خبيران يؤكدان بشأن رفض الإستدانة الخارجية والتمويل غير التقليدي

احتياطي الصرف والاستدانة الداخلية الخيار المنطقي

احتياطي الصرف والاستدانة الداخلية الخيار المنطقي
  • 597
شريفة عابد شريفة عابد

أكد خبراء في الاقتصاد أن اللجوء إلى احتياطي الصرف والاستدانة الداخلية يبقيان الخيار الأكثر واقعية لتغطية النفقات ومواجهة عجز الميزانية، وإنجاز البرنامج الخماسي لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بعدما رفض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية أو العودة إلى التمويل غير التقليدي (أي طبع النقود).

وأبدى الدكتور حميد علوان، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر في تصريح لـ "المساء" قلقه إزاء الوضعية الاقتصادية للجزائر، والتي قال إنها مرشحة لتتعقد أكثر على خلفية التراجع المتواصل لأسعار النفط، موضحا أن عدم ذهاب رئيس الجمهورية، إلى الاستدانة الخارجية ورفض العودة للتمويل غير التقليدي، يعني أنه قرر الاكتفاء باحتياطي الصرف، الذي قدره بحوالي 50 مليار دولار، واعتبر المتحدث هذا الإجراء آخر الأوراق التي تلعبها الحكومة الآن في "مواجهة الأزمة الاقتصادية من جهة، والوفاء بالتزاماتها إزاء الجبهة الاجتماعية والبرنامج التنموي الخماسي متعدد الجوانب من جهة أخر، خاصة وأن الاقتصاد الجزائري مبني على إيرادات النفط".

كما قلل الخبير من آثار التحصيل الجبائي كون الاعتماد على هذا الأخير بنوعيه المباشرة وغير المباشرة، لم يعط نتائجه الفعلية المرجوة، مشيرا إلى أن الجزائر في ذيل ترتيب بلدان المنطقة المغاربية في هذا الجانب، لأن ما يقارب 40 بالمائة من الجباية لا تحصّل أي ما يعادل 40 مليار دولار، وذلك لأسباب متعددة ومعروفة أهمها التهرب الضريبي للأشخاص والمؤسسات والتستر من طرف البعض.

أما الآلية الثانية التي كان بإمكان الجزائر الاعتماد عليها في مثل هذه الأزمات فهي المدخرات الخاصة بالأفراد والمؤسسات، لكنها تبقى مستبعدة أو غير قابلة للتطبيق الميداني في الوقت الحالي، حسب الدكتور علوان، معللا ذلك بكون هذه الفئة من المدخرين لا تتعامل مع المؤسسات المصرفية لسببين الأول متعلق بمحدودية القدرة الشرائية بالنسبة للمواطنين ورفض التجار وأصحاب المؤسسات الخاصة إيداع أموالهم في البنوك تهربا من الضرائب والمحاسبة عن مصدر الأموال، وهم كثيرا ما يفضّلون اكتناز أموالهم في مخازن خاصة في بيوتهم ومكاتبهم بدل البنوك، وفي هذا الصدد قدّر الكتلة المتداولة في السوق الموازية حاليا بما يقارب 60 مليار دولار، بعدما كانت في سنة 2017 في حدود 47 مليار دولار حسب الإحصائيات التي قدمها بنك الجزائر.

ووصف أستاذ الاقتصاد، الوضع بالصعب والمعقّد وهو ما جعله يحتمل الذهاب إلى الاستدانة الخارجية في المستقبل، بسبب حتمية الواقع الذي يشير إلى عجز كبير في الميزانية، حيث تقدر النفقات بحوالي 18 ألف مليار دج مقابل 6 آلاف مليار دج من الإيرادات، ويضاف إلى ذلك العجز في الميزان التجاري المقدر سنويا بحوالي 14 مليار دولار، والذي تترجمه قلة الإيرادات النفطية السنوية التي تتراوح بين 30 إلى 33 مليار دولار سنويا، مقابل الواردات التي تصل 45 مليار دولار، ولأن الحكومة في هذا الإطار تغطي هذا العجز التجاري المتفاقم بالدولار وليس بالدينار، فإنها ستلجأ إما إلى الاستدانة الخارجية أو إلى احتياطي الصرف وهو المتوفر الآن".

وخلص في الأخير إلى أن احتياطي الصرف الحالي يؤمّن الاحتياجات الوطنية لفترة لا تتعدى سنتين على الأكثر، وهو ما يطرح مستقبلا فكرة الاستدانة الخارجية في غياب بدائل ترفع من إيرادات العملة الصعبة عبر ترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات.

أما الدكتور أحمد شريفي، أستاذ الاقتصاد فقال في تصريح لـ"المساء" إن قرار رئيس الجمهورية، القاضي بعدم الذهاب إلى الاستدانة الخارجية والتمويل غير التقليدي، يشير بوضوح إلى خيار الاعتماد على الموارد الداخلية، وذلك إما باللجوء إلى احتياطي الصرف، وهو أمر منطقي تعتمد عليه أية دولة في مثل هذه الظروف المالية الصعبة، مشيرا إلى أن "للتمويل غير التقليدي عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني، كما اتضح من الدراسة والتشخيص والتقييم الذي أجراه البنك المركزي الجزائري حول هذا الصيغة".

يضاف إلى هذا ـ حسب المتحدث ـ الاستدانة الداخلية للخزينة العمومية من الخواص، وسيطبق هذا الإجراء لتنفيذ مشاريع المخطط الخماسي لرئيس الجمهورية، من طرف المؤسسات الخاصة مقابل تسديد مستحقاتها لدى الخزينة بعد فترة، كما يمكن أن تلجأ الخزينة العمومية إلى بيع السندات الموجهة للجمهور، أو الاقتطاع من أجور العمال وتسديد الاقتطاعات بعد مرور فترة معينة كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، وتبقى الجباية وسيلة أخرى من وسائل رفع إيرادات الخزينة، والتي قدرها المتحدث بحوالي 4 آلاف مليار دج بالنسبة للجباية العادية و 200 مليار دج بالنسبة للجباية البترولية.

ووصف الدكتور شريفي، قرار رئيس الجمهورية، القاضي بعدم اللجوء إلى المديونية الخارجية بالمدروس باعتبار أن أزمة أسعار النفط هي أزمة دورية عابرة مرتبطة بالعوامل الجيوسياسية التي يمكن أن تساهم الجهود الدبلوماسية في تصحيح اختلالاتها وتجعل أثارها محدودة أو متحكم فيها.