معرض استعادي لعلي خوجة
"الحديقة الروحانية".. علامة فنية مضيئة
- 680
ارتأت مؤسسة "سين آرت غاليري" إعادة فتح معرض للفنان علي علي خوجة "الحديقة الروحانية"، بعدما نُظم افتراضياً قبل أشهر قليلة بسبب جائحة كورونا، تزامنا مع مرور عشر سنوات على رحيل هذا التشكيلي الجزائري (1923- 2010)، الذي يحتل موقعاً ريادياً في الفن المغربي والعربي.
يشكل المعرض ثروة حقيقية للنقاد والباحثين في تاريخ الفن، لإعادة التفكير في الفن الجزائري وفهم مداخله ومرجعياته المعرفية والجمالية، التي ساهمت في بروز وبلورة رؤى وتجارب وتصورات داخل هذا الفن، حيث يتيح المعرض الاستعادي، حسب العارفين، إمكانية التعرف على تراثه وقدرته على تطويع ذائقته الفنية والجمالية بين اللوحة وأسلوبها التجريدي، وبين تصميم وصياغة طوابع لازالت إلى حد اليوم، مُتداوَلة، وتحتل نصيباً كبيراً داخل الذاكرة الثقافية الجزائرية ورموزها وعلاماتها الفنية المضيئة.
وفي معرض "الحديقة الروحانية"، تأخذ التجربة الجمالية عند خوجة بالعودة إلى أصل الذات وطفولتها؛ في محاولة استكناه هذا العابر والمنسي داخل فضاء الذاكرة، وهي عودة ليست بريئة؛ إذ إنها بقدر ما تقيم في الماضي فهي تفتح التجربة ومعها الذاكرة، على الحاضر، وتجعلها تنطلق مجدداً للغوص في ماهيتها وملامحها البهية المقترنة بالموت عند الفنان.
وحسب المتابعين، ففي أعماله المتنوعة المعروضة داخل الرواق، نرى تناقضاً كبيراً وجميلاً في أعماله؛ فالفرح لديه مقترن بالحزن، ومفهوم الذاكرة لديه أشبه بحديقة روحية ساحرة؛ حيث الجسد والذاكرة يحتفلان ببلاغة الصمت والبهاء الروحي.
ويبقى اسم الرسام علي خوجة راسخا في المدونة التشكيلية الجزائرية.
وترعرع علي خوجة علي المولود بالجزائر العاصمة سنة 1923، محاطا بخالَيه الفنانَين محمد وعمر راسم، اللذين احتضناه في سن الرابعة بعد وفاة والده. وقد وقّع علي خوجة علي على أول طابع صدر في 5 جويلية 1963، يحمل تأشيرة "الدولة الجزائرية". وكان الطابع الذي صدر بمناسبة الذكرى الأولى لاستقلال الجزائر، متبوعا بطلبيات أخرى من وزارة البريد، التي صمم لها الفنان الراحل طوابع إلى غاية 1981.
وكشف علي خوجة علي، التلميذ السابق لعمر راسم بمدرسة الفنون الجميلة، عن إنجازاته الأولى في سن 23، بعد متابعة دروس في فن الخط والزخرفة رفقة محمد تمام وبشير يلس. وقد درس طيلة ثلاثين سنة فن الديكور بمدرسة الفنون الجميلة، بعد أن غادر سنة 1961 منصب رسام بمكتب دراسة بمصلحة الصناعات التقليدية، متحف الفنون والتقاليد الشعبية سابقا.
وبعد الاستقلال تخصص هذا الفنان في تصميم الملصقات؛ حيث تميز من خلال ملصقة المهرجان الإفريقي الأول (1969)، لكنه لم يتخل عن الرسم، واستمر في المشاركة في المعارض الجماعية. وفي سنة 1990 عرض لوحاته الجديدة في معرض فردي بالعاصمة، وكان آخر عرض قدمه في سنة 2009.
وانكبّ علي علي خوجة على اهتمامه من الرسم إلى اللوحات الزيتية، لينتهي به الأمر إلى تفضيل الرسم التجريدي. وتأكد شغفه بالأحصنة والقطط على وجه الخصوص، في نهاية الستينيات؛ من خلال لوحاته التي ركزت على الحيوانات. كما تأكد ذلك من خلال لوحة "القطط" (1972)، و«القطيع" (1979) إحدى أشهر أعمال علي خوجة، والتي تمثل مجموعة من الأحصنة على لوحة ساحرة من الألوان.
وبعد الصدمة التي تلقّاها إثر اغتيال خاله محمد راسم وزوجته عام 1975، أوقف الفنان كل نشاطه الفني إلى غاية بداية ثمانينيات القرن الماضي. وصادفت هذه المرحلة من حياة الفنان تخليه عن المواضيع المتعلقة بالحيوانات والمناظر الطبيعية للخوض في الرسم التجريدي، بعناوين مثل "علامة العصر" (1982) و«نشأة الكون" (1983) و«هوس" (1985) و«تناقض" (1986).
وكان هذا الانتقال إلى الرسم التجريدي بالنسبة لفنان حزين ومكتئب، "نوعا من التعبير، ومحاولة لفهم العالم". وحسب فنان المنمنمات مصطفى عجاوت أحد تلاميذه، فقد كان الطابع التجريدي بالنسبة لعلي خوجة، بمثابة "تحرر نفسي". وواصل علي خوجة الرسم إلى آخر يوم من عمره، ولم يثنه ثقل السنين أبدا عن الإبداع.