كورونا يعيد أسواق النفط إلى التسعينيات

أسبوع كارثي على أسعار النفط والقادم أسوأ حسب المحللين

أسبوع كارثي على أسعار النفط والقادم أسوأ حسب المحللين
  • 756
❊ حنان.ح ❊ حنان.ح

كان الأسبوع الماضي كارثيا على سوق النفط العالمية، حيث هوت الأسعار إلى مستويات مقلقة، متأثرة بالانتشار المستمر لفيروس كورونا، لاسيما بعد أن فشلت مجموعة (أوبك+) في التوصل إلى اتفاق في اجتماعها الأخير، معلنة عن انتهاء تعاون عمّر لمدة تفوق الثلاث سنوات. ولأول مرة منذ عقود، وصل سعر برنت إلى قرابة 25 دولارا للبرميل كانعكاس مباشر لما وصف بـ«حرب أسعار النفط" بين أكبر منتجين وهما السعودية وروسيا.

وهوى الخام الأمريكي 10.7 بالمائة يوم الجمعة في نهاية تعاملات الأسبوع، وسجل أكبر انخفاض أسبوعي له منذ حرب الخليج في 1991، بسبب تداعيات وباء "كوفيد 19" الذي أدى إلى تراجع كبير في الطلب، بعد إجراءات الحجر التي اتخذتها أكثر الدول تضررا منه. وهي الدول الأوروبية بالخصوص التي تعد من أكبر المستهلكين للطاقة.

ورغم عودة الانتعاش الطفيفة التي شهدتها الأسعار، فإنها لم تستطع تحقيق مكاسب كبيرة وبقيت في حدود 26 دولارا بالنسبة لبرنت. ولا يبدو أن المستقبل القريب يحمل أملا كبيرا في تعافي الأسعار، وهو ما أكده محللون، بالنظر إلى التوقف شبه التام للحياة في أكبر الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة الأمريكية. في هذا الشأن، قالت توقعات إن الطلب على الخام قد يهبط بما يصل إلى عشرة بالمائة.

وتكبدت أسعار الخام الأمريكي خسارة أسبوعية بلغت 29 بالمائة، هي الأشد لها منذ اندلاع حرب الخليج بين الولايات المتحدة والعراق في 1991. ونزل خام برنت 20 بالمائة. وتراجع كلا خامي القياس لأربعة أسابيع متتالية.

وتراجعت يوم الجمعة العقود الآجلة لخام برنت 1.49 دولارا بما يعادل 5.2 بالمائة ليتحدد سعر التسوية عند 26.98 دولارا للبرميل. ونزلت عقود الخام الأمريكي تسليم أفريل 2.69 دولارا أو 10.7 بالمائة لتغلق على 22.53 دولارا للبرميل. كما نزل سعر خامات منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" يوم الأربعاء إلى 27.30 دولارا للبرميل وفقا للمنظمة.

وعبر الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط، محمد باركندو عن قلقه إزاء الوضع الذي تعرفه السوق النفطية العالمية، بسبب انتشار وباء كورونا وتداعياتها على الدول المنتجة.

وكانت السعودية، أكبر منتج للنفط في المنظمة قد أعلنت أنها ستزيد إنتاجها إلى 12.3 مليون برميل يوميا، وهو ما سيكون مستوى قياسيا مرتفعا، بعد أن فشلت وروسيا في التوصل إلى اتفاق لكبح المعروض في وقت سابق هذا الشهر.

ويرى خبراء ومحللون في المجال النفطي، وفقا لما أوردته وكالات الأنباء، أن هناك صعوبة في وضع توقعات حول الطلب على النفط، بالنظر إلى انخفاضه بوتيرة سريعة، مشيرين إلى أن استهلاك الوقود ينخفض بسرعة فائقة بسبب إجراءات العزل التي تفرضها الحكومات لاحتواء تفشي فيروس كورونا.

