استعمال الكمامات في وسائل النقل

أغلبية المواطنين ملتزمون والردع أكبر محفِّز

أغلبية المواطنين ملتزمون والردع أكبر محفِّز
  • 852
روبورتاج/ رشيد كعبوب روبورتاج/ رشيد كعبوب

«لا شيء سمح بتغيير سلوكات الأفراد أكثر من الردع والتغريم"، هي العبارة التي ترددت على مسامعنا من طرف العديد من المواطنين والناقلين، الذين استقصينا أحوالهم وآراءهم، في هذا الروبورتاج، ببعض بلديات العاصمة، وأنه لو ترك الأمر للتحسيس فقط، لما التزم عموم الناس، وقد لاحظنا خلال جولتنا بعدة محطات، أن وزارة النقل التي فرضت على الناقلين احترام القواعد الوقائية، على أنفسهم وزبائنهم، أصابت الهدف، ولم تترك الحبل على الغارب، حيث بدأت مظاهر الالتزام بالقواعد الصحية تنتشر على نطاق واسع.

ما لاحظناه في الميدان، أن الناقلين بالعاصمة ملتزمون بنسبة كبيرة بقواعد وتدابير الوقاية الصحية من الفيروس، في تنقلهم عبر الحافلات وسيارات الأجرة، سواء من حيث وضع الكمامات، والتباعد الجسدي، واستعمال المطهرات، لكن تبقى فئة قليلة لا تزال تهون من خطر الوباء، وتتمادى في تعريض صحة الناس للخطر، مثلما لاحظناه بعدة نقاط في ولاية الجزائر.

الناقلون والركاب ملتزمون

لم يبق لأحد الحجة في عدم وضع الكمامة خارج البيت، وفي الأماكن العمومية، كون هذه الكمامات صارت متوفرة في كل مكان، وقد لاحظنا، ونحن نتابع ركوب ونزول المسافرين في العديد من المحطات، أن عملية التحسيس والردع أتت بثمارها في الميدان، حيث تعود الأفراد على ارتداء الكمامات، حسبما أكده لنا أحد المواطنين الذين وجدناه بمحطة بئر خادم، ينتظر إقلاع الحافلة التي كانت تقل عددا من الركاب، وكان القابض ينادي في المارة ويدعوهم إلى الركوب، وكان كل من هم داخل الحافلة يرتدون الكمامة، وقال محدثنا، إن أكثر الملتزمين بالوقاية الصحية نساء، فلا ترى امرأة أو فتاة بدون كمامة في الحافلات أو سيارات الأجرة، أما الرجال، فهناك من يتمرد على القواعد الصحية، ويتعمد الخروج بدون كمامة، مضيفا أنه لو لم تفرض الدولة الكمامة على الناقل وزبائنه، وتوعدت بالتغريم في حال ضبطهم في نقاط المراقبة بدون كمامة، فإنهم لن يلتزموا أبدا، معقبا على ذلك بأنه عندما يتعلق الأمر "بالإضرار بالجيب"، تحترم القوانين وتطبق بحذافيرها، وهو ما كان يجب فرضه منذ البداية، وعدم الاعتماد كليا على عنصر التحسيس، يؤكد محدثنا.

متمردون ولا رقيب لهم

لم تخلُ خرجتنا الميدانية ببعض بلديات العاصمة، من ملاحظة فئة من المواطنين، لا يزالون غير مبالين بالإجراءات الوقائية، ولا يعيرون اهتماما بمخاطر الفيروس، الذي يتنقل بواسطة هذه السلوكات غير الصحية، وقد لاحظنا عينات منهم في العديد من النقاط، بساحة الشهداء، في قلب العاصمة، وبمحطة "2 ماي"، وباب الزوار، والأغرب أن بعض العائلات، حسبما شاهدناه، لا تزال تصطحب أطفالها إلى الأماكن العمومية، ولا تزودهم بالكمامات، وهو ما وقفنا عليه في عدة محطات.

ينتقد بعض من التقينا بهم، مثل هذه الخروقات، لاسيما في وسائل النقل الجماعي، حيث ازداد خطورة الوباء، ففي رأي أحدهم، يتحمل الناقلون المسؤولية الكاملة في قبول ركوب زبائن لا يرتدون وسائل الوقاية.

قال لنا أحد الناقلين ببئر خادم، إن بعضهم يغضون الطرف أحيانا، عن بعض الأشخاص الذين لا يرتدون الكمامة، ويجازفون بذلك، رغم وجود حواجز أمنية في عدة نقاط، لكن، حسبه، لا يغامر بعض زملائهم بنشاطهم، ويتحملون انتقادات بعض المواطنين، الذين يحاولون ركوب الحافلات بدون وسائل الوقاية.

عودة النشاط أفضل من منحة المليون

يؤكد العديد من الناقلين الذين التقينا بهم، في بعض محطات العاصمة، من الذين فُرضت عليهم عطلة إجبارية، بسبب "كورونا"، أنهم تنفسوا الصعداء، بعودتهم إلى العمل والنشاط، ولا يهمهم المردود الهزيل الذي يجنونه في هذه الفترة، كون القوانين التي حددتها الدولة تجبر الناقلين على خفض عدد الراكبين بنسبة خمسين بالمائة، وفي هذا الصدد، ذكر لنا أحد الناقلين بمحطة "2 ماي" بالعاصمة، أنه يحمد الله على عودة النشاط لكسب القوت، لاسيما أن الناقلين، حسبه، يمرون منذ بداية الوباء وتوقف النشاط، بوضعية لا يحسدون عليها، وأنهم لم يتلقوا منحة المليون سنتيم التي وعدت الدولة بها المتضررين من "كورونا"، مفيدا أنه "لا يوجد أحسن من العمل ولو بمردود قليل، خير من ركن الحافلة وانتظار منحة لا تسمن ولا تغني من جوع". أما ناقل آخر بالمحطة نفسها، فعلق على الوضعية قائلا "أفضل أن أخرج للعمل، حتى ولو أُصبت بالوباء، وهو أنفع من أن يموت أبنائي جوعا"، مشيرا إلى أنه لن نتصور وضعية ناقل كانت حالته ميسروة، والعديد من العمال الذين يوظفهم في مؤسسته، ليجد نفسه لا يستطيع ملء خزان مركبته بالوقود، وتلك حالة تزيد في بؤس العائلات وتدهور حالتهم الصحية، وكذا انعكاساتها على الأسرة والاجتماعية.

محطات شبه فارغة وناقلون يترقبون تطور الأحداث

في الوقت الذي عاد بعض الناقلين إلى العمل في الميدان  بنسب متفاوتة، وفي مقدمتهم المتضررون فعليا من آثار الجائحة، يبقى بعض الناقلين، حسب تصريحات زملائهم العاملين، يترقبون تطور الأحداث، وعودة الأمور إلى مجاريها، وزوال الوباء، حتى يتخلصوا من القيود القانونية المرتبطة بضوابط ممارسة النشاط، ومنها خفض عدد الركاب إلى النصف، وفرض ارتداء الكمامات على الناقلين والمنقولين، وغيرها.

لكن أحد الناقلين أكد لنا، على خلاف ذلك، أن بعض المهنيين ممن لم يعاودوا النشاط، لهم استثمارات ونشاطات أخرى، ركزوا عليها، وينتظرون عودة خدمة النقل بصفة كاملة وبدون شروط، حتى يضمنوا أرباحهم.

سائقو سيارات الأجرة الأكثر التزاما

بالنسبة لسائقي سيارات الأجرة، لاحظنا أنهم صاروا مثالا لاحترام القانون، حيث يطبقون القواعد الصحية بطريقة جيدة، ولا يسمحون بركوب الأفراد الذين لا يستعملون الواقيات، فبعضهم يضعون ستارا بلاستيكيا بين المقاعد الخلفية والأمامية، ويقوم بعد نزول كل زبون بتعقيم المكان، وهي الطريقة التي تضمن عدم انتشار الفيروس، والتعايش معه بطريقة ذكية وحضارية.