،، واجب الحذر
"غرام وقاية خير من قنطار علاج" نردده كثيرا في يومياتنا، غير أنه لشيوعه أصبح في حياتنا العملية مجرد "لغو كلام"، ذلك أن الكثيرين منا لا يعيرونه اهتماما عمليا سواء لغياب الثقافة الصحية أو استخفافا بالأمراض المعدية عملا بمبدأ "لا يحدث إلا للآخرين".
وهاهم الجزائريون على غرار شعوب العالم يواجهون "فيروس كورونا" الوباء الجديد الذي اكتسح العالم بدرجات متفاوتة بعد ظهوره لأول في شهر ديسمبر الماضي بمدينة "ووهان" الصينية وأعلنته منظمة الصحة العالمية قبل يومين وباء عالميا، وأعلنت عدة دول عبر القارات الخمس حالة طوارئ صحية بسببه وأعطيت تعليمات بتفادي التجمعات، وتعليق التظاهرات الرياضية والثقافية والاقتصادية، كما أغلقت المدارس والجامعات والمعاهد للحد من انتشار الفيروس الذي أصاب لحد الآن أكثر من 160 ألف شخص عبر العالم (47 منهم في الجزائر) وأودى بحياة أزيد من ستة آلاف شخص (3 منهم في الجزائر).
وكما هو (فيروس كورونا) تحد للعالم فهو أيضا تحد للجزائر التي بادرت منذ الوهلة الأولى لظهوره باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، وتحضير الوسائل الكفيلة بالتصدي لهذا الوباء، غير أن مجهوداتها وحدها لا تكفي للوقاية منه أو الحد من انتشاره بعد ظهوره إذا تأخر المواطن أو تلكأ في تحمل مسؤولياته تجاه هذا التهديد القاتل المتنقل بصمت وبسرعة رهيبة خاصة في المحيط العائلي الضيق والواسع الذي تشهد عليه حالات الإصابة التي سجلت عندنا ونقلها وافدون من الخارج فانتقلت العدوى إلى أقاربهم وذويهم.
وقد تحملت السلطات الرسمية، بدءا من رئاسة الجمهرية والحكومة وانتهاء بالهيئات العمومية في هذا الشأن، مسؤولياتها لمواجهة هذا الوباء الخطير، ومنها وزارة الصحة التي أطلقت موقعا إلكترونيا للتحسيس بفيروس كورونا تضمن التعريف به وبطرق انتقاله والوقاية منه، ومتابعة مستجداته اليومية زيادة على توعية المواطن بالمسؤولية التي يجب أن يتحلى بها للحفاظ على حياته وحياة أفراد أسرته وأقاربه وزملائه في العمل وجيرانه ومواطنيه بصفة عامة.
وهي المسؤولية التي تنسحب أيضا على القائمين على تنظيم التجمعات بمفهومها الواسع سواء أكانت اجتماعية (كالأعراس والولائم) التي توفر الجو الخصب لانتشار فيروس كورونا خاصة إذا علمنا أن فترة كمونه بعد الإصابة به تصل إلى 15 يوما قبل ظهور أعراضه.
أو كانت سياسية كتنظيم المؤتمرات والاجتماعات الحزبية، أو استمرار من بقوا في الحراك يومي الثلاثاء والجمعة المطالبون في هذا الظرف الخاص بإعادة النظر فيما يقومون به حتى لا يعرضوا حياتهم وحياة بقية المواطنين للخطر فكما خرجوا في بداية الحراك إلى الدفاع عن الحياة الكريمة للمواطنين فهم مطالبون اليوم إلى الالتزام بالتوجيهات الوقائية حفاظا على أقدس حقوق الناس ألا وهو الحق في الحياة.
وأيا كانت تبريرات عدم التقيد بالتوجيهات الوقائية فهي مردودة على أصحابها لأن بها واجب الإنسان تجاه غيره، وحقه على غيره في شرائع الأرض كما في شرائع السماء، وكما هي واجب أخلاقي فهي أيضا واجب إنساني مادام الأمر يتعلق بهلاك أرواح البشر ومن تسبب في إحداها فهو عند الله كمن قتل الناس جميعا، وعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب (الوقائية) ثم يتوكل وألا يتواكل ثم يترك الحبل على الغارب.
ومن هذه الأسباب الدعوات الشرعية إلى تعليق صلاة الجمعة (الجماعية) وتعليق العمرة إلى بيت الله الحرام تطبيقا لمبدأ من كان في بلدة بها وباء فلا يخرج منها، ومن كان خارجها لا يدخلها.