر ثقافة حقوق الانسان والمساواة، تكريس ثقافة التسامح والحوار وقبول الاخر، اعتماد آليات اليقظة والانذار والكشف المبكر عن اسباب التمييز وخطاب الكراهية، الاعلام والتحسيس حول مخاطر الافة وآثار استعمال وسائل تكنولوجيات الاعلام والاتصال في نشرها واخيرا ترقية التعاون المؤسساتي”.

فيما تتناول المادة 7 إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في إعداد وتنفيذ الاستراتيجية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، أما المادة 8 فتتطرق لدور وسائل الاعلام في نشر ثقافة التسامح وقيم الانسانية مقابل نبذ افعال التمييزية المشجعة على الكراهية.

مرصد وطني للوقاية من التمييز و الكراهية تحت رعاية رئاسة الجمهورية

يعد المرصد هيئة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري، تتكفل برصد أشكال ومظاهر التمييز وخطاب الكراهية وتحليلهما مع تحديد اسبابهما ويقترح التدابير والاجراءات اللازمة للوقاية منهما.

ويتشكل المرصد من 10 أعضاء 6 منهم شخصيات وكفاءات وطنية يختارهم رئيس الجمهورية لعهدة مدتها خمسة سنوات، وهم ممثل عن المجلس الوطني لحقوق الانسان والمجلس الاعلى للغة العربية والمحافظة السامية للأمازيغية والهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة والمجلس الوطني للأشخاص المعوقين وممثل عن سلطة السمعي البصري، بالإضافة الى اربعة 4 ممثلين عن الجمعيات الناشطة في مجال تدخل المرصد، يتم اقتراحهم من الجمعيات التي ينتمون إليها.

وتجدد عهدة الاعضاء التي تقدر بـ5 سنوات مرة واحدة فقط، ويقوم الأعضاء فور تنصيبهم بموجب مرسوم رئاسي بانتخاب الرئيس تطبق عليه حالات التنافي بمنع ممارسته لأي مهمة اخرى انتخابية او وظيفة او اي نشاط مهني اخر.

استشارة 11وزارة في أشغال المرصد

يحضر ممثلو عدة قطاعات وزارية الذين اشغال المرصد بصفة  استشارية، ويتعلق الامر بكل من ”وزارة الشؤون الخارجية، الداخلية، العدل، الشؤون الدينية، التربية الوطنية، التعليم العالي، التكوين المهني، الثقافة، الشباب والرياضة، البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، التضامن، الاتصال، العمل ووزارة الدفاع ممثلة في الدرك الوطني فضلا عن المديرة العامة للأمن الوطني  ويجري تعيين ممثلي القطاعات سالفة الذكر من بين أصحاب الوظائف العليا بناء على اقتراح من السلطات التي يتبعونها.

ووضع المشرع في يد المرصد امكانية توسيع الاستشارة الى اي هيئة اخرى يقدر انها ممكن ان تساعده في مهامه. ويلتزم الاعضاء بالسر المهني وواجب التحفظ، مقابل استفادة الاعضاء من الاستقلالية والحماية الكاملة من أي تهديد أو عنف.

يرفع المرصد الى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا يتضمن تقييما لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية  واقتراحاته وتوصياته لتعزيز ترقية الآليات الوطنية للوقاية المعمول بها في هذا المجال، ويتولى نشره وإطلاع الرأي العام على محتواه وفقا للكيفيات المحددة في نظامه الداخلي .

ويضطلع المرصد بمهمة تبليغ الجهات القضائية المختصة عن الأفعال التي تصل إلى علمه والتي يحتمل أنها تشكل جريمة من جرائم المنصوص عليها في هذا القانون. كما بإمكانه تقديم الآراء والتوصيات حول أي مسألة تتعلق بالتمييز وخطاب الكراهية، مع التقييم الدوري للأدوات القانونية والاجرائية في مجال الوقاية ومدى فعاليتها.

بالإضافة إلى هذا، يحدد مقاييس وطرق الوقاية والتحسيس من أخطار التمييز والكراهية ويعمل على تطوير الخبرة الوطنية في هذا الميدان، كإنجاز الدراسات والبحوث تصل إلى حد فتح اتفاقيات تعاون وطنية واجنبية للتحكم في الوضع. وتجبر الادارات والمؤسسات الرد الايجابي على أي طلب يتقدم به المرصد في الحصول على معلومات أو وثائق في إطار إنجاز مهامه في ظرف اقصاه لا يتعدى 30 يوما. 

حماية ضحايا التمييز وخطاب الكراهية

تتم حماية ضحايا خطاب الكراهية والتمييز من خلال التكفل الصحي والنفسي والاجتماعي، كما يسهل لجوئهم إلى القضاء، من خلال استفادتهم من المساعدة القضائية بقوة القانون ومن الاجراءات الخاصة بحماية الضحايا والشهود لضمان أمنهم وسلامتهم وحرمتهم الجسدية والنفسية وكرامتهم.

كما يعطي القانون للضحية الحق في مطالبة قاضي الاستعجال في اتخاذ أي تدبير تحفظي لوضع حد للتعدي الذي تعرض له، دون المساس بالمتابعات الجزائية ضد مرتكبي هذه الافعال.

وجاء النص بقواعد إجرائية تتناسب وطبيعة جرائم التمييز وخطاب الكراهية، باعتبار أن أغلبها ترتكب باستخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وبالتالي أكد على ضرورة اختصاص الجهات القضائية مما تتماشى ونوعية الجرائم خارج الوطن سواء كانت الضحية حامل الجنسية الجزائرية او أجنبي مقيم في الجزائر، كما يحدد ”الجهة القضائية المختصة على اساس مكان الإقامة الخاص بالشخص الذي لحق به الضرر او بموطنه المختار لتسهيل إجراءات التقاضي”.