وذكر في السياق، أنه في بداية العام، كانت التنبؤات تشير إلى زيادة طفيفة في الطلب أو استقراره. لكن في غضون أشهر قليلة، بل وربما أسابيع، "تبدو أشد توقعات هبوط الأسعار كما لو أن الزمن قد تجاوزها".

وحسب جيوفاني سيريو، رئيس الأبحاث لدى فيتول، أكبر شركة لتجارة النفط في العالم، فإن انهيار الطلب هذا العام يتوقف على عدد الدول التي ستقتدي بنموذج العزل الإيطالي. وقال في هذا الصدد "إذا طبق ذلك على بقية أوروبا، بل وعلى الولايات المتحدة بشكل أخص، نستطيع أن نذهب في توقعات تراجع الأسعار إلى أبعد ما يمكن".

وبناء على عمليات العزل واسعة الانتشار في أوروبا، بل وإجراءات أمريكية أكثر تقييدا، توقع  انخفاض الطلب بأكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، أي ما يعادل عشرة بالمائة من الاستهلاك اليومي العالمي من الخام البالغ نحو 100 مليون برميل. وهو نفس التوقع الذي أعلنت عنه شركات أخرى متخصصة في النفط. لكن محللين آخرين يحجمون عن إعطاء توقعات حول الطلب اليومي إلى تجاوز الأسابيع القليلة القادمة، نظرا للضبابية التي تكتنف الفترة التي سيستغرقها احتواء الفيروس والمدى الكامل لتأثيره الاقتصادي في ظل تغير سياسات الحكومات يوما بعد يوم.

وقالت إحدى المحللات في مجال الطاقة إن "صورة الطلب على النفط اليوم، هي الأشد كآبة منذ زمن طويل، ويوازيها انهيار في استهلاك الوقود والبنزين ووقود السفن والبتروكيماويات والزيت المستخدم في توليد الكهرباء".

وتوقعت تقارير هبوط متوسط الطلب في 2020 بواقع 3.39 مليون برميل يوميا، وهو ما سيكون رقما قياسيا جديدا يتخطى الهبوط المسجل في 1980 البالغ 2.71 مليون برميل يوميا، من حيث عدد البراميل.

ولحظ متابعون أنه في العادة، يساهم هبوط أسعار النفط في دفع الطلب للعودة إلى الزيادة. لكن ما يحدث اليوم بسبب توقف المصانع والعزل المطبق في عدد من الدول المتضررة بشدة من وباء كورونا، يشير إلى تغير الأمور، حيث يستبعد هؤلاء عودة الاستهلاك والطلب على النفط إلى الارتفاع، رغم فقدان خام برنت لنصف قيمته خلال أسبوعين. بل إن البعض توقع استمرار تهاوي الأسعار ووصولها إلى مستوى العشرة دولارات، وهو سعر غير مشهود منذ 20 عاما، لاسيما مع تواصل مسلسل الخلاف بين السعودية وروسيا ورفض خفض الإمدادات.

وهذا ما دفع بعض كبار المحللين إلى القول بأنه إذا أبقت السعودية على تلك الوتيرة، فإن الحد الأدنى الوحيد لسعر النفط على المدى القصير هو "الصفر".

وخفض بنك غولدمان ساكس، الذي توقع في 18 مارس هبوط الطلب العالمي بواقع 1.1 مليون برميل يوميا في 2020، توقعاته لبرنت في الربع الثاني من العام الجاري إلى 20 دولارا. وتوقع بنك أوف أمريكا غلوبال ريسيرش نزوله إلى أقل من 20 دولارا.

وفي هذا الخضم، قررت شركات تكرير النفط الأوروبية تخفيض عملياتها، إذ تواجه هبوطا غير مسبوق في الطلب على الوقود نجم عن وباء فيروس كورونا. وهو ما جعل بعضها ينتج الوقود بخسارة، هو ما تم ببريطانيا وفرنسا بالخصوص.