عن الخطة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي.. خبراء لـ"المساء”:
تغيير الذهنيات.. الطريق لبناء اقتصاد جديد
- 1235
هذه شروط وآليات إنجاح مسعى التحرّر من الاقتصاد الريعي
اعتبر أساتذة وخبراء اقتصاديون أن نجاح الخطة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، مرهون بتذليل العراقيل السابقة، وكذا بالمتابعة والتقييم الدوري مع وضع سياسة تحفيز للموارد البشرية في مختلف القطاعات، لإقحامها فعليا في مسار تنفيذ هذه الخطة.
وتم خلال جلسة العمل يوم الثلاثاء، برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الكشف عن المحاور الكبرى للخطة الوطنية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، الهادفة إلى إخراج البلاد من التبعية للمحروقات، وتنويع الاقتصاد وتطويره وعصرنته وتكييفه مع التغيرات الراهنة، مع الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة والقدرة الشرائية للمواطنين.
ومن أهم ماتضمنته الخطة، إعادة الاعتبار لقطاع المناجم – الذي خصصت له وزارة مستقلة في التعديل الحكومي الأخير - وكذا العمل على مراجعة الإطار القانوني وتكييفه مع المتطلبات الراهنة، إضافة إلى ترشيد النفقات ورقمنة كل القطاعات وتحرير المبادرات بمكافحة البيروقراطية، فضلا عن تغيير الذهنيات وعدم التمييز بين القطاعين العام والخاص ومحاربة المال الفاسد، وكذا بعض الآفات المنتشرة ولاسيما التهرب الضريبي وتضخيم الفواتير.
وإثراء لهذا الموضوع سألت ”المساء” خبراء وأساتذة في الاقتصاد عن مدى أهمية هذه الخطة ووسائل إنجاحها ميدانيا، لاسيما وإنها تتضمن نقاطا جيدة لا يختلف اثنان حول أولويتها لإخراج الاقتصاد من حالة الجمود.
عبد المجيد قدي: مرافقة الخطة بمؤشرات التقييم المستقل
في هذا الصدد أكد الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي عد المجيد قدي، أن الاقتصاد الجزائري يمر اليوم بوضع خاص بسبب جملة من العوامل أهمها وفقا لتحليله ”جائحة كورونا التي أدت إلى تراجع النشاط الاقتصادي العمومي والخاص، لأنه كان لابد من المحافظة على سلامة المواطنين”، ”بنية الاقتصاد الريعي التي عرضته لهزات كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط”، إضافة إلى ”موقع الصناعة الضعيف جدا في الاقتصاد والذي تحتاج إلى مراجعة”، و"مشكل دخول عدد كبير من الشباب إلى سوق العمل سنويا”.
هذه العوامل ـ كما أوضح ـ تشير إلى ”ضرورة مراجعة مناخ الاستثمار لكي تتم الممارسة الاقتصادية بشكل سليم”، و"استعمال كل الإمكانيات الموجودة في البلاد، ومنها الموارد المنجمية الكبيرة جدا وغير المستغلة، والتي لو استغلت من شأنها إعادة الاعتبار لثروة من الثروات الكثيرة التي تزخر بها بلادنا”.
من جهة أخرى، ونظر لما وصفه بـ"البنيان الصناعي المنهار”، اعتبر قدي، أنه لابد من ”مراجعة دفاتر الشروط المرتبطة بكل المجالات الصناعية، لأن المسألة مرتبطة بضرورة وضع معايير صناعية ملائمة ومعايير لحماية البيئة لإطلاق العجلة الصناعية من جديد”.
وطرح محدثنا مشكلا آخر من بين مخلفات النظام السابق، هو ”انعدام الثقة في الاقتصاد الجزائري من قبل المتعاملين الوطنيين والأجانب”، مشيرا إلى ”تأثير قضايا الفساد التي ظهرت خلال السنوات الماضية على صورة الاقتصاد”.
ولمعالجة هذه الصورة قال الخبير إنه ”لابد من تعزيز الشفافية ومراجعة قواعد ممارسة الأعمال، وإعطاء الأولوية للابتكار والإبداع للذهاب نحو اقتصاد المعرفة”.
عبد الرحمان عية: تغيير الذهنيات بالتحفيز والتكوين
من وجهة نظر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي عبد الرحمان عية، فإن ”كل ما ذكر في الخطة ممتاز ورائع”، لكن الإشكال الكبير المطروح - وفقا لتحليله - هو ”التمكن من تحديد آليات تطبيقها”.
واسترسل موضحا ”نحن في الجزائر لدينا مشكل اصطدام آليات التطبيق بواقع مر، متمثل في عراقيل إدارية كبيرة جدا وعدم رقمنة المعاملات الإدارية والمعاملات المالية، وعدم وجود مناخ يستقطب حاملي المشاريع الوطنيين والأجانب، وبالتالي فإن القرارات التي تتخذ حتى وإن كانت ممتازة فإنها لا تجد طريقها للتطبيق الميداني”.
وبالنسبة للخبير، فإن العامل البشري مهم جدا في إنجاح خطة الإنعاش، مشيرا إلى أن تطبيقها على أرض الواقع يتطلب إيلاء عناية خاصة بالمكلفين بهذه المهمة.
وقال ”إن الخطة تطبق من خلال تعيين المنفذين للأوامر الفوقية، وهو ما يتطلب اختيار بضع أشخاص في مختلف الإدارات ممن لديهم القدرة على تسيير العنصر البشري، وتوفير رواتب محترمة وتحفيزات لهم من أجل تسيير الأمور تجنبا للاصطدامات المعرقلة للتنفيذ”.
وهو ما ينطبق على مسألة تغيير الذهنيات التي تحدثت عنها خطة الحكومة ودعا إليها الرئيس مرارا وتكرارا، والتي اعتبر محدثنا أنها ممكنة التحقيق، شارحا أن الأمر يتعلق بإجراءات سهلة يمكن القيام بها. وقال إن ”الذهنية تعالج بالتحفيز والتكوين والواقعية، ولا يمكن أن نبقى في مرحلة لوم الذهنيات ونبكي على الأطلال”.
وضمن الحلول التي يقترحها الخبير، ضرب مثلا بموظف البنك الذي يمكن ـ وفقا لتصوره ـ أن يقترح عليه منحة خاصة تضاف إلى أجره الشهري، وفقا لعدد الزبائن الذين يتم استقطابهم، وهو ما سيدفعه إلى بذل مجهودات أكبر لخدمة العملاء.
وشدد على أهمية مسألة المتابعة، واعتبر أن المحور الرئيسي الذي يمكنه إنجاح خطة الإنعاش هو ”ترشيد النفقات”، قائلا إن النجاح في تحقيقه سيعني التمكن من تجسيد الخطة بكاملها.
مبتول: ترشيد النفقات وتعزيز التسيير اللامركزي
وقدم الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، من جانبه جملة من الملاحظات بخصوص خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، من بينها ضرورة استنادها إلى ”تسيير وطني وتسيير محلي مع المزيد من اللامركزية”، والابتعاد عما وصفه بـ "التنظيم الهرمي الجامد القديم للدولة والمؤسسات”.
كما أشار إلى أهمية أن تكون الخطة في إطار ”رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات الداخلية والخارجية”، إضافة إلى ”التوفيق بين الكفاءة الاقتصادية والتماسك الاجتماعي من خلال الحوار الاجتماعي” و"تعبئة الموارد البشرية مع ترشيد النفقات وتحديد الآجال لتجنب الإعادة المتكررة لتقييم المشاريع”.