بالإضافة إلى هذا ”يعطي للجهات القضائية إمكانية إصدار أوامر إلى مقدمي الخدمات أو اي شخص آخر بتسليمها آية معلومات أو معطيات تكون مخزنة باستعمال وسائل تكنولوجيات الاعلام والاتصال، أو بالحفظ الفوري على المعطيات المتعلقة بالمحتوى و/او بحركة السير أو بسحب او تخزين المحتويات التي يتيح الاطلاع عليها او جعل الدخول إليها غير ممكن عندما تشكل جريمة من الجرائم المنصوص  عليها في هذا القانون”.

تعاون قضائي دولي للحد من خطاب الكراهية والتمييز

نص مشروع القانون الجديد على اللجوء إلى التعاون الدولي في إطار الاتفاقيات الدولية ومبدأ المعاملة بالمثل، حيث يمكن في حالة الاستعجال مثلا قبول طلبات التعاون الدولي إذا وردت عن طريق وسائل الاتصال السريعة بما في ذلك اجهزة الفاكس أو البريد الالكتروني وذلك بقدر ما توفره هذه الوسائل من شروط أمن كافية للتأكد من صحتها.

وتتناول المادة 44 الاستجابة ”لطلبات التعاون القضائي الدولي الرامية لتبادل المعلومات أو اتخاذ اي اجراءات تحفظية وفقا الاتفاق الدولي ذي الصلة والاتفاقيات الثنائية ومبدأ المعاملة بالمثل  لكن ”يرفض تنفيذ طلبات التعاون اذا كان يشكل مساسا بالسيادة الوطنية أو النظام العام”، حيث تحصر المادة 45” أن الاستجابة لطلبات الدولي في تلك المقيدة بشرط المحافظة على سرية المعلومات المبلغة او بشرط عدم استعمالها في غير ما هو موضح في طلب أو بضرورة توفر لدى الدولة. الطالبة قانون يتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”.

مضاعفة عقوبات تصل لسجن 10 سنوات وغرامات بـ10.000.000دج 

تناول النص جزاءات تتكيف والأفعال الخاصة بالتمييز ونشر خطاب الكراهية، حيث تنص المادة 30 منه على الحبس من 3 إلى 6 أشهر وغرامية تتراوح من 60 الف دج إلى 300 ألف دج، أما من يقدم على التحريض على ارتكاب على تنظيم أو الاشادة بأعمال دعائية فعقوبته ترتفع من سنة سجن إلى 3 سنوات وغرامة من 100 الف دج الى 300 الف دج.

أما إذا كانت ضحية ممارسات التمييز والكراهية طفل، فيتراوج سجن مرتكب الجرم من سنتين الى 5 سنوات وغرامة من 200 الف دج الى 500 ألف دج، وتنطبق نفس العقوبات على ”من سهل ارتكاب الجريمة حالة الضحية الناتجة عن مرضها أو اعاقتها أو عجزها البدني أو العقلي” أو إذا ”صدر الفعل عن مجموعة أشخاص سواء كفاعلين أصليين أو مشاركين، وإذا ”ارتكبت الجريمة باستعمال تكنولوجيات الاعلام والاتصال ”.

كما ترتفع مدة الحبس إلى 7 سنوات وغرامة 700 ألف دج اذا تضمن الدعوة للعنف مثلما توضحه المادة،32، في حين تصل الغرامة إلى حدود 1.000.000 دج لكل من يشيد أو يمول باي وسيلة الانشطة أو الجمعيات أو التنظيمات او الجماعات التي تدعو إلى التمييز والكراهية، مع مدة حبس تتراوح من سنتين الى 5 سنوات.

وترتفع العقوبة الى حدود السجن 10 سنوات كاملة وغرامة 10.000.000دج في حق من ينشئ أو يدير أو يشرف على موقع الكتروني يخصص لنشر معلومات للترويج لأي برامج او أفكار أو اخبار أو رسوم أو صور من شأنها اثارة التمييز والكراهية في المجتمع، اما بالنسبة لمن يتداولون بضائع او منتجات عبر عمليات البيع أو العرض أو الصناعة كالأفلام والاسطوانات والاشرطة وبرامج الاعلام اللآلي أو عبر أي وسيلة اخرى تحمل شكل من اشكال التعبير تؤدي الى ارتكاب الجرائم التمييز وكراهية فعقوبتهم تتراوح ما بين السجن من سنتين حتى 5 سنوات والغرامة من 200 الف دج الى 500 ألف دج.

وتتمد العقوبات الى تشكيل الجمعيات او الاتفاقات الخاصة بنشر التمييز وخطاب الكراهية، كما تحجز الوسائل المستعملة في الجريمة والاموال الناجمة عن انشطتها وتشمع الاماكن والمحلات التي كانت مسرحا لإعداد او نشر التمييز والكراهية.

المثير في النص انه يخفض العقوبات للمتورطين في الافعال المتعلقة بالتمييز والكراهية، الى نصف العقوبة اذا ما ساعدوا في القبض على شخص او اكثر من الاشخاص الضالعين في ارتكابها او كشف هوية من ساهم في ارتكابها .وتطرقت اخر مادة في قسم الجزاءات الى مضاعفة العقوبات الخاصة بأصناف الجرائم المتعلقة بالتمييز والكراهية في حالة العودة لممارستها